سمـــــات ومرتكـــــزات المخابـــــرات الإسلاميــــــــــة
المجد –
من المعروف أن لكل مخابرات سمات تميزها، ومرتكزات تقوم عليها، ويرجع ذلك إلى اختلاف الأفكار والمعتقدات والقيم والأخلاق التي تسود الأمم، ومن هذا المنطلق نستطيع القول بأن المخابرات الإسلامية لها سماتها ومرتكزاتها التي تميزها عن سواها، وإن التقت مع المخابرات الأخرى في أساسيات العلم والمصطلحات الاستخبارية، فالغاية التي تسعى المخابرات الإسلامية إلى تحقيقها هي الإصلاح وإقامة العدل والمساواة وضبط حركة الحياة على ظهر البسيطة لتسير نحو سعادة البشرية، ومحاربة أي شيء يكدّر صفو تلك السعادة من المكدرات الظاهرة والباطنة، الأمر الذي يجعلها منفردة عن غيرها، فمن أهم وأبرز السمات والمرتكزات التي امتازت بها المخابرات الإسلامية: التقيد بأوامر القرآن الكريم والسّنّة النبوية المطهّرة، والتثبت والتأكّد من صحَّة المعلومة قبل اتخاذ القرار، واختيار القويّ الأمين، والمرونة والمواكبة، والرقابة على العاملين في بيئة المخابرات، وسمو الغاية والوسيلة منها:
التقييد بأوامر القرآن الكريم والسنّة النبوية: بمعنى أن المرجعية تنطلق من الوحي فأي حركة أو سكون في هذا المجال لابد أن تعرض على القرآن والسنّة، فالقرآن الكريم هو المرتبة الأولى من مراتب الاستدلال في المخابرات الإسلامية، ثم تأتي السنّة في المرتبة الثانية كمصدر من مصادر التشريع في مجال المخابرات الإسلامية، وذلك بعد عرض المسألة على أحكام القرآن الكريم أولاً.
التثبت والتأكد من صحة المعلومة قبل اتخاذ القرار: وتعتبر سمة بارزة ومرتكزاً هاماً وقد نص القرآن الكريم صراحة على هذه السمة في قوله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) [الحجرات: 6].
يقرر هذا النداء العظيم هذا النداء العظيم ضرورة التثبت من مصدر النبأ، ويخصص الفاسق لأنه مظنة الكذب وحتى لا يشيع الشك بين الجماعة المسلمة في كل ما ينقله أفرادها من أنباء فيقع ما يشبه الشلل في معلوماتها، فمدلول الآية الكريمة يتضمن مبدأ التحميص والتثبيت من خبر الفاسق، أما الصالح فيؤخذ بخبره، لأن هذا هو الأصل في الجماعة المؤمنة.
ومن أوضح الأمثلة على التثبت والتأكد من المعلومة في المخابرات النبوية ما حدث مع زيد بن أرقم حين نقل ما قاله عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس النفاق إلى رسول الله ، في غزوة بني المصطلق، فقد غضب عبد الله بن أبيّ بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم، فقال: أوَقَدْ فعلوها نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما عدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأُول: سَمّنْ كَلْبَك يَأْكُلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره من قومه فقال لهم، هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم بأيديكم لتحولوا إلى غير دياركم" فسمع زيد بن أرقم ما قاله رأس النفاق، فمشى به إلى رسول الله ، وأخبره بما قاله رأس النفاق، فقبل أن يبني النبي ، على قول زيد شيئاً قال له: يا غلام لعلك غضبت عليه؟ قال: لا والله، لقد سمعت منه. قال : لعله أخطأ سمعك؟ قال: لا يا نبيّ الله. قال : فلعله شُبّه عليك؟ قال: لا والله لقد سمعت منه يا رسول الله.
من خلال هذا الحوار الذي دار بين النبي ، وبين زيد بن أرقم نلاحظ مدى تثبت النبي من صحة المعلومة، ومدى حرصه على التأكد منها، ومن صدق الناقل، ومدى دقة هذا الناقل، ومدى فهمه لما قيل، فقد رأى الني ، التثبت والتأكّد من زيد بن أرقم كغلام حدث، ولكننا نجد منهج النبي ، يقوم على الاعتدال في التثبت دون إفراط أو تفريط، فهناك كثير من المعلومات يقبلها النبي ، ولم يتثبت فيها، كالمعلومات التي تأتيه من عممه العباس رضي الله عنه من مكة كما حدث في غزوة أحد، والمعلومات التي كان يأتي بها عبد الله بن أبي بكر للنبيّ في الغار. وأحياناً كان يقوم بالتثبت من المعلومات الواردة إليه، كما سبق أن بَيَّننَّا.
اختيار القوي الأمين: لقد سلك الإسلام منهجاً رفيعاً في اختيار العاملين في الوظائف المختلفة في الدولة، لا يقوم على المحاباة أو الأهواء أو القرابة أو الجنس أو اللون بل يقوم على من تتوفر فيه القوة والأمانة، فمن هذا المنطلق كان من أهم سمات ومرتكزات مجال المخابرات الإسلامية اختيار القويّ الأمين لكي يكون من بين العاملين في هذا المجال، نظراً لخطورة هذه الوظيفة لأنها تتعلق بأسرار الأمة وأمنها واستقرارها، لذلك فيكون العاملون في المخابرات الإسلامية متفردين وتتوفر فيهم شروط وضوابط تنطلق من الشرع الحنيف منها: أن يكون مسلماً، لأن العمل في هذا المجال نوع من الولاية التي تخول لصاحبها صلاحيات، وسلطات واسعة، فلا يمكن أن نعين في مثل هذه الوظيفة كافراً أو ذميّاً، وهؤلاء ليس لهم على المسلمين سبيل قال تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً). [النساء] ، ولكن كان النبي يستعين بغير المسلمين كمصادر بشرية للمعلومات، أو كدليل كما حدث في الهجرة من الاستعانة بعبد الله بن أريقط، وأن يكون عاقلاً حتى يستطيع فهم الخطاب، فلا يفهم الخطاب إلا عاقل، والخطاب لا يتوجه إلا لمن يفهمه، فالعمل الأمني على التفكير والتدبير وحسن التصرف، وكل ذلك لا يتوفر إلا في من يتصف بالعقل.
وأن يكون على علم بالأحكام المعلقة بمهنته وعمله، وهذا العلم ينطبق على معرفة حكم التجسس، وحدوده وحكم التهديد، والتعذيب والحبس والقتل والتخريب المادي ونحو ذلك مما هو من متطلبات العمل الأمني الإستخباري، ولا بد من هذا النوع من العلم حتى يتمكن رجل المخابرات من القيام بعمله على هدى وبصيرة، فلا يظلم ولا يجور ولا يتجاوز في عمله، ولا يتعد حدود الشرع. ولا مانع أن يستعين رجل المخابرات المسلم بالخبراء الفنيين في كل صنعة ساعة الضرورة، فقد جاء عن النبي : "استعينوا على كل صنعةٍ بأهلها".
وأن يكون مستقيماً على طريق الحق باجتناب ما هو محظور شرعاً، أي متوفر فيه شرط العدالة، وهي عبارة عن الاستقامة على طريق الحق والابتعاد عما هو محظور شرعاً، فشرط العدالة ضروري وأساسي في اختيار منْ يعمل في مجال المخابرات. لذلك يجب توخي الحذر في اختيار أكثر الناس عدالة، وفي حالة الاضطرار، يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق العدل، وإذا تعذر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل وإن كان فيه كذب وظلم، فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم.
فاشتراط صفة العدالة يحمي المخابرات الإسلامية من الاختراق، أو وجود العملاء فالاختراق والعمالة عادة ما تكون من الفاسق، والذي لا أخلاق له، وقد فطن لذلك سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أوصى سيدنا سعداً رضي الله عنه، وقال له: والفاسق عين عليك لا لك.
وأن يقوم بالعمل على الوجه الأكمل والأفضل، فلا بد أن يكون رجل المخابرات كامل الجسم قوي الشخصية، خالياً من العجز الحسي أو المعنوي، وبجانب القدرة يجب أن تتوفر في رجل المخابرات الطاعة والتقيد بالأوامر فهما أساس نجاح عمل المخابرات، وكذلك الدهاء والذكاء والخديعة لكي يتوصل بدهائه إلى كل موصل، ويدخل بحيلته في كل مدخل ويدرك مقصده من أي طريق أمكنه فإنه متى كان قاصراً في هذا الباب أوشك أن يقع ظفر العدو به، أو يعود صفر اليدين من طلبيته. أو يكون ذا خبرة ومهارة، وأن يعلم لغات العدو مخاطبة وكتابة، وقد أمر النبي زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود وقال: إنّني لا آمن أن يبدلوا كتابي، فتعلم زيد بن ثابت ذلك في خمسة عشر يوماً.
كما ينبغي مراعاة الحدس الصائب وأن يكون رجل المخابرات على قدر كبير من قوة الملاحظة والتدقيق في الأمور، والحكم عليها، والربط بين الأحداث، ومعرفة الأشياء وتحليلها لأن المعلومات وتثبيتها وتصنيفها وإيصالها للجهات المسئولة في الوقت المناسب من أهم العمليات اللازمة لضمان نجاح أي خطة عمل مهما كانت أهدافها وأدواتها أو ميادينها.
كما يجب أن يتحلّى بالشجاعة، فالعمل في مجال المخابرات تكتنفه الخطورة والمخاطر كالمخاطرة بالمال ثم المخاطرة بالنفس في سبيل الله، لذا يجب أن يتصف رجل المخابرات بالشجاعة كي يؤدي عمله على الوجه الأكمل وبالصورة المثلى، وأن يكون من ذوي الملاحظة الدقيقة حتى لا تفوته تفاصيل الأشياء، وأن يكون حدسه صائباً ليصل إلى استنتاجات تعينه على عمله وتنقذه من الخطر، كما يجب أن يكون قوي الذاكرة لتعينه على حفظ المعلومات بدقة شديدة، وتمكنه من ربط ملاحظاته ومعلوماته ببعضها البعض ليخرج بنتائج محددة، وكل ذلك يقوم على دقة الملاحظة وينبغي مراعاة صفة المقدرة على التنكر والتخفي، فهي صفة ضرورية لرجل المخابرات فهذه الصفة تؤمن رجل المخابرات أثناء تأدية واجباته، وتنفيذ مهامه المسندة إليه، وتمنعه من أن يكشف أمره، والتنكر لكل مهمة جديدة يجعل من الصعوبة بمكان على أجهزة المخابرات المعادية كشف عدوها بسهولة.