مختصون :التخابر مع الاحتلال جريمة مخالفة للقانون والقيم
المجد-وكالات
في إطار فتح الحكومةِ الفلسطينيةِ بابَ التوبة للعملاء الذين سقطوا في وحل التخابر مع العدو الصهيوني؛ عقدت الحملة الوطنية لمواجهة التخابر ندوةً أمنيةً أمس شارك فيها خمسة من المتخصصين، تناولوا خمسة جوانب متخصصة تتعلَّق مباشرةً بالموضوع المطروح.
واعتبر المشاركون ظاهرةَ التخابر جريمةً يُحاسِب عليها القانون والمجتمع، مطالبين بضرورة توعية المواطنين الفلسطينيين، ووضع برامجَ أمنيةٍ مكثفةٍ من أجل "مجتمعٍ بلا عملاء".
كما دعوا إلى ضرورة القضاء على هذه الظاهرة، مطالبين سلطة "فتح" في الضفة الغربية المحتلة بوقف كافة أشكال التعاون الأمني مع العدو الصهيوني، مبيِّنين أن بعض المواطنين يُوهَمون بأن التعاون الأمني من قِبَل سلطة "فتح" مع الاحتلال تشريعٌ لظاهرة التخابر.
القضية خطيرة جدًّا
وفي بداية مشاركته شكر عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، القائمين على الحملة الوطنية لمواجهة التخابر، معتبرًا أن الموضوع جد خطير، ويحتاج إلى اهتمامٍ كبيرٍ من قِبَل القيادة الفلسطينية للحفاظ على المواطنين الفلسطينيين من الولوغ في مستنقع التخابر والعمالة مع الاحتلال، معتبرًا ظاهرة التخابر ظاهرة قديمة وأسلوبًا رخيصًا يستخدمه الاحتلال ضد الشعوب المحتلة كما في الحالة الفلسطينية، على غرار ما فعل الاحتلال الألماني عندما جنَّد المواطنين الفرنسيين لصالحه إبَّان احتلال فرنسا.
وفرَّق يونس بين الجواسيس من جهة والعملاء والخونة من جهة أخرى، موضحًا أن الجواسيس يتبعون مباشرةً الاحتلال بأسلحتهم ولبسهم وغير ذلك، بينما العملاء والخونة عادة يكونون من المدنيين الموجودين في الأراضي المحتلة.
وشدد على أن جريمة التخابر مع الاحتلال جريمة خطيرة، لافتًا أن كثيرًا من الدول تصنفها على أنها "خيانة عظمى" تستوجب الملاحقة والمحاكمة.
التخابر جريمة مخالفة للقوانين الدولية
وأكد أن جريمة التخابر مخالفةٌ للقوانين الدولية، موضحًا أن اتفاقية جنيف الرابعة نصَّت على حماية المدنيين، وأن الاحتلال قام على النقيض من ذلك؛ فهو يعمل على ابتزاز المرضى من أجل التعامل والتخابر معه، وهذا مخالفٌ للاتفاقية.
وأضاف: "خروج وسفر المرضى من غزة إلى الضفة عبر معبر بيت حانون "إيريز" يعرِّض المريض للابتزاز من قِبَل الاحتلال، وهذه جريمة حرب؛ حيث يقوم الاحتلال بتهديد حياة المدنيين من خلال هذه الممارسات".
وأوضح أن القانون الفلسطيني أيضًا اعتبر التخابر جريمة خطيرة، مشددًا على أنها جريمةٌ تنتهك قواعد القانون الدولي.
وسائل وأساليب العدو في الإسقاط
من جانبه تحدَّث هشام مغاري الأكاديمي والباحث في الشؤون الأمنية، عن وسائل وأساليب العدو في إسقاط العملاء، وقال إنها وسائل عديدة ومتنوعة، وإن العدو الصهيوني يبتدع أساليب مختلفة وإبداعية إلى حدٍّ ما من أجل السيطرة على المواطن الفلسطيني الضعيف ومن ثم الإيقاع به في وحل التخابر.
وبيَّن مغاري أن العدو الصهيوني لا تحكمه الأخلاق ولا الإنسانية في هذا الشأن، محذرًا الشباب الفلسطيني من مكائد المخابرات الصهيونية وأجهزة الأمن الصهيونية.
وبيَّن أن من بين وسائل وأساليب إسقاط العدو استدراجَ الشباب من خلال ممارسة الجنس وتصويرهم والتهديد بفضحهم في مجتمعهم، ومن ثم الضغط عليهم لممارسة التخابر على مجتمعهم وجمع المعلومات والإدلاء بها إليه، مبينًا أن من يسقط في ذلك هم الضعفاء.
وشدد مغاري على أن الاحتلال الصهيوني يجنِّد المئات من جنوده ومجنداته من أجل تدمير المجتمع الفلسطيني من خلال النيل من كرامة الإنسان الفلسطيني عن طريق إسقاطه في وحل العمالة، مبينًا أنه فشل في كثيرٍ من الجولات وخسر في إسقاط المواطنين الفلسطينيين.
ودعا مغاري إلى ضرورة الانتباه إلى هذه الظاهرة الخطيرة، مشددًا على ضرورة وضع برامجَ وقائيةٍ وعلاجيةٍ للمتخابرين الذين تم إلقاء القبض عليهم.
تدمير السلم القيمي للمجتمع
أما الدكتور أنور البرعاوي رئيس هيئة التوجيه السياسي والمعنوي المتخصص في علم النفس، فقد أكد أن التخابر ممارسة لا أخلاقية، وأن الاحتلال يمارسها بحق بعض الفلسطينيين، مشددًا على ضرورة مواجهة هذه الظاهرة والقضاء عليها.
وأوضح الدكتور البرعاوي أن الاحتلال وأجهزته الأمنية يركِّزون على تدمير السلم القيمي للمجتمع الفلسطيني، مشيرًا إلى أن الاحتلال يخفي طبيعة نفسية العملاء والمتخابرين معه.
وقال إن دراسة حالات السقوط الأمني تتعلَّق بعواملَ نفسيةٍ متداخلةٍ، مضيفًا: "كثيرٌ من العملاء كانوا ضحايا سقطاتٍ نفسيةٍ سابقةٍ؛ حيث تعرَّضوا لقهرٍ نفسيٍّ منذ الصغر، وأثر ذلك فيهم وفي حياتهم، ومن ثم ظهرت عندهم نشوة الانتقام".
ولفت إلى ضرورة حسن التعامل مع الأبناء من قِبَل الآباء، وكذلك حسن التعامل من قِبَل المواطن الفلسطيني مع أخيه المواطن الفلسطيني، ومن القيادة الفلسطينية مع الرعية.
أهمية الجانب الوقائي
وشدد الدكتور البرعاوي على أهمية الجانب الوقائي وضرورة العمل به لوقاية المواطنين والمجتمع من الولوغ في هذا المستنقع المخيف، مبينًا أنه تجب "مواجهة الاحتلال بالعلم كما يواجهنا بالعلم".
ودعا إلى ضرورة تنمية العلاقات الاجتماعية بين الناس بعضهم وبعض، وأيضًا بين المسؤولين عن المجتمع وأفراد المجتمع ذاتهم من أجل حماية المواطنين وبقائهم في حضن المجتمع.
وأشار إلى بعض وسائل الإسقاط التي يستخدمها الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين الضعفاء لإسقاطهم، كأسلوب الجنس بتصوير بعض الشباب في مواضع غير أخلاقية ثم تهديدهم بفضحهم، فيشعر المستهدف بأنه متورط في مصيبة كبيرة ويضطر إلى التعامل والتخابر مع الاحتلال.
ودعا الدكتور البرعاوي المتخصص في علم النفس إلى ضرورة إنهاء أي أجواء تدعو إلى الإحباط أو تؤثر في نفسية المواطن الفلسطيني، معلقًا على ما سمَّاه "حالة الغرام بين الأنظمة الرسمية والاحتلال الصهيوني"، وقال إن المواطن العادي يشعر بأنه يمارس ما يمارسه الكبار من الأنظمة، مطالبًا الأنظمة الرسمية بوقف التعاون الأمني مع العدو الصهيوني، خاصًّا بالذكر سلطة "فتح" في رام الله، معتبرًا هذه اللقاءات خيانة، وأن البعض يعتبرها تشريعًا للخيانة والعمالة والتخابر.
ودعا إلى ضرورة التعامل مع القضية بمسؤوليةٍ اجتماعيةٍ ناضجةٍ للوصول إلى وطنٍ بلا عملاء، وكذلك دعا إلى ضرورة تظافر الجهود من قِبَل القوى الوطنية لإيجاد برامجَ تنميةٍ أمنيةٍ وقائيةٍ وعلاجيةٍ لمواجهة هذه الظاهرة، وإعلاء الصلابة النفسية لأبناء الشعب الفلسطيني.
العقيدة الأمنية الصهيونية
وتحدَّث الصحفي والإعلامي صالح النعامي المتخصص في الشؤون الصهيونية خلال كلمته عن العقيدة الأمنية الصهيونية وآليات التفكير لدى قادة الاحتلال فيما يخص ظاهرة التخابر والعمالة، وقال إنهم يسعون إلى توظيف المعلومات الاستخباراتية، وأضاف: "الأجهزة الأمنية الصهيونية تقول إن المعلومة الاستخباراتية يتم توظفيها المباشر -وهي أهم متطلب- لضرب المقاومة الفلسطينية وشل أركانها تمامًا".
وكشف النعامي أن الأجهزة الأمنية الصهيونية تعتمد على أن 70% من العمل الأمني يقع على كاهل قوات الاحتياط، بينما 30% يقع على كاهل القوات النظامية، مبينًا أن المصدر البشري للمعلومة أهم بكثير من المصدر التكنولوجي.
وبيَّن أن الاحتلال يسعى إلى قتل عامل الانتماء لدى بعض المواطنين؛ وذلك بإيجاد أنظمة القمع ضدهم، مشيرًا إلى أن العدو يعمل على تجنيد المستويات الأقل تعليمًا، كما أنه يركز على السيطرة على الأشخاص ذوي الوازع الديني الضعيف.
العدو لم ينجح
من جهته عبَّر داوود شهاب الناطق باسم حركة "الجهاد الإسلامي" عن قلق المجتمع الفلسطيني من هذه القضية، لكنه قال إن العدو لم ينجح في هذه الظاهرة إلى الحد الذي يريده، مشيرًا إلى درجة الصمود العالية التي يبديها المواطنون الفلسطينيون، مؤكدًا أن ذلك لا يقلل من خطورة هذه الظاهرة.
وأشار شهاب إلى مشكلة الإهمال الأمني التي قد تقع فيها بعض التنظيمات الفلسطينية، وحالة التجنيد المفتوحة من قِبَلها للأفراد دون اختبارٍ وتأهيلٍ وتربيةٍ.
ولفت إلى أن حالة الصراع المفتوح مع العدو الصهيوني أفقد الفصائل الفلسطينية أحيانًا القدرة على متابعة العناصر بشكلٍ جيدٍ ومتابعة انضباطهم.
وقال شهاب خلال مشاركته في الندوة الأمنية، إن الدور المتخاذل من قِبَل سلطة "فتح"، وتعاملها الأمني مع الاحتلال، كان مشجعًا على نشوب مثل هذه الظواهر التي تدخل ضمن الفوضى الأمنية، مشيرًا إلى ما سمَّاه "مسألة التعايش المجتمعي" التي تعلن عنه سلطة "فتح" في الضفة الغربية، وزيارة المجتمع الصهيوني، ومحاولة محاكاة ما به في المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، مبينًا أن ذلك أمرٌ خطيرٌ جدًّا، وأن هذا تشريعٌ للخيانة والعمالة وإعطاء بعدٍ قانونيٍّ لها.
أجهزة أمن غزة تعمل بجدٍّ
وأشاد القيادي في "الجهاد الإسلامي" بالموقف الجاد والقوي من قِبَل الأجهزة الأمنية في قطاع غزة لمواجهة هذه الظاهرة، ومن ثم تحصين المجتمع والجبهة الداخلية، لافتًا إلى "أننا نعيش مشروع تحررٍ وطنيٍّ".
ودعا شهاب إلى ضرورة تعزيز الفهم لدى أفراد المجتمع بخطورة هذه الظاهرة المدمِّرة، مطالبًا بتنظيم حملاتٍ تثقيفيةٍ وتوعيةٍ واسعةٍ، مشددًا على ضرورة ردع العملاء من باب تنفير الناس منهم وعدم حذو حذوهم.
كما دعا إلى ضرورة تعزيز صمود المواطنين الفلسطينيين، مشيرًا إلى ضرورة توفير احتياجات الناس، خاصة الاحتياجات الصحية التي يبتز الاحتلال من خلالها المرضى على المعابر، بما يقل الحاجة إلى الاحتلال لمعالجة المريض.
كما دعا وسائل الإعلام إلى ضرورة أن يكون لها دورٌ مهمٌّ في التوعية والتنشئة وربط الشباب بالقيم الوطنية والتحذير من خطورة ظاهرة التخابر مع العدو الصهيوني.