تقارير أمنية

كيف نجحت دولة الكيان في تجنيد هذا العدد من العملاء؟

المجد-

لعل أول ما يتبادر للذهن، عند تناول موضوع عملاء دولة الكيان وشبكات التجسس، السؤال التالي: كيف نجحت دولة الكيان في تجنيد هذا العدد من العملاء؟ القول إن نقاط ضعف العملاء، هو الذي مكن دولة الاحتلال من اصطيادهم وتجنيدهم، كلام صحيح، لكنه غير كاف لتفسير تحول العمالة لما يشبه الظاهرة. فالأمر يتطلب البحث عميقاً في البنية الاجتماعية والسياسية والثقافية والأخلاقية للمجتمع الذي أنبت ظاهرة كهذه.

فنقاط ضعف العملاء ليست معزولة عن ضعف مجتمعاتهم وهشاشتها، وهناك علاقة قربى، لا يمكن نفيها، بين ظاهرة العمالة، والظواهر المرضية المنتشرة في مجتمعاتنا العربية والمميزة لها، كالفقر والبطالة والفساد والاستبداد وغياب دولة المواطنة والقانون والعدالة الاجتماعية، والاغتراب والجهل والتخلف والتعصب واللجوء للعنف والإقصاء في حل الخلافات السياسية، الأمر الذي أدى، من جملة ما أدى، إلى حصول تشوهات في المجتمع طاولت منظومة القيم الأخلاقية والكثير من المفاهيم ذات العلاقة بالمصلحة العليا والانتماء للوطن والإخلاص له والدفاع عنه، وهيمنت ثقافة المادة والاستهلاك والأنا الفردية والمصلحة الشخصية. وهو ما شكل ويشكل البيئة الخصبة لنمو ظاهرة العمالة.

ولعل هذا ما يفسر قدرة دولة الكيان على تجنيد بعض العملاء، الذين يحتلون مواقع حساسة في مجتمعاتهم وأحزابهم ودولهم. طبعاً من المهم هنا الإشارة إلى أن عمالة هؤلاء، أو ربما معظمهم، بدأت قبل وصولهم لمواقعهم الحساسة والمهمة، وأن دولة الاحتلال، بأساليبها الخاصة، المعروفة وغير المعروفة، على الأرجح، هي من أوصل هؤلاء لتلك المواقع؟ فإذا كان نجاح دولة الكيان في تجنيد هذا الكم من العملاء، وتحقيقها لاختراقات أمنية نوعية في قطاعات متنوعة وحساسة، دليل قوة يحسب لها ولأجهزتها الاستخبارتية، فهناك وقائع عدة تضع إشارات استفهام حول تلك القوة، منها، على سبيل المثال، تمكن شرطة دبي من كشف ملابسات اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح وتداعيات هذه العملية، كذلك تمكن الأجهزة الأمنية اللبنانية، وخلال فترة زمنية قصيرة، من كشف عدد لا يستهان به من شبكات التجسس والعملاء.

وفي هذا السياق، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تحتاج دولة الكيان لهذا الكم من العملاء؟

مما لا شك فيه، أن ظاهرة زرع العمــلاء والتجسس، ظاهرة عالمية، لها دوافع عدة، سياسية، أمنية، عسكرية، اقتصادية، تكنولوجية،…إلخ.

وعلى رغم أن طبيعة الظاهرة التي نتحدث عنها لا تمكّن من الحصول على معلومات أو أرقام دقيقة، إلا أن هناك العديد من المؤشرات التي تدل على اهتمام دولة الكيان المبالغ به بسياسة تجنيد العملاء مقارنة بغيرها من الدول المتقدمة كاليابان أو ألمانيا مثلاً. فهل لذلك دلالة على قوة دولة الكيان أم ضعفها؟

الوقائـع تقول إن هناك العديد من الدول التي تميزت في هذا المجال وحقـــقت نجاحات كبيرة، لكن ذلك لم يساعدها على حل مشاكلها، وبقيت تعـــاني مـــن أزمات عميقــة أدت بها إلى التفكـــك والانهيار وهي بذلك تشبه الأنظـــمة المستبـــدة التـــي بنت أجهزة أمنية ومعلوماتية ضخمة بهدف قمع شعوبها، والحفاظ على سلطتها، لكن ذلك لم يحل دون سقوطها المدوي.

بالنسبة لإسرائيل يمكن القول إنها، ومنذ قيامها، تعيش حالة صراع دائم في المنطقة، ليس فقط مع الفلسطينيين الذين اغتصبت أرضهم وشردتهم، بل مع جميع العرب. وقد بات واضحاً، أن استراتيجيتها وخططها وأساليبها في خوض ذلك الصراع تعتمد كثيراً على شبكات التجسس والعملاء.

ودولة الكيان، وبخلاف ما تدعيه، تدرك حقيقة أنها دولة مصطنعة لا شرعية لها، على رغم مرور 62 عاماً على قيامها واعتراف معظـــم دول العالم بها. فهي تستشعر خطراً دائماً يتهــدد وجودها ومستقبلها، وتعاني علـــى صعيد أمنهـــا من هوس وعصاب دائميـــن، ما يجعلــها تظــن، أن جمع أكبــر عــدد ممكن من المعلومات عن الدول والشعوب المعادية لها، ومعرفة، كل صغيرة وكبيرة، تدور في رأس صانعي القرار والسياسة فيها، وامتلاكها القدرة على التدخل في شؤونها والتأثير على سياساتها، يمكنها من إدارة الصراع بنجاح ووضع الخطط والاستراتيجيات وتجنب المفاجآت، الأمر الذي يفسر زرعها لهذا الكم من العملاء، وحاجتها لهم، واعتمادها عليهم، ليس في فلسطين أو الدول العربية والإقليميـــة وحسب، وإنما فـــي جميـــع أنحاء العالم بمـــا فـــي ذلك الولايـــات المتحدة وغيرها من الدول المتحالفة معها استراتيجياً والتي تقدم لها كل أشكال الدعم والحماية؟!

خلاصة القول، إن نجاح دولة الكيان بتجنيد هذا الكم من العملاء ليس دليلاً قاطعاً على قوتها بقدر ما هو برهان دامغ على ضعف الأنظمة العربية وهشاشة مجتمعاتها، كما أن حاجتها لذلك الكم من العملاء مؤشر على نقاط ضعف كثيرة تعاني منها الدولة الصهيونية.

سامي حسن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى