قضية التجسس في رينو.. تسلط الضوء على احتدام الصراع الاقتصادي
المجد-وكالات
تقول فرنسا إنها «حرب اقتصادية» بينما تتعقب علاقة صينية محتملة بقضية تجسس صناعي في رينو وهو ما يتزامن مع المواجهة الحاصلة بشأن العملات والمنافسة على موارد السلع الأولية وفي خضم ذلك يتفاقم تأثير الصراع الاقتصادي على الشركات.
وأبلغ مصدر حكومي رويترز الجمعة أن مكتب الرئيس نيكولا ساركوزي كلف المخابرات الفرنسية بالتحقيق في ما يشتبه بأنها قضية تجسس صناعي في عملاق صناعة السيارات مع وجود علاقة صينية محتملة.
وأوقفت رينو ثلاثة مسئولين تنفيذيين عن العمل يوم الاثنين بمن فيهم عضو بلجنتها الإدارية، وقال مصدر لرويترز إن الشركة قلقة من خطر يتهدد برنامجها المهم لانتاج سيارة كهربائية والذي تستثمر فيه أربعة مليارات يورو (5.3 مليارات دولار) بالتعاون مع نيسان.
وصرح وزير الصناعة الفرنسي اريك بيسون للصحافيين يوم الخميس أن مصطلح «الحرب الاقتصادية» هو توصيف مناسب.
وقال رئيس مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية ايان بريمر «ما تراه هو تغير في طبيعة ما تعنيه الحرب في حد ذاتها… لن تكون مسألة قنابل وصواريخ وإنما حرب شبكات وتجسس صناعي وصراعات اقتصادية يمكن التنصل منها. ستكون هذه بيئة صعبة بشكل خاص للشركات الغربية». وهو يعتقد أن هذا سيدفع الشركات الغربية في نهاية المطاف لبناء علاقات أوثق مع الحكومات طلبا للحماية في مواجهة صعود قوى «رأسمالية الدولة» مثل الصين وروسيا.
ورينو ليست القضية المشتبه بها الوحيدة بأي حال. فالبرقيات الأميركية التي كشفها ويكيليكس تظهر دبلوماسيين يلقون باللوم على الصين في اختراق أنظمة غوغل الذي حدا بعملاق الانترنت إلى الخروج لفترة وجيزة من البر الصيني.
كما يشتبه بعض المحللين في أن سرقة المعلومات ربما تساعد الصين على سد الفجوة التكنولوجية بسرعة أكبر من المتوقع مع قيامها ببناء «مقاتلة شبح» لمنافسة الطائرة اف- 22 التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن.
وأظهرت صور نشرها عدد من مواقع الانترنت الأسبوع الماضي ما بدا أنه نموذج صيني عامل للمقاتلة الشبح رغم قول الولايات المتحدة إن الصين تحتاج لسنوات قبل أن تملك نموذجا عاملا حقيقيا.
لكن تجسس الشركات المدعوم حكوميا ليس شيئا جديدا. وقد اتهمت فرنسا نفسها مرارا بالقيام بنفس الشيء بما في ذلك مزاعم بزرع أجهزة تنصت في مقاعد درجة رجال الأعمال على متن طائرات اير فرانس في السبعينيات والثمانينيات. لكن صعود القوى الناشئة يسرع ذلك الاتجاه على ما يبدو.
ويتزامن ذلك مع المواجهة المستمرة بين الاقتصادات الناشئة والمتقدمة بشأن قوة العملات في ظل ارتفاع أسعار الغذاء إلى مستويات قياسية وتحرك النفط مجددا صوب سعر 100 دولار للبرميل جراء تنامي الطلب على الموارد الطبيعية.
وتتصاعد المنافسة على الموارد بين القوى الرئيسية. وتقوم الصين – وبدرجة أقل قوى ناشئة أخرى مثل روسيا والهند وماليزيا والبرازيل – بالتوسع في افريقيا على نحو خاص.
وتقول بكين أيضا إنها ستقلص حصص تصدير معادنها النادرة المهمة في كثير من الصناعات التكنولوجية والالكترونية مما أوقد شرارة سباق عالمي بحثا عن مصادر جديدة. وتنتج الصين نحو 97 في المئة من بعض أكثر العناصر ندرة في العالم وقد دفع خفض الصادرات أسهم المنتجين في أماكن أخرى إلى الارتفاع بحدة.
وفي حين أن القطاع الخاص والحكومات ووكالات المخابرات تكون وثيقة الصلة لدرجة التداخل فيما بينها في دول رأسمالية الدولة مثل الصين وروسيا فإنها تكون أكثر انفصالا في الدول الغربية. وقال أستاذ الأمن القومي بالكلية البحرية في رود ايلاند، نيكولاس جفوسديف «هناك مزيد من الاهتمام بالضرر الاقتصادي اللاحق بالأمن القومي لكنْ ثمة نوع من الانفصال بين الحكومة الأميركية والقطاع الخاص.
وأضاف «الافتراض مازال قائما بأن الحكومة تتولى الدفاع والقطاع الخاص يتولى الاقتصاد». ويقول آخرون إنه في حين أن صعود قوى اقتصادية جديدة سيجعل وكالات المخابرات تولي هذه القوى بعض الاهتمام فإن الجهد الرئيسي سيظل منصبا على الحيلولة دون هجمات يشنها متشددون لا شئون الشركات.
وقال مسئول كبير سابق بالمخابرات البريطانية مشترطا عدم كشف هويته «أشك في أن يصبح هذا الأمر أولوية للوكالات البريطانية عدا ما يتعلق بشئون الدفاع.
الشركة: الأسرار الصناعية التي تسربت «ليست حيوية»
قال مدير عمليات شركة «رينو» الفرنسية لصناعة السيارات، باتريك بيلاتا في مقابلة مع صحيفة «لوموند» إن الأسرار الصناعية المتعلقة بالموديلات الكهربائية المستقبلية والتي تسربت من خلال التجسس «ليست حيوية».
وكانت الشركة قد جمدت ثلاثة من مديريها عقب تحقيق أجرته بشأن تسرب أسرار متعلقة بالموديلات الكهربائية.
ورفض وزير الصناعة الفرنسية، أريك بيسو، التعليق على تكهنات بشأن إمكانية أن تكون الصين ضالعة بالعملية.
وكان بيسو قد وصف عملية التجسس على منتجات «رينو» التي تمتلك الحكومة الفرنسية 15 في المئة من أسهمها بأنها «حرب اقتصادية»، وطلب الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، من الاستخبارات الفرنسية التحقيق بالموضوع.
وتشتبه دوائر في شركة «رينو» أن عمليات التجسس تمت لصالح شركة منافسة في الصين.
وقال بيلاتا إن «السرقة» التي اكتشفت في شهر أغسطس/آب الماضي وأدت إلى إجراء تحقيق دام شهوراً هي «من عمل محترفين»، وقال في مقابلته مع «لوموند» : «رينو كانت ضحية شبكة دولية منظمة، اكتشفنا بعد عدة أسابيع من التحقيقات أننا في مواجهة جمع منظم للمعلومات التكنولوجية والاقتصادية والإستراتيجية لخدمة جهة خارجية».
وأضاف أن السرقة قد تكون تضمنت تفاصيل التكاليف والموديل الاقتصادي لبرنامج السيارات الكهربائية الذي يكلف مليارات اليوروهات، ولكن السرقة لم تطل «المفاتيح الذهبية» ومنها 200 براءة اختراع. وكانت صحيفة «لو فيغارو» قد قالت إن المعلومات التي سربت تتعلق ببطارية ومحرك السيارات الكهربائية التي ستطرح في الأسواق العام 2012، ولكن بيلاتا أكد انه لم تتسرب معلومات حساسة تتعلق بالتكنولوجيا الجديدة.
وقال مراسل «سي إن إن» في باريس، كريستيان فريزر، إن صناعة السيارات هي من الأعمدة المهمة للاقتصاد الفرنسي وهي أحد المستخدمين الرئيسيين في فرنسا.
وقد استثمرت شركة «رينو» مع شريكتها «نيسان» الكثير في مجال السيارات الكهربائية، ويخطط كلاهما لإطلاق موديلات كهربائية جديدة في السنتين المقبلتين.