عين على العدو

الستون.. الفلسطينية

 


 


لم تجب الصهيونية العالمية بشكل واضح ، أو حتى بالتلميح ، عن السؤال الممتد في أحداث ستين عاما من نكبة فلسطين ، وهو (ما طبيعة العلاقة التي تريدها إسرائيل مع المحيط العربي؟). ورغم ذلك نفذت مخططات واضحة وبمراحل لا تحيد عنها لبناء الدولة الصغيرة “العظمى” في محيطها. ولم تكن إسرائيل معنية في بداياتها بعلاقاتها مع العرب بل بتقوية تحالفها مع القوى الدولية وتأكيد مصالحهما المشتركة ، فثبت هذا التعاون وجودها ودعمها عسكريا وماليا ، وتجاهلت التحالف مع أي نظام عربي يمكن أن يؤخر قيام الدولة ، ولم تهتم بالفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم فما يعنيها هو التفوق العسكري والعلمي والتأييد العالمي وقد حققته جميعا ، بينما كان العرب يتناحرون ويتسابقون إلى التقليل من شأن عدوهم وقدرته.


 


ومنذ النكبة تقاسم الصهاينة الأدوار التي تثبت دولتهم ولم يختلفوا حول ثوابتهم رغم خلافاتهم وانقسامهم الداخلي بين السفرديم والأشكناز واختلاف رؤية زعمائهم ، فأمن إسرائيل هو مسلمات لا يجوز المساس بها ، وهي تعزيز العلاقات الخارجية مع الدول العظمى ، وتنظيم الهجرة إلى فلسطين وإنشاء جيش بعد العصابات المسلحة ، وتوسيع رقعة”الوطن” بالاحتلال والاستيطان ، وامتلاك السلاح النووي والتفوق العلمي.


 


وحين تم تنفيذ هذه السياسات وتحققت نظرية شمعون بيريز في إقامة الدولة الصغرى والأقوى في المنطقة ضمن الشرق الأوسط الكبير ، بدأت تتضح رؤية إسرائيل للتعايش مع العرب.. في فلسطين بإقامة الحواجز والحائط الإسمنتي ، وبالعلاقات الاقتصادية والخبرات والأفكار للمحيط العربي الأوسع. ونفذت إسرائيل خطتها طويلة الأمد (جدا) بحرفية بالغة. ورغم أن قيام إسرائيل تزامن مع ظهور النزعة القومية العربية التي جعلت فلسطين قضية العرب الأولى ، إلا أن شعار القومية والوحدة العربية أضجت مثيرة للأسى ومن أحلام اليقظة ، فالسياسة العربية حائرة ومنقسمة حول العلاقة مع إسرائيل ، فهي مفروضة عليهم إما بتفوقها ، أو بإملاءات السياسة الدولية التي ساندتها منذ قيامها. ولكن إسرائيل تمكنت خلال العقود الأخيرة من اختراق السياسة العربية وإقناع الحكام بانتصارها وتفوقها العسكري ، وبأن التعايش معها هو الحل لأزمة المنطقة ، وبدأت سلسلة الاتفاقات الثنائية مع مصر أولا ثم الفلسطينيين أنفسهم ، ولكن اتفاق أوسلو عجز عن تحقيق شيء للاجئين الفلسطينيين وزاد من الأزمة الاقتصادية قي الضفة الغربة وغزة ، فازدادت هجرة الداخل والخارج الفلسطيني إلى أوروبا وكندا وأستراليا وأمريكا ، وصار الحديث عن التعويض المالي مقبولا بعد أن اعتبر طويلا خيانة وطنية.


 


وفي حين تغير الموقف الرسمي العربي من العلاقة مع إسرائيل رغم عدوانها وممارساتها على الداخل الفلسطيني ، ظل الرأي العام العربي على موقفه العدائي منها ولكن دون فعل حقيقي ، وتفاقم وضع عدم المبالاة للمأساة الفلسطينية بعد تقاتل حماس وفتح على مكاسب الحكم الهزيل في غزة وأراقوا الدم المحرم.


 


أما على الصعيد الفلسطيني فقد أضحى حلم عودة اللاجئين خيالا بعد أن اعتقد الفلسطينيون أن ثورتهم قادرة على تحقيقه ، ولكن هذه الثورة خسرت كثيرا من التأييد الشعبي بعد الرسمي نتيجة أخطائها المتكررة بالدخول في المشاكل والسياسات الإقليمية ، وانقسام الرؤية والنهج بين فصائلها ، والفساد الذي استشرى وما زال ، وتردي الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وغزة بعد عودة السلطة الفلسطينية ثم الطامة الكبرى بالانقسام والاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني.


 


لقد جنت إسرائيل من مفاوضات السلام أضعاف ما حققه العرب ، وقعت معاهدة وادي عربة ، وتسابقت الدول العربية إلى التطبيع معها حتى البعيدة جغرافيا ثم تراجع بعضها كتونس والمغرب ، وصارت الدول الأكثر تشددا كسوريا مرنة إلى حد كبير في مسألة المفاوضات.


 


كما استطاعت إسرائيل ومن ورائها أمريكا إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار إسرائيل دولة عنصرية ، والقرار 242 القاضي بانسحاب إسرائيل إلى حدود 67 وكلل بوش الإبن هذا الإلغاء بتوجيه خطاب إلى شارون يؤكد حق إسرائيل في ضم الأراضي وإقامة المستوطنات كما تشاء (حسب مقتضيات أمنها).


 


أما العرب فما زالوا بعد ستين عاما يراوحون مكانهم في تحسين صورتهم عند الغرب وعلى المستويين الشعبي والرسمي ، وعلى النقيض استطاع الغرب استغلال الإسلام السياسي ، وتشجيع الفكر الديني التكفيري وانتشاره لتشويه صورة العرب والمسلمين وتنمية العداء لهم ، فتأكد الانطباع العالمي بأن العرب والمسلمين عنصريون وإرهابيون ويقتلون بلا رحمة.


 


ستون عاما على النكبة حققت لإسرائيل الكثير ، بينما خسر العرب حلمهم القومي وتنازل الفلسطينيون حتى عن ورقة التوت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى