إمبراطوريته جهاز استخباري من الطراز الأول
المجد-
في تحرك متسارع ومنظم بدأ زعماء المنظمات اليهودية والصهيونية الموالية لـ”إسرائيل” في أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا حملة تستهدف الدفاع عن إمبراطور الصحافة العالمية روبرت مردوخ، وقال مالكوم هونلاين نائب رئيس مجلس المنظمات اليهودية “إن وسائل الإعلام المملوكة لمردوخ كانت الأكثر حيادية بالنسبة إلى “إسرائيل” قياساً على وسائل معالجة وسائل الإعلام الأخرى” .
وتابعت المنظمات اليهودية الأمريكية نشر تعليقات سابقة لمردوخ، منها كلمة العام الماضي أمام لجنة مكافحة التشهير التي أكد فيها أنه إذا كان الغرب يعتقد دوماً بأن “إسرائيل” لا تستطيع البقاء من دون مساعدة الولايات المتحدة وأوروبا، فإنه من اللائق أن يبدأ اليهود في اعتبار أنه لا الولايات المتحدة ولا أوروبا يمكنهما البقاء إذا ما سمح لـ”الإرهابيين” بالفوز في “إسرائيل”، بمعنى أن بقاء “إسرائيل” يحمي (البقاء) الأمريكي والأوروبي .
وفي الولايات المتحدة ذهبت محطة “فوكس” التلفزيونية المملوكة لمردوخ بعد أسبوعين من تحاشي الخوض في فضيحة شركات مردوخ البريطانية، للترويج لنظرية مفادها أن جريدة مردوخ اللندنية التي تم إغلاقها للأبد (أخبار العالم) ما هي إلا ضحية للاختراق وليس العكس .
جاء هذا بالتوازي مع استنفار ملحوظ في أروقة واشنطن السياسية يقوده رجل مردوخ في العاصمة الأمريكية مايكل ريغان، وهو أحد موظفي الكونغرس السابقين الذي يترأس حالياً شركة علاقات عامة و(لوبي) ومعروف بنفوذه داخل الكونغرس وكذلك على الصعيد السياسي الأمريكي، وذلك للدفاع عن مردوخ، وجاء ذلك بعد أيام من قرار المدعي العام الأمريكي فتح تحقيق حول احتمالات تورط شركات مردوخ في الولايات المتحدة في فضيحة تنصت مشابهة للتي حدثت في إنجلترا، وقد سارع عضو الكونغرس اليمين بيتر كينغ المتهم بعدائه للإسلام بالإعلان عن قيامه بتشجيع فتح التحقيق في الأمر، وتلقى بعدها مكالمة هاتفية من مردوخ نفسه ليؤكد الأخير لكينغ عدم حدوث أي مخالفات في الولايات المتحدة .
مزايدات كينغ فهمت على أنها مجرد إجراء احترازي لا ينفي محاباته التقليدية لليمين المدعوم إعلامياً وسياسياً على مدى عقدين على الأقل من قبل مردوخ .
وكان تجاهل متعمد من قبل كثير من وسائل الإعلام الأمريكية ما عدا شبكتي ال “CNN” و”MSNB”، قد هيمن على مدى الأسبوعين الماضيين قبل أن تدحرج فضيحة مملكة مردوخ في بريطانيا فأحرجت كثيرين وأجبرتهم على متابعة الحدث، وهو الأمر الذي دفع كثيرين أيضاً إلى انتقاد الإعلام الأمريكي ليس بسبب تجاهل الأمر في بدايته فقط بل أيضاً لقيام وسائل الإعلام الأمريكية بمعالجة الموضوع على أساس أنه محاولات اختراق من قبل صحيفة واحدة ضمن مئات الوسائل الإعلامية التي يمتلكها مردوخ، وتجنبت وسائل الإعلام الأمريكية وحتى البريطانية وصف العمل اللاأخلاقي في التنصت على المكالمات بأنه مجرد اختراق، وذلك للإيحاء بأن ما حدث مجرد لعبة غير مقصود منها الإيذاء، ناهيك عن تعمد “الميديا” الأمريكية الابتعاد عن طرح أسئلة منطقية مثل كيفية ممارسة صحافيي مردوخ التجسس على هواتف أرضية وهو الأمر الذي يستلزم امتلاك معدات وتقنية متطورة للتجسس، عادة ما تمتلكها الدول لا المؤسسات، وذهب البعض ومنهم أحد الصحافيين الذي سبق له العمل في مؤسسة صحافية آلت إلى مردوخ إلى القول إن مردوخ يمثل كياناً ضخماً مهمته الحصول على المعلومات وإدارتها واستثمارها كيفما يشاء بل توجيهه الرأي العام وقبله الساسة .
وإشارات هذا الصحافي الستيني ل”الخليج” لا سيما حين تساءل عما إذا كانت مجرد عملية الاختراق هي التي أدت إلى إغلاق جريدة بريطانية عمرها 160 عاماً للأبد، هذه الإشارات عنت التلميح إلى قضية أكبر يشك في إمكانية الكشف عنها حتى في بريطانيا، وهي قضية إذا ما فتحت بجدية وهو أمر مستبعد ستكون كافية لأن توصف بأنها أكبر كشف في القرن الجديد، ويكفي للإشارة لحجمها ذكر قيام مديرين يعملون مع مردوخ بمحو رسائل بريد إلكترونية بلغ حجمها نصف تيرابايت أي خمسمئة مليار بايت وهو ما يعادل خمسمئة نسخة من الموسوعة البريطانية، فما بالك بالحجم الحقيقي لكميات المعلومات المتداولة داخل إمبراطورية مردوخ المعروف عنه تأييده المطلق ل”إسرائيل”، بل صار إحدى أكبر أدوات “إسرائيل” في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم .
ويكفي أن نتوقف عند العديد من تصريحاته التي تكشف ولاءه الحقيقي، ومنها “نحن نعيش في عالم حيث الحرب جارية ضد اليهود”، وهو الشخص ذاته الذي تزعم حملة التحريض على غزو العراق، كما جندت محطاته التلفزيونية، وعلى رأسها “فوكس” التي أصبحت لسان حال اليمين المسيحي الصهيوني الأمريكي، جندها لتكريس مبدأ الحرب على الإسلام .
مردوخ ومؤسساته الإعلامية التي تضم ما يزيد على 172 مطبوعة وعشرات من محطات التلفزة وبسيطرته على نطاق أقمار صناعية أو دعمه المخفي والمعلن لتيارات سياسية ودينية معينة حول العالم لا يعبر فقط عن مجرد عملية سيطرة إعلامية وسياسية بواقع تأثيره في مجريات الانتخابات وتصعيد ساسة واغتيال آخرين إعلامياً، بل وهذا هو الأمر الذي يحاول الغرب التغاضي عنه حتى الآن إنه كيان استخباراتي متعاظم النفوذ والتغلغل، فعبر إمبراطوريته الإعلامية يتم جمع المعلومات بكل أشكالها، ولا يستبعد أن تستخدم في الابتزاز وخدمة الكيان أيضاً بكل أنواعها، أو أن تؤول في نهاية الأمر إلى أجهزة الكيان كمخزن منتظر وتقليدي .
المعلومات نفسها يمكن من خلالها التأثير في الرأي العام، ولِمَ لا وشركات مردوخ (أو إمبراطوريته الإعلامية) تستحوذ على سمع وبصر 110 ملايين مشاهد في أربع قارات .
وإذا نظرنا للمثال الأمريكي سنجد أن مردوخ الذي يمتلك ال”وول ستريت جورنال”، قادر بسياسات تحريرية على التحكم ليس فقط في رؤية قرار هذه الجريدة بل في أصحاب الأعمال وأسهم ال”وول ستريت”، حيث إن خبراً بسيطاً عن لمعان أحدها أو إخفاقه كفيل بتحريك السوق كله، أيضاً على الساحة السياسية الأمريكية سنجد كيف كان مردوخ وراء ظهور جماعات يمينية مثل جماعة حفلات الشاي، وذلك بدعمهم مالياً وإعلامياً ليتحولوا في غضون أشهر إلى تيار سياسي شهير، وكما أسلفنا فقد كان إعلام مردوخ وراء حملات التحريض لغزو العراق لا سيما قناة “فوكس” الإخبارية، وكما كان أمر تحكم مردوخ في مسيرة الحياة السياسية والانتخابات في بريطانيا، ولم يصبح سراً كيف قال في عام 91 وهو في مكتبه بأستراليا وكان ذلك قبيل الانتخابات البريطانية، “إذا أراد توني بلير الفوز فعليه أن يأتي إلى هنا ليجتمع مع مرؤوسي” . وقد تم ذلك حيث هرول بلير على الفور إلى هناك وبالفعل فاز بالانتخابات .
أيضاً الأمر في الولايات المتحدة لا يختلف كثيراً، فمردوخ الذي حصل على الجنسية الأمريكية في عهد ريغان كان أول من يقوم المشرعون بتغيير قانون يمنع أصحاب المطبوعات من امتلاك وسائل إعلام مرئية و”مسموعة” من أجله .
مردوخ “الإسرائيلي” الجنسية أيضاً، حريص جداً على الاهتمام بالأقسام التي تتعاطى مع الشرق الأوسط في كافة وسائل إعلامه، ووصل الأمر إلى تخصيص ما يشبه الرقيب وهو محرر متخصص ومضمون ولاءه ل”إسرائيل” للإشراف وتمرير أي أخبار لها علاقة بالشرق الأوسط أو العرب أو “إسرائيل” أو الإرهاب، وهو الأمر الذي فضحه صحافيون كنديون ونشرته “الخليج” قبل أعوام بالتفاصيل .
باختصار فإن مردوخ ليس فقط مجرد إمبراطور إعلامي، بل هو في حد ذاته وفي إطار مؤسساته المتنفذة والممتدة حول العالم يمثل مؤسسة أشبه ما تكون بالدولة الموازية ل”إسرائيل”، مهمتها دعم الكيان ومد النفوذ للسيطرة على ساسة ورجال أعمال وإعلاميين . فعلى سبيل المثال، كان هو الداعم الأساسي لنيوت جنجريتش رئيس مجلس الشيوخ الأسبق والمرشح المحتمل للرئاسة الأمريكية ،2012 كما كان مردوخ ومؤسساته داعماً أساسياً لأشخاص محسوبين على اليمن المتطرف الأمريكي مثل مريك سانتوروم (مرشح رئاسة) ومنافسته ميشيل باكمان، إضافة لأشخاص مثل سارة بالين، والدعم غالباً ما يجيء عن طريق تعيينهم مستشارين لإحدى شركاته أو محطاته .
ومردوخ الذي لم يكتف بالسيطرة على العالم الغربي دأب مؤخراً في محاولة التسلل إلى عالمنا العربي والإسلامي، فها هو يشارك رجل أعمال تركياً كبيراً بشراء حصة بعد تدهور المشاعر التركية تجاه “إسرائيل”، وهو ذاته الذي سارع بمحاولة إنشاء مركز له في الخليج، فيما نجح في توقيع عقد شراكة مع شركة روتانا العربية، الغرض منها – كما نشرنا في “الخليج” منذ عام ونصف العام – كان بالأساس الاستحواذ على المقدرات الثقافية العربية، والمنتج الفني ومعظمه مصري للتعتيم عليه وشطبه من الذاكرة العربية، ريثما يفرغ من محاولة الولوج إلى العقل العربي عبر إحدى محطاته .
إن مردوخ الذي ينظر إليه أحياناً في الولايات المتحدة بل وفي أرفع اروقتها السياسية على أنه أحد حكام العالم يمر بأعنف أزمة شهدتها أعوامه الثمانون، ولكنه بدعم يهود العالم ودعم “إسرائيل” سيتمكن من الإفلات من “مصادفة” الكشف عن حقيقة إمبراطوريته، وما يشكله من لوبي عابر للقارات .
نقلا عن صحيفة الخليج