الأزمة تعصف بدولة الكيان
المجد-
خيام احتجاج، مظاهرات، ومظاهرة ضخمة أمام الكنيست، انتقال هذه الاحتجاجات من تل الربيع المحتلة إلى مدن صهيونية أخرى, بسبب أزمة ارتفاع أسعار وغلاء أجور الشقق السكنية, وبالأمس كانت اعتصامات العمال والأطباء، بهدف رفع الأجور، ومقاطعة لبعض السلع التي ازداد ثمنها، بتشجيع من جمعية حماية المستهلك.
كل هذه المظاهر وأخرى شبيهة غيرها تعصف بالشارع الصهيوني، وتتزايد وفقاً للتقارير الاقتصادية بوتائر متسارعة، الأمر الذي تفوح منه رائحة تعميق الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدولة الصهيونية، وانعكاسات ذلك اجتماعياً من خلال تعميق هذه الأزمات، وطبقياً بازدياد الفوارق الطبقية بين الفقراء والأغنياء، وما يعنيه ذلك من: اضمحلال تدريجي للطبقة الوسطى، وما يستتبع ذلك من مظاهر اقتصادية واجتماعية أخرى، حصيلتها الأساسية: أزمة سياسية، فالسياسة وفقاً للتعريف الفلسفي: هي اقتصاد مكثف، الأمر الذي يشي بتأثيراته الكبيرة على شكل الائتلاف الحكومي الحالي في الدولة الصهيونية بزعامة نتنياهو.
دولة الكيان تنزعج من وصفها بأنها إحدى دول العالم الثالث، هي تطرح نفسها باعتبارها إحدى القوى الكبرى على الصعيد الدولي, وبالتالي فالأزمة التي تعصف بها حالياً هي تكرار لسيناريو الأزمات في هذه البلدان العالمثالثية.
بالطبع قد يقول قائل: إن الأزمات الاقتصادية تعصف بدول كبرى، لكن الدول الكبرى قادرة بميزانياتها الضخمة وأدواتها الإنتاجية على حل جزء من أزماتها، لكن الدول النامية تفتقد للعناصر الاقتصادية الكافية بإخراجها من أزماتها. دولة الكيان حتى اللحظة ومن أجل سد الاحتياجات في ميزانيتها تتلقى دعماً أمريكياً بما يقارب 3 مليارات دولاراً سنوياً، وكذلك دعماً اقتصادياً أوروبياً.
الكذب في الأزمة
ستانلي فيشر محافظ المصرف المركزي الصهيوني، يحاول التخفيف من حدة الأزمة من خلال القول: بأن دولة الكيان تمكنت من تجاوز المرحلة الأصعب في الأزمة المالية العالمية، ووفقاً له أيضاً: فإن نسب النمو والتصدير فيها عادت إلى النمو بشكل مريح.
الخبراء الاقتصاديون في دولة الكيان يكذبون محافظ المصرف المركزي، من خلال ارتفاع أسعار السلع وارتفاع أسعار الإسكان بنسبة 40′ خلال العامين الماضيين. وخوفاً من انهيار قطاع الإسكان (وهذا وارد) وهو الذي سيهز الاقتصاد الصهيوني، شدد البنك المركزي من إجراءات الرهن العقاري بالبنوك ورفع نسبة الفائدة الأساسية عشر مرات لتصل إلى 3. 25′ في محاولة لزيادة تكلفة ائتمان الإسكان.
ليس متوقعاً أن يؤدي ذلك إلى منع انهيار هذا القطاع، وتعميق الأزمة، حتى ولو من خلال (الخطوات المركزة) على المدى القصير التي وعد نتنياهو باتخاذها، لمساعدة الشباب الصهاينة على استئجار أو شراء الوحدات السكنية، وبتشجيع الاستيطان في الضفة الغربية فكثيرون من الصهاينة لا يحبذون السكن في المستوطنات لاعتبارات كثيرة.
مخاوف اقتصادية
صحيفة هآرتس الصهيونية وفي عددها الصادر الأحد الماضي، عكست المخاوف بشأن أزمة اقتصادية في دولة الكيان لأسباب عديدة منها: إمكانية إعلان دولة فلسطينية في الأمم المتحدة، ومنها أيضاً: انخفاض مؤشرات التداول في البورصة خلال الأشهر الأخيرة، أيضاً منها: أن دولة الكيان تعتمد على الصادرات، ومؤشرات الدول المستوردة منها ومثلاً الولايات المتحدة في تناقص فمؤشر البورصة الأمريكية (وول ستريت) يشهد انخفاضاً ملحوظاً بسبب قلق المستثمرين من بيانات اقتصادية غير مشجعة، إضافة إلى العجز الحكومي الاقتصادي الضخم، وارتفاع نسبة البطالة.
ومن الأسباب أيضاً:تصاعد أزمة الديون اليونانية ومخاوف من امتداد ذلك إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي. الحصيلة انخفاض الاستيراد في هذه الدول، من دولة الكيان، نتيجة للركود الاقتصادي الذي تتعرض له، وهو ما يؤثر سلبياً على الشركات المصنعة الصهيونية.
أيضاً:علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مايلي:الاحتياجات المالية الضخمة للتسليح الصهيوني، وكذلك للأمن, والعدوان والاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا أيضاً يلقي بثقله الكبير على الاقتصاد الصهيوني، ثم الثمن الذي تدفعه الحكومة للأحزاب الدينية واليمينية الأخرى من أجل مشاركتها في الائتلاف الحكومي، وهذا يكلف الاقتصاد الصهيوني مبالغ باهظة، فاشتراطات هذه الأحزاب على الحكومة كثيرة وغالية الثمن.
اقتطاع ضخم
دولة الكيان، وفي السنوات الأخيرة لجأت إلى اقتطاع مبالغ ضخمة من قطاعات: التأمين، الأطباء والصحة، التدريس وغيرها من أجل سد بعض العجز في ميزانيتها، أيضاً ميزانية الاستيطان الصهيوني, ولقد لجأت الحكومات الصهيونية المتعاقبة في العشر سنوات الأخيرة إلى دعم الخصخصة على حساب القطاع العام.
ما الحصيلة: أن أزمة اقتصادية تعصف بدولة الكيان، وهي أزمة من نمط جديد، بالضرورة، للكثير من العوامل كان لابد للأزمة من الانفجار. ما نشهده حالياً وعلى الأغلب، هو بداية المشهد الأزموي القابل للانتقال إلى قطاعات أخرى، في ظل عجز صهيوني حقيقي عن إمكانية إيجاد الحلول، حتى لو تضاعف حجم المساعدات الأمريكية – الأوروبية للكيان الصهيوني، فلن يساعد ذلك على حل الأزمة البنيوية التي تعصف بالاقتصاد الصهيوني.
لقد تغنت أحزاب ما يسمى بــ(اليسار) في دولة الكيان، بيساريتها، لكن ومع مرور الزمن تبين:أن خطوطاً رفيعة تفصل ما بين توجه الأحزاب في دولة الكيان بيسارها ويمينها، هذا مع استحالة الجمع بين الصهيونية واليسارية وكلمة اليسار الصهيوني، هي افتئات على الأيديولوجيا والتاريخ, والحركة اليسارية الصهيونية الوحيدة هي الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وهي في غالبيتها من العرب، وهي امتداد للحزب الشيوعي الصهيوني بالائتلاف مع بعض القوى وبعض التجمعات التقدمية الديمقراطية.
ولأن الأزمة الاقتصادية في دولة الكيان بهذه الدرجة سيكون لها مظاهرها السياسية، التي قد تطيح بحكومة الائتلاف الحالي بزعامة نتنياهو، وقد تؤدي إلى انتخابات جديدة، وإلى إعادة في حجم قوة الأحزاب في الكنيست, بالمعنى الاجتماعي ستتفاقم الأزمات الاجتماعية نحو المزيد من الفقر للقطاع الأكبر في الشارع الصهيوني، إضافة إلى تسارع وتيرة النمو باتجاه اليمينية الدينية، والفاشية في دولة الكيان على المدى القريب المنظور.