الاغتيال كسياسة خارجية * وليام فاف
المجد-
بعد الحرب العالمية الثانية، الأشخاص الذين كانوا متورطين مع فرق «جدبيرغ» الأميركية والبريطانية وغيرها من قوات الحلفاء الأخرى، التي دعمت المقاومة الأوروبية قبل إنزال نورماندي بالضبط، ومن عملوا في العمليات الخاصة التنفيذية البريطانية والمكتب الأميركي للخدمات الإستراتيجية في آسيا، كانوا من بين أولئك الذين خططوا لاجتياح سوفييتي محتمل لأوروبا الغربية.
نحن نعرف الآن أن هذا الاجتياح لم يكن أبدا خطرا حقيقيا، سواء عندما كان ستالين على قيد الحياة أو بعد وفاته في العام 1953، إنما كان تهديدا شغل تفكير الحكومات في الغرب. قبل إنشاء الناتو، تطورت شبكة سرية بدائية من الأوروبيين لتوفير نواة للمقاومة بعد هذا الاجتياح. كان هذا عمل مكتب التنسيق السياسي التابع لوزارة الخارجية الأميركية، سلف وكالة الاستخبارات المركزية، ودائرة إم 19 التابعة للاستخبارات البريطانية، التي أدارت شبكات سرية خلال الحرب. كلفت وزارة الدفاع لاحقا بالقيام بالجزء الأميركي من المشروع. العملية دعيت «غلاديو» (سيف روماني قصير) وبقيت سرا حتى عام 1990. (في إيطاليا ودول أخرى بعينها، جرى إفسادها لاكتسابها صفة سياسية تآمرية يمينية).
الجيش الأميركي، المعادي بشكل تقليدي للوحدات «الخاصة» أو «النخبوية» جرى إقناعه، في عام 1952، بتطوير قوة يمكن أن تدعم، في وقت الحرب، تلك الشبكات السرية بإنزال المظليات لوحدات صغيرة «فرق أ» من الجنود الأميركيين لتزويدهم بنصائح تكتيكية، وقيادة، وأسلحة، وخدمات تدريبية وطبية تكتيكية. وكانت تلك هي «القبعات الخضر» الأصلية التي شكلت جماعة القوات الخاصة العاشرة في فورت براغ. بعد أعمال الشغب الذي قام بها عمال ألمانيا الشرقية في العام 1953، انقسمت الوحدة وانتقل جزء منها إلى ألمانيا، تاركة البقية في فورت براغ لتصبح جماعة القوات الخاصة السابعة والسبعين، أي عنصر دعم وتدريب للجماعة العاشرة. والتي بدورها أنشأت وحدات الاحتياط في الجيش، واحدة منها بالقرب من مدينة نيويورك، حيث كنت أعيش.
في ذلك الوقت، كنت محاربا أميركيا في الحرب الكورية وشابا ورومانسيا للغاية، حيث كنت قد خططت لكي أصبح بطلا.
هذه الخطة لم تفلح، لكن كوني ما زلت متأثرا بقراءة الكثير عن ت. إي. لورنس (لورنس العرب)، فإن هذه الفرقة الجديدة للقوات الخاصة في جيش الاحتياط كانت هي ما كنت انتظرته تماما.
قمت بالتطوع، وبالتالي أمضيت سنتين من العطل الصيفية في فورت براغ، وعطل نهاية الأسبوع خلال بقية العام في حضور جلسات تدريب غير مشجعة كثيرا في أحد مستودعات الأسلحة في نيوجيرسي. بعدها قلت لنفسي بأن على أن أنضج– فأنا لم أكن بطلا محتملا ولدي أمور أكثر متعة لأقوم بها في حياتي. لذا استقلت من الجيش الاحتياطي.
إنني أكتب عن هذا لأني أريد أن أصف القوات الخاصة خلال تلك السنوات. لقد صورنا أنفسنا بأننا محررين محتملين لأوروبا التي غزاها السوفييت، وداعمين لمغاوير المقاومة الأوروبية. (تغير ذلك مع نشر الجنود في فيتنام في الستينيات، عندما أوكلت للقوات الخاصة مهمة ملاحقة رجال حرب العصابات وقتلهم). لقد كنا ملزمين بقوانين الحرب وكان من المتوقع منا (فقط لحماية أنفسنا فقط بموجب اتفاقيات جنيف) أن نعمل بالزي العسكري وفيما نحن نحمل هويات عسكرية.
لقد قطعنا شوطا طويلا منذ ذلك الوقت- بالنسبة لكل من القوات العسكرية الخاصة وفكرة الولايات المتحدة عن مهمتها في العالم. اليوم، وضعت القوات الخاصة في مجموعة واحدة مع قوة الدلتا العسكرية، والجوالة (مشاة متخصصون يحملون أسلحة خفيفة)، والقوات البرية والجوية والبحرية الأميركية ووحدات العمليات الخاصة التابعة للمارينز، بالإضافة إلى بعض الوحدات الجوية، في ما يدعى بقيادة العمليات الخاصة الأميركية، التي نُشرت، وفقا لصحيفة الواشنطن بوست، في خمس وسبعين دولة في العام الماضي، ومن المتوقع أن تعمل في 120 دولة في نهاية هذا العام.
وفقا لتقرير أعده نيك تيرس، وهو محرر في الموقع الإلكتروني توم ديسباتش ومحرر كتاب بعنوان «الحجة المؤيدة للانسحاب من أفغانستان»، فإن المهمة الحالية لقيادة العمليات الخاصة تتضمن شن غارات مكافحة الإرهاب، واستطلاعات بعيدة المدى، وتحليلات استخباراتية، وتدريب جنود أجانب وعمليات مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل.
كما أنها تقوم كذلك بالاغتيالات. ووفقا لجون ناغل، المستشار السابق للجنرال ديفيد بترايوس، تتضمن القيادة وحدة فرعية سرية تعمل تحت سلطة البيت الأبيض، والتي هي «آلة قتل مكافحة للإرهاب تصل إلى مستوى الصناعة تقريبا». هذه الوحدة كانت المسؤولة عن قتل أسامة بن لادن.
ليس من المحتمل أن يكون أي من هذا بمثابة أخبار جديدة بالنسبة لأي شخص يتابع السياسة الأميركية. لقد أثرت هذا الموضوع لأتحدى برنامج وسياسة كهذه، ليس لمجرد اعتبارات تتعلق بالأخلاقيات الفردية والوطنية، إنما لأسباب سياسية وأسباب تتعلق بالسياسة العسكرية.
برنامج السيطرة الأمنية العالمية الذي اتبعته الولايات المتحدة منذ عام 2003 يعبر عن الروح الحربية والقسوة والاستخفاف بالقانون الدولي التي يتميز بها البنتاغون الآن. في غياب مقاومة الطبقة السياسية الأميركية، منح هذا الأمر الشعب الأميركي هوية امتلكتها بروسيا سابقا في القرن التاسع عشر– الشعب الذي يتملكه جيشه. وهذا هو ما حذر منه دوايت أيزنهاور.
كما جادل العديد منا، السيطرة العالمية هي خطة سياسية من غير المحتمل أن تنجح. فالعالم ليس مفتوحا للسيطرة عليه من جانب دولة واحدة. الجهود المبذولة لتأسيسه سوف تدمر الولايات المتحدة ذاتها. الأسباب واضحة في التاريخ. الخطر كان موجودا في عام 1960، عندما ترك دويت أيزنهاور السلطة، وفي عام 1963 عندما أصبح ليندون جونسون رئيسا واكتشف ما كانت تقوم به الولايات المتحدة في منطقة البحر الكاريبي. لقد أعلن أن إدارة كينيدي ووكالة الاستخبارات المركزية كانوا «يديرون مؤسسة قتل لعينة هناك!» (والمعلومات السابقة مأخوذة من كتاب «تولي السلطة: أشرطة جونسون في البيت الأبيض، 1963-1964» سايمون وشوستر،1998، حرره مايكل بيشلوس).
إن السياسة العالمية لاغتيال من نتصور بأنهم أعداء أميركا تخلق، بشكل لا نهائي، أولئك الأعداء وتحفزهم وتزيد من أعدادهم. إنها تهزم نفسها. وهي اعتداء على أكثر القوى تأثيرا في التاريخ الحديث، اعتداء على القومية، التي تتكون من الدين والثقافة، وتدمج بين الهوية الأخلاقية للشعب وإدراكه لقدره.