“أم حمزة” توثق نكبة فلسطين
رويترز
رام الله – “كان عمري إبان النكبة 18 عاما وكان لدي ولد وبنت.. البنت أصيبت بالحصبة وماتت.. اللي شفناه ولا حدا في العالم شافه.. عشنا في مخيم نعاني من قسوة الاحتلال وظروف العيشة الصعبة.. إجا مطر كثير وثلج، وصارت الخيمة تطير وتترك أصحابها بلا غطى”.
بهذا المشهد يجسد فيلم (أم حمزة) الوثائقي للمخرجة الفرنسية جاكلين جيستا حجم المعاناة والمآسي التي عايشتها الأسر الفلسطينية إبان “النكبة” التي تحل ذكراها الستين يوم 14 مايو الجاري، ويؤرخ لتلك المرحلة التاريخية التي كانت بداية لمسلسل درامي للفلسطينيين لم تنته حلقاته بعد.
وتفرد جيستا في الفيلم مساحة واسعة لنساء فلسطينيات عايشن النكبة للحديث عن لحظات التشرد والنزوح وذكريات الحياة في قرى لم تعد موجودة.
وبعد العرض الأول لفيلمها في مسرح وسينما القصبة في رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء 6-5-2008 قالت جيستا لرويترز: “اخترت النساء للحديث في هذا الفيلم عن قصد؛ لأن هؤلاء النسوة هن مصدر الذكريات والمنبع لهذه الأحداث، وهن أفضل من يعبرن عنها”.
بقايا المسجد القديم
وأضافت: “بدأت رحلة الإعداد لهذا الفيلم (أم حمزة) منذ خريف 2004، وزرت مجموعة كبيرة من العائلات وقمت باختيار ما شاهدتموه في الفيلم، وكان التركيز على عائلة شرايعة التي تملك مجموعة كبيرة من الوثائق منذ عام 48 وما قبلها”.
ويبدأ الفيلم بحديث عجوز فلسطينية تجاوزت السبعين من العمر تدعى “أم حمزة” برواية لبداية أحداث النكبة وهي تجلس في بيتها في مخيم بلاطة في نابلس بالضفة الغربية، فتقول: “كان بيتًا واسعًا مبنيًا من الحجارة، ويسكن 14 في الدار.. طلعنا كان معي الولد صغير على صدري كنت أرضعه مني.. ما كان في حليب أو إشي يوكل كنا تحت الزيتونة (تعبير يشير إلى الفقر)”.
وكانت هذه المرأة وهي من قرية كفر عانة – التي دمرت بعد عام 1948 ولم يبق منها سوى آثار لمسجدها وبعض واجهات منازلها وأقيمت مكانها مستوطنة إسرائيلية معظمها عمارات شاهقة – تنظر بحسرة إلى بعض صور للعائلة ومنزلها الذي هجرته عام 1948.
وقالت جسيتا: “لقد ذهبت إلى المكان الذي تحدثت عنه (قرية المرأة الفلسطينية) فوجدت بقايا المسجد القديم (تظهره في الفيلم) وبعض جدران المنازل”.
وتقدم المخرجة الفيلم الناطق باللغتين الفرنسية والعربية على مدى 78 دقيقة مشيرة إلى أنها تسعى لترجمة إنجليزية وإسبانية للفيلم لعرضه كنماذج لقصص إنسانية مؤثرة يرويها أناس تركوا بيوتهم لا يحملون معهم منها شيئا على أمل العودة بعد أيام، لكنهم يضطرون إلى اللجوء إلى عدد من الدول ولا يستطيعون العودة مرة أخرى.
وتعرض امرأة أخرى كان لدى عائلتها بقالة في تلك الفترة دفترا يضم معظم أسماء أهل قريتها الذين كان يشترون بعض الأغراض من البقالة ويقومون بسدادها عند جني المحصول، وتتحدث بحسرة عن المصير الذي آل إليه حالهم.
ومن بين الوثائق التي يقدمها الفيلم “حصر إرث شرعي صادر عن قاضي محكمة يافا الشرعية عام 1943″، إضافة إلى شهادات ميلاد صادرة من “حكومة فلسطين دائرة الصحة”.
حلم العودة
وبعد ستين عاما على نكبة الفلسطينيين فإن حلمهم بالعودة لا يزال قائما، وتقول عجوز في الفيلم الوثائقي: “معتمدين على الله أن نعود إلى ديارنا، بعد وطنه الواحد ما لشهوه إيشي لو عشت مهما عشت بقولوا عنك لاجئ”.
ويرى الجيل الثالث للنكبة ألا مستقبل في فلسطين، ويقول فتى بينما كان يحمل دفترا ويتعلم الإنجليزية متحدثا إلى المخرجة: “كل هذه الكلمات مات يموت الموت كلها كلمات موجودة في فلسطين.. لا سلام في فلسطين.. لا مستقبل في فلسطين”.
وتنقل المخرجة المشاهدين في كثير من اللقطات بين صور من داخل المخيمات التي سكنها الفلسطينيون والأرض التي تركوها هربا من الاحتلال أو أجبروا على تركها، ومنها قرية كفرعانة التي تشتت سكانها في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان وسوريا.
ويلفت الفيلم إلى تمسك الفلسطينيين بالعودة إلى تلك القرى والبلدات التي هاجروا منها من خلال شاب ولد في المخيم زار مسقط رأس والده في قريته كفرعانة ويحاول من خلال الحديث مع والده على الهاتف أن يعرف مكان بيتهم من خلال بعده عن المسجد الذي ما زالت آثاره قائمة إلى اليوم.
ودافعت المخرجة عن عدم ظهور رواية الجانب الإسرائيلي في فيلمها وقالت: “لم أدخل شهادة الطرف الإسرائيلي في هذا الفيلم لأنني أردت إعطاء فرصة للطرف الفلسطيني الذي لم يعط الفرصة للحديث عن مشاعره وذكرياته، ولهذا السبب لم أقاطع أيا من النساء خلال حديثنا عما جرى”.
ويأتي العرض الأول للفيلم الوثائقي (أم حمزة) في وقت يستعد فيه الفلسطينيون لإحياء الذكرى الستين للنكبة فيما يستعد الإسرائيليون لإحياء الذكرى الستين لقيام دولتهم.
وتعد قضية عودة اللاجئين المقدر عددهم بأربعة ملايين ونصف المليون هي إحدى قضايا مفاوضات الحل النهائي للوصول إلى اتفاقية سلام بين الجانبين.
يذكر أن ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل أعلن قيام الدولة العبرية عام 1948، وذلك بموجب “وعد بلفور” الذي أطلقه وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور عام 1917 لليهود في العالم، بتأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.