الوسائل الإستخبارية الصهيونية قبل قيام الكيان
المجد-
في غمرة إحياء الصهاينة لذكرى إقامة دولتهم، كشف تقرير صهيوني حول وحدات استخبارية لجمع المعلومات، نشطت قبل عام 1948، كانت تزور القرى الفلسطينية متنكرة كمجموعة سياح، ومهمتها الحقيقية جمع المعلومات عن القرى، والتقاط الصور، ورسم خريطة لكل قرية، تشمل كافة المعلومات اللازمة لتخطيط حملة عسكرية عليها.
وأشار التقرير إلى أنّ المعلومات التي جمعتها تلك الوحدات، كونت ما سمي في أروقة الإستخبارات الصهيونية بـ"ملفات القرى"، وشملت معلومات حول طبيعة القرية الطوبوغرافية، شوارعها، طرقاتها، أحيائها، مداخلها، مبانيها وآبار المياه فيها، وانضمت إليها في وقت لاحق وحدة تصوير جوي نفذت مهام تصوير القرى، والمواقع الهامة تحت غطاء طلعات جوية تابعة لنادي طيران، وفي بعض الأحيان حازت على ترخيص من قوات الانتداب البريطاني، على أنها طلعات جوية ذات طابع رومانسي، وفي حالات أخرى على أنها لأهداف طبية.
جهاز المعلومات
وقد بدأت فكرة إنشاء هذه الوحدات عام 1942، بمبادرات شخصية، ثم أخذت طابعاً رسمياً، وأشرف عليها قسم التخطيط في القيادة العامة للـ"هاغاناه"، وبادر لتنظيم دورات تأهيل وتدريب للمجموعات، وبعد تعريف المهمة بشكل وتحديد المعطيات المطلوبة لإعداد ملف لكل قرية، انطلقت المجموعات للتجمعات الفلسطينية، ونظمت الكثير من جولات عناصر الاستخبارات في القرى تحت غطاء جولات مدرسية لاكتشاف معالم البلاد.
وضمت المجموعات في الكثير من الأحيان، إلى جانب المخبرين، سياحاً حقيقيين لا يعرفون شيئاً عن طبيعة المهمة، وفي حالات أخرى ضمت فتيات يهوديات متطوعات لزيادة متانة التغطية، وتمويه الأهداف الحقيقية، وإلى جانبها، وبالتوازي، عمل جهاز المعلومات المعروف باسم "شاي" على جمع معلومات استخبارية عن القرى بمساعدة مستعربين، ومخبرين عرب.
وقد نظمت دورات لتأهيل وإعداد المخبرين، وبدأ العمل باستخدام مجندين في سلاح البرية، وكانت مهماتهم الأولى في منطقة بيسان وقادها "زربابيل وارمل" من مستوطنة "معوز حاييم"، ومن المبادرين لإقامة المشروع الاستخباري في القرى العربية.
فيما يصف "موشي غرانتسكي" من خريجي دورة التأهيل الأولى، كيف جلسوا ساعات طويلة على تلة تشرف على قرية الفريديس، وهي واحدة من أربع قرى اختيرت كنموذج للقرى العربية، استخدمها المرشدون لتعريف طبيعة المهمات، والمعلومات المطلوبة عن كل قرية، وكيفية الحصول عليها. وقد أعدت ملفات القرى لأهداف عملانية، وشمل ملف كل قرية، معلومات طوبوغرافية، جغرافية، تخطيطية، ومعلومات حول المباني المركزية، طرق الوصول، ومصادر المياه، وفي عام 1944 بدأ المخبرون بالتقاط صور فوتوغرافية للقرى وأحيائها ومحيطها.
معلومات واسعة
كما جمع المخبرون معلومات تاريخية واجتماعية واقتصادية وديمغرافية وتعليمية وزراعية وعسكرية، وحول طبيعة كل قرية وتخطيطها وتركيبتها السكانية، وحمائلها وعائلاتها، ومعلومات عن مختار القرية وتوجهاته، وعن تماهي أهالي القرية مع الثورة، وأنواع الأسلحة الموجودة بيد سكان القرية وأعدادها، ومخابئ القرية وأماكنها، وإذا ما كان فيها مواقع أثرية تاريخية، واستخدمت هذه المعلومات لرسم صورة متكاملة لكل قرية وبلدة عربية، وخلال سنوات تجمعت لدى الاستخبارات معلومات واسعة حول جميع قرى ومدن وبلدات فلسطين.
يقول أحد الضباط المشاركين: بما أن المجموعات كانت تدخل متنكرة كمجموعة سيّاح، فإن استخدام الكاميرا وآلة التصوير بدا أمراً عادياً، مؤكداً وجود تعليمات بالامتناع عن التقاط صور له أو لزملائه، وإذا ما حصل ذلك لظرف ما، يطلب منهم طمس معالم المخبر في الصورة.
وكانت "ملفات القرى" تصل إلى مقر سري في تل أبيب، يقع في طابق أرضي في إحدى بنايات شارع "مافو"، وهناك تصنف وتؤرشف، وترسل نسخ عنها إلى قيادات المناطق العسكرية، وللتمويه كتب على لافتة المقر مكتب المهندس "مئير رابينوفيتش"، وعرف في الأوساط الاستخبارية بالاسم السري "السطح".
وفي نهاية عام 1945، بدأت الوحدات باستخدام التصوير الجوي للقرى والبلدات العربية، ولمواقع ذات أهمية إستراتيجية أو عملانية، وتم استصدار تراخيص للطلعات الجوية من سلطة الانتداب على أنها نشاط لنادي طيران تابع للوكالة اليهودية، وعرضت تلك الطلعات في طلب الترخيص على أنها معدة للأزواج، وتحمل طابعاً رومانسياً، حيث كان مخبر ومخبرة يعتليان الطائرة، بملابس أنيقة وفاخرة، توحي بأنهما في شهر عسل، وبعد أن تنطلق الطائرة، يبدآن بالتقاط الصور، كما استصدرت الوكالة تراخيص لطلعات جوية ذات طابع علاجي لمن يعانون من مرض الربو، وأرفق الطلب بتوصية من طبيب.
تصوير القرى:
وقد استخدمت هذه الوحدات الطائرات لتصوير القرى، وللالتفاف على قرار حظر الطيران الذي فرضه الانتداب، استصدرت تراخيص لتحليق الطائرات تحت غطاء نادي طيران ورحلات جوية رومانسية، وابتكرت وسائل لإخفاء كاميرات التصوير في الطائرات، ولعبت النساء أدواراً مركزية في تنفيذ المهمات.وبجانب ملفات القرى، أعدت ملفات للأحياء العربية في المدن المختلطة، وملفات لأقسام الشرطة، وأخرى لمعسكرات الجيش البريطاني، واستخدمت لتخطيط العمليات العسكرية، واحتلال قرى عربية قبل دخول متطوعي جيش الإنقاذ، حيث هدفت العمليات العسكرية التي شنت على القرى إلى الردع، ومعاقبة القرية، لكن معظمها هدف احتلال القرية، واقتلاع وتهجير أهلها.
لكن قيمة هذه الملفات تلاشت في النصف الأول من عام 1948 حيث تطور أداء الجيش الصهيوني، وتطورت إمكاناته العسكرية، وأصبح بإمكانه توفير صور جوية لكافة المناطق، ومع ذلك، فإن هذه الملفات تحمل أهمية تاريخية، خاصة للقرى المهجرة.
ويتضح أن قسماً من ملفات القرى، فقد أثره خلال حرب 1948، وأتلف الكثير منها في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حيث يقول "حيليك ليبل" ضابط الاستخبارات في سنوات الخمسين، والمسئول عن تلك الملفات: بعد قيام الدولة، واصلنا إعداد الملفات لقرى ومدن الضفة الغربية، باستخدام آليات أكثر تطوراً، ولم ندرك قيمة الملفات القديمة التاريخية، فأبدناها بإضرام النار فيها.
كما ترد قصة عميل تنكر كمصور عربي لصحيفتي "فلسطين" و"اليوم"، قضى ستة شهور مع الثوار الفلسطينيين، ووثق بآلة التصوير نشاطاتهم وتحركاتهم، وأسلحتهم وتدريباتهم، ويدعى "يسرائيل نتاح"، حيث ترعرع في دمشق، والتحق بعصابات "الهاغاناه" عام 1935، وأرسل عام 1947 لمناطق الثوار متنكراً، حيث قال: جمعنا معلومات عن الأسلحة التي بحوزتهم، وعن خططهم العسكرية، وكان يرسل الصور لقسم المعلومات في الهاغاناة، حيث التقط آخر صورة لعبد القادر الحسيني، ومعارك القسطل، وحسن سلامة.
نقلاُ عن: موقع قضايا مركزية