كتاب يكشف قصة الجاسوسية في التجربة السوفيتية
المجد-
معروف عن القرن العشرين أنه كان (قرن الجاسوسية بامتياز) ويؤكد البعض أن جواسيس من أمثال (فورويل) و(الكولونيل بوريس) و(سورج) وغيرهم من (شخصيات الظل) الشهيرين غيروا مجرى التاريخ؛ فماذا كان دور رجال الظل أثناء الثورة الروسية الكبرى، وفي الحرب العالمية الثانية وخاصة خلال فترة الحرب الباردة؟
وماذا كانت الإستراتيجية السرية لآخر قادة الاتحاد السابق، ميخائيل غورباتشوف أثناء سقوط جدار برلين؟ وكيف أمكن إحباط محاولة الانقلاب التي عرفتها موسكو في شهر أغسطس من عام 1991. وأدى فشلها إلى انهيار الاتحاد السوفييتي؟
هذه الأسئلة وكثير غيرها تجد إجابات عليها في كتاب «فلاديمير فيدوروفسكي»، الديبلوماسي السوفييتي السابق، والكاتب الفرنسي الشهير اليوم، والذي يحمل عنوان: (قصة الجاسوسية).
ان المؤلف كان في قلب الأحداث الكبرى خلال القرن العشرين بالقرب من ميخائيل غورباتشوف, وإذا كان فيدوروفسكي يتحدث مرارا عن آخر رؤساء الاتحاد السوفييتي فإنه يتعرّض أيضا للحديث عن فلاديمير بوتين (الجاسوس السابق) الذي يشبهه بـ (جيمس بوند) يحكم روسيا اليوم على طرق الأجهزة السرية.
وإلى جانب أسماء الشخصيات السياسية الكبرى نقرأ أسماء أقل شهرة في علم السياسة، لكن كانت (نجوما) في عالم الجاسوسية من أمثال (آنا شامبون) و(ماتا هاري) وجاذب النساء (ديمتري ديستروليف) و(ريشارد سورج) الذي عمل في شنغهاي وطوكيو لحساب ستالين والعميل المزدوج (كيم فيلبي) البريطاني الذي جنّدته أجهزة الاستخبارات السوفييتية.
وفي معرض الحديث عن محاولة انقلاب أغسطس 1991 يشرح المؤلف أنها كانت أحد أكثر القضايا غموضا في القرن العشرين، من حيث أنها ارتكزت على الجانب الغامض من شخصية غورباتشوف، وكان هناك تياران (متناقضان) يحيطان فيه، أحدهما متشدد يرفض الانفتاح ويطالب بالاستمرار على النهج السوفييتي، أي ممارسة القمع. والآخر كان يرى بضرورة تدمير النظام والخروج من الشيوعية وإقامة نظام ديمقراطي.
كان على غورباتشوف أن يلعب دور (الحكم) بين التيارين. وأخذ في ذلك السياق مواقف متناقضة بالاتجاهين. وعند سقوط جدار برلين قرر التيار المتشدد التخلص منه بعد أجل قريب. في مثل ذلك السياق التقى المؤلف، صدفة، مع الكولونيل (بوريس) الأخصائي بالانقلابات العسكرية في إفريقيا وأخبره أن أمورا (غريبة) تجري في جهاز (الكي جي بي) وأن (انقلابا يتم إعداده) حيث (طلبوا استشارته).
أخبروا غورباتشوف فلم يأبه كثيرا وأخبروا يلتسين فاعتبر الأمر خبرا شخصيا (احتفظ به لنفسه) أما (بوبوف) رئيس بلدية موسكو فقد أخطر الأميركيين. لم يتحرك أحد واعتقد كل طرف أنه سيخرج رابحا من القضية. لكن (جاسوسهم) لدى جهاز (الكي جي بي) أخبرهم أن موعد الانقلاب في أواسط شهر أغسطس. وحدث ذلك يوم 18 من ذلك الشهر. لكن دبابات يلتسين كانت في الشوارع لسحقه. هكذا ساهم (الكولونيل بوريس) في تغيير وجهة التاريخ الروسي، ومن خلاله ربما تاريخ العالم.
وهارولد ادريان روسل فيلبي من مواليد البنجاب، حيث كان والده مفتشا في مستعمرات الإمبراطورية البريطانية قبل أن يعتنق الإسلام. فيلبي الشاب المدعو (كيم) تعاطف منذ فترة دراسته في كامبردج مع الفكر الماركسي. وفي مدينة فيينا النمساوية التقى بضابط استخبارات سوفييتي قام بتجنيده عبر صيغة مفادها: (نحن بحاجة إلى شباب قادرين على التغلغل إلى داخل المؤسسات البورجوازية، فافعل هذا من أجلنا).
وكان الطلب الأول منه هو أن يقطع كل صلة مع الحزب الشيوعي البريطاني والتقارب مع الأوساط المناصرة للفكر الفاشي. وانخرط فيلبي وأربعة طلبة آخرين جنّدتهم موسكو فيما عُرف بـ (طلبة كامبردج الخمسة).
لقد وضع فيلبي نفسه في خدمة ستالين، ونجح عام 1949، حيث كان يعمل كمراسل حربي لـ (التايمز)، في الحصول على وظيفة ضابط الاتصال بين جهاز الاستخبارات البريطاني (ام 16) ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه). وعندما كُشف أمره هرب عام 1963 إلى موسكو تاركا وراءه زوجته مع رسالة تخبرها فيها أنه ذهب لإجراء (تحقيق صحافي)