الكيان يضع معايير للتجارب الطبية على جنوده
المجد-
لا تتورع الدولة الصهيونية عن استخدام جنود جيشها لإجراء التجارب عليهم بهدف الوصول إلى تحقيق أهدافها، وخصوصا تحضير أنواع قاتلة من السم لقتل القادة الفلسطينيين، كما جرى مع القائد في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الشهيد وديع حداد، وكما حاول الموساد (الاستخبارات الخارجية) اغتيال رئيس الدائرة السياسية في حركة حماس، خالد مشعل، عام 1997 في العاصمة الأردنية، عمان.
وقد كشفت صحيفة ‘معاريف’ العبرية النقاب عن أن لجنة عسكرية خاصة قررت تحديد استعمال الجنود في هذه التجارب، ومنعت القادة أن يقوموا بالضغط على الجنود للمشاركة في التجارب الطبية، التي لم تكشف الصحيفة عن طبيعتها، على الأغلب بسبب مقص الرقابة العسكرية، ولفتت الصحيفة إلى أن هذا القرار الجديد جاء بعد أن تم الكشف عن أن العديد من الجنود في جيش الاحتلال، الذين أُجبروا على المشاركة في تجارب لتطوير مصل مضاد لجرثومة الأنتراكس، أصيبوا وقدموا دعاوى بعشرات ملايين الشواقل ضد الدولة العبرية.
وقد اتخذت هيئة أركان الجيش الصهيوني قرارا بعدم إجراء مثل هذه التجارب على الجنود، وذلك تحت ضغط عائلات الجنود والرأي العام. وفي هذا السياق، يُشار إلى أن التجارب تجري في المعهد البيولوجي في مدينة (نس تسيونا)، وهو أكثر المنشآت الأمنية سرية في دولة الكيان، الذي تفرض عليه تل أبيب رقابة عسكرية مشددة على كل مادة إعلامية تتعلق به، لدرجة أن وسائل الإعلام الصهيونية تستقي المعلومات بشأنه من وسائل الإعلام الغربية التي تعتمد على مصادر خاصة داخل المعهد، وفي أوقاتٍ متباعدة.
المرة الوحيدة التي سُمح للإعلام الصهيوني بتناول ما يجري في المعهد، كانت الشهر الماضي عندما رفع أحد العاملين في المعهد واسمه أفيشاي كلاين، دعوى على إدارة المعهد، أمام إحدى المحاكم الصهيونية، حيث جاء ضمن حيثيات دعوى كلاين، قوله: إنه ساهم في تطوير مرهم لوقاية الجلد من هجوم بغاز الخردل, وتبين من خلال مضمون الدعوى وردود المعهد عليها الكثير من التفاصيل اللافتة، المتعلقة بعمل المعهد ومجالات عمله.
ويشغل هذا المعهد 300 من العلماء والفنيين، ويضم عدة أقسام، كل منها يتضمن خط إنتاج محدد لإنتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية، ومعظم هذه الأقسام يتخصص في إنتاج المواد البيولوجية ذات الاستخدام الحربي، مثل السموم التي تُستخدم في عمليات الاغتيال، حيث تَم داخل هذا القسم، إنتاج السم الذي استخدمته وحدة الاغتيال في الموساد المعروفة بكيدون في المحاولة الفاشلة في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عام 1997، كما كشفت عن ذلك صحيفة ‘هآرتس’ الصهيونية.
لكن لا خلاف على أن أول استخدام لمنتجات هذا المعهد في عمليات الاغتيال كانت أواخر عام 1977، حيث أجاز رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق مناحيم بيغن لجهاز الموساد تصفية وديع حداد، أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي كانت دولة الكيان تتهمه بالمسؤولية عن عدد من العمليات التي استهدفت دولة الكيان، كان آخرها اختطاف طائرة ركاب صهيونية إلى العاصمة الأوغندية عنتيبي، عام 1976.
وحسبما جاء في كتاب حديث للصحافي الصهيوني أهارون كلاين، الذي نشرت ‘هآرتس’ فصولا منه، فقد تبين للكيان أن حداد، الذي كان يقيم في بغداد، مولع بالشوكولاتة البلجيكية، لذا سعى الموساد لتصفية حداد عبر دس مادة بيولوجية في هذا النوع من الشوكولاتة، التي تقرر أن يقوم بنقلها مسؤول عراقي، كان عميلا للموساد، وفي نفس الوقت تربطه علاقة بحداد.
ويشير الكاتب الى أن هذه المادة البيولوجية أو السم تم إنتاجها لأول مرة في المعهد البيولوجي، وكانت آلية عمل السم تقوم على التأثير التدريجي على صحة حداد، بحيث لا يموت فجأة فيتم الكشف عن هوية العميل والآلية المستخدمة. وبالفعل حدث تدهور في صحة حداد، وتم نقله لاحد مستشفيات ألمانيا الشرقية، حيث تم تشخيص مرضه بسرطان الدم، وتوفي حداد في 28 آذار (مارس) عام 1978، لكن تبين بعد 32 عاما أن سبب الوفاة هو السم، الذي أُنتج في المعهد البيولوجي، ويمكن القول إن الكثير من عمليات الاغتيال التي لم يرغب الموساد في ترك بصماته عليها، قد تمت بهذه الطريقة، بحيث يمكن القول إن الكثير من حوادث الوفاة التي تعرض لها أشخاص ترى فيهم دولة الكيان خطرا عليها.
قد تكون ناتجة عن تأثير أحد منتجات هذا المعهد، ويمكن القول إن المادة السامة التي استخدمها عملاء الموساد في حقن القيادي في حركة حماس في دبي محمود المبحوح في شباط (فبراير) عام 2010، وأدت إلى وفاته، قد تَم إنتاجها في هذا المعهد.
وتشير التفاصيل الجديدة التي نُشرت عن المعهد الى أنه يضم قسما يُعنى بإنتاج أمصال مضادة للسلاح البيولوجي، وتحديدا جرثومة (الإنتراكس)، التي تخشى دولة الكيان أن يقوم العرب وتنظيمات المقاومة باستخدامها في أي مواجهة معها مستقبلا.
ويُعنى المعهد بتطوير القدرات الوقائية للكيان في مواجهة حروب تستخدم فيها الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، حيث ان هناك قسما خاصا يُعنى بتطوير عقاقير تُستخدم في تقليص الأضرار الناجمة عن السلاح الكيماوي، ويعمل المعهد البيولوجي بتعاون وتنسيق كامل مع المؤسسة الأمنية ممثلة بالجيش والأجهزة الاستخبارية، ويتم تحديد سلم أولويات الإنتاج داخل المعهد بناء على حاجة الجيش والأجهزة الاستخبارية، وذلك في ضوء صورة التقدير الاستراتيجي للمخاطر التي يتم استشرافها، ويستدل مما تم الكشف عنه حتى الآن أن المؤسسة الأمنية الصهيونية التي وضعت في عين الاعتبار أن دولا عربية قد تستخدم الغازات، مثل الخردل في هجوم محتمل على دولة الكيان قد أوعزت للمعهد منذ زمنٍ بعيد بتطوير مواد كيماوية تقلص من تأثير هذا الغاز، ويمكن القول إن دولة الكيان سعت لتطوير ردود على غازات أخرى، ويعمل المعهد بتنسيق كامل وتام مع سلاح الطب في الجيش الصهيوني، حيث ان هذا السلاح هو المسؤول عن استيعاب منتجات المعهد وتوفيرها للوحدات العسكرية حسب الطلب.
ويعمل المعهد بتنسيق تام أيضا مع جهازي الموساد والشاباك، حيث ان هذين الجهازين هما المسؤولان بشكلٍ أساسي عن معظم عمليات التصفية والاغتيال ضد أهداف عربية وإسلامية، ونظرا لأن جهازي الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) مسؤولان عن جلب المعلومات الاستخبارية، فيفترض أن يتعقبا برامج التسليح غير التقليدية لدى العرب، وضمنها البيولوجي والكيماوي، وبالتالي الطلب من المعهد تطوير ردود على هذه البرامج. ولم يقتصر دور المعهد على توفير الوسائل القتالية في شقيها البيولوجي والكيماوي، أو توفير اللقاح والعقاقير اللازمة لتقليص الأضرار الناجمة عن استخدام سلاح كيماوي أو بيولوجي من قبل العرب، بل تعداه إلى توظيف المعهد في زيادة أرصدة الكيان من العملات الصعبة، حيث ان الولايات المتحدة دفعت للمعهد مئات الملايين من الدولارات لتطوير لقاح ضد جرثومة (الإنتراكس)، التي قامت جماعات محلية أمريكية بتطويرها وشرعت في استخدامها على نطاق محدود في الولايات المتحدة.