دراسة حول : “إيفخا ميستابرا” وصناعة القرار في الكيان
المجد- خاص
ما تزال حرب أكتوبر من العام 1973تشكل هاجساً كبيراً لصانعي القرار في دولة الكيان خاصة بعد عدم تمكن شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، من تفسير تحركات الجيش المصري على أنها تُمهّد لتلك الحرب.
ولمنع تكرار هذه الظاهرة تم انشاء دائرة مراقبة داخل شعبة الاستخبارات العسكرية، يطلق عليها اسم "إيفخا ميستابرا" بالآرامية، والذي يعني "النقيض هو الصحيح".
النشأة والمهام:
وأقيمت هذه الدائرة في العام 1974، في أعقاب تقرير "لجنة أغرانات" الرسمية التي حققت في إخفاقات حرب أكتوبر وظروف اندلاعها.
ومهمة هذه الدائرة: هي التدقيق في صدقية تقارير وتقديرات دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية.
ويترأس الدائرة حاليًا: العميد إيرز، الذي يبقى اسمه الكامل وصورته طي السرية التامة.
والجدير بالذكر أن شعبة الاستخبارات العسكرية تعتبر واضعة التقديرات الأمنية القومية، وخصوصا الإستراتيجية، أمام صناع القرار في دولة الكيان, ورغم فشل تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية في توقع حرب أكتوبر، إلا أنها ما زالت حتى اليوم الجهة الوحيدة التي تضع التقديرات القومية.
وحول هذا الدور، دارت حرب طاحنة بين رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية خلال تلك الحرب، إيلي زاعيرا، ورئيس الموساد حينذاك، تسفي زامير، ووصلت إلى المحاكم الإسرائيلية في أعقاب كشف زاعيرا عن اسم مصدر الموساد في القيادة المصرية عشية الحرب، أشرف مروان، الذي أبلغ زامير بموعد شن مصر الحرب، قبل اندلاعها بيوم واحد, وكان زاعيرا، حتى قبل يوم واحد من الحرب، ينفي احتمال نشوبها.
الرأي المعاكس
وأوضح العميد إيرز، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 14 تشرين الأول الحالي، مهمة الدائرة التي يقودها.
وقال "إننا ملزمون بأن نضع على الطاولة رأيا مناقضا لكل ما يفكر فيه الجميع من أجل تكثيف التفكير, وثمن الخطأ هنا قد يكون كبيرا, ولذلك فإني أصنع أداة غايتها تعميق التناقض بين ما يفكر فيه الجميع اليوم وبين ما أضعه على الطاولة, وأنا أستعين بخبراء من داخل المجالات ذات العلاقة من أجل إسناد ذلك بشكل صلب جدا".
وأضاف :"وبعد أن أكتب ورقة كهذه، يتعين على دائرة الأبحاث [في شعبة الاستخبارات] إعطائي ورقة ردّ، وعندها يحدث لقاء بين روايتين، ويتم ذلك في غالبية الأحيان بحضور رئيس شعبة الاستخبارات، من أجل إنشاء هذا الامتحان، أي الصدام بين هذين المفهومين أو التصورين, والحد الأدنى الذي أريد فعله هو تكثيف تفكيرهم، والحد الأقصى هو دفعهم إلى التفكير بشكل مختلف في جميع القضايا".
وتطرق إيرز إلى أحداث يوم ذكرى النكبة في 15 أيار الماضي، عندما فوجئ الجيش الصهيوني بمتظاهرين فلسطينيين عند الحدود مع سورية في هضبة الجولان ومع لبنان، ونجاح قسم من المتظاهرين بتخطي الحدود والوصول إلى قرية مجدل شمس في الجولان المحتل.
وقال إيرز إن الحديث عن أن الجيش الصهيوني فوجئ "ليس دقيقا".
وأضاف "كانت لدينا معلومة بأنه ستجري مظاهرة، وتمكنا من تحديد مكانها وعدد الحافلات التي ستصل, وما فاجأنا كان الخروج السريع [للمتظاهرين] من الحافلات والجري بسرعة كبيرة نحو الحدود.
وفي أعقاب هذا الحدث أصدر الجنرال [أفيف] كوخافي [رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية] رسالة تشدد على ضرورة التفكير المتخيل, وكان علينا تخيل هذا السيناريو, إضافة إلى ذلك، تحدث عن أنه لا يوجد بعد اليوم شيء اسمه ’معلومة من ذهب’, فاليوم، وبينما تتواصل الحشود، الجمهور، بواسطة شبكات الإعلام الاجتماعية، لا يوجد خيار الحصول على ’معلومة من ذهب’، لأنك لا تعرف بالضبط من يصدر الأوامر".
وأشار إيرز إلى أنه توجد في الموساد والشاباك [جهاز الأمن العام] دوائر موازية للدائرة التي يقودها, وأضاف "إننا نجلس سوية حول طاولة مستديرة, وفي هذا دلالة على طبيعة الأجهزة، وإنها شهادة شرف كبيرة, وبالنسبة لي هذا أمر ممتاز، لأنه توجد مجموعة بالإمكان مشاركتها في مشاريع مماثلة".
وأعطى إيرز مثالا على عمل مجموعة كهذه قائلا "أجرينا لعبة تفكير كهذه بشأن [أمين عام حزب الله حسن] نصر الله, كنا نحن في جانب، والمسؤولون في شعبة الاستخبارات العسكرية عن الموضوع كانوا في الجانب الثاني, وهم أعدوا سيناريو لتصعيد عند الحدود وسألوا ماذا سيفعل نصر الله عند الحدود؟, ونحن ادعينا أن التهديد من جانب متظاهرين هو أمر ينبغي أخذه في الحسبان, وقلنا إن نصر الله سيسمح لأتباعه بإجراء مظاهرات كبيرة عند الحدود، تشمل تخطي الحدود. وهم لم يتطرقوا إلى هذه القضية واعتقدوا أنه سيرد بشكل مختلف, وبعد أيام وقع حدث كهذا في سورية, لقد لاحظنا هذه العملية وأشرنا إليها, وأنا لست أذكى منهم, لكن عملية التخيل تسمح لي بالتفكير في أمور أخرى, وهذا مكمل لعمل دائرة الأبحاث" في شعبة الاستخبارات.
ونفى إيرز أن تكون شعبة الاستخبارات العسكرية فشلت في توقع الثورة المصرية، في بداية العام الحالي, وقال إن "هذا ليس صحيحا, كان لدى شعبة الاستخبارات العسكرية تقدير كهذا، وحتى أنه تم استعراضه أمام القيادة".
وتبين أن كوخافي قال خلال اجتماع في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، في بداية كانون الثاني الماضي، بعد الثورة التونسية وقبل الثورة المصرية: "إننا نرى انشغالا بالغا لدى القيادة بإمكانية حدوث ثورات شبيهة، في الأردن وحتى في مصر". كذلك أشار كوخافي إلى خطوات يتخذها نظام الرئيس السوري بشار الأسد, وأضاف أن "الإحباط المتراكم لدى الطبقة الوسطى والآخذ بالتصاعد في دول الشرق الأوسط يمكن أن يشكل محركا للثورة".
حرب لبنان الثانية
في العام 2005 عاد إيرز من بعثة في الولايات المتحدة إلى العمل في دائرة الأبحاث وتم تعيينه رئيسا لقسم سورية, وكانت هذه فترة بالغة الأهمية، إذ نشبت خلال عمله في القسم السوري حرب لبنان الثانية في تموز 2006.
وقال إيرز "في حرب لبنان ذكّرونا كل يوم تقريبا بحرب يوم الغفران, قالوا: ’أنتم لا تفهمون، ستندلع هنا حرب وشيكة، حرب مفاجئة’, واعتقدوا أنه إذا كانت هناك حرب دائرة في لبنان فإن السوريين على وشك الصعود إلى مواقعهم العسكرية, من جهة ثانية كنا نفحص أنفسنا عدة مرات يوميا من أجل أن نسأل ما إذا كنا مخطئين".
غير أن إيرز أضاف "دائمًا يوجد فرق بين ما تعرفه وما تفهمه, فأن تعرف يعني أن ترى الفسيفساء كلها, أمّا أن تفهم ماذا يعني ذلك، وخصوصا ما لا يقوله، فإنه يبقى مسألة خبرة, ومع هذا ثمة حاجة إلى معرفة عميقة للطرف الآخر أيضا".