تقارير أمنية

خدعة انتهاء التحقيق “أمثلة تطبيقية”

المجد- خاص

تحدثنا في الحلقة الرابعة عن الأساليب القانونية في السجن وطرق الخداع التي يتبعها المحققون مع الأسير للإيقاع به من جديد ودفعه للإدلاء بمعلومات جديدة تدينه أو تدين آخرين من المقاومة.

وللوقاية من هذا المدخل الخطير على الأسير بمجرّد شعوره بأن هناك من يحاول إيهامه أنّ التحقيق قد انتهى, عليه أن يشعل كل أضواء الحذر الحمراء, وعليه أن يتذكّر أن التحقيق لا ينتهي إلا عندما يصل إلى بيته.

وهناك نماذج كثيرة من القصص التي تفنن الشاباك فيها بتطوير الخدع التي توصل الأسير إلى ذلك الشعور الخطير, ويكفي فقط أن نذكر نموذجاً صغيراً لأسير صمد فترة طويلة في التحقيق, وكانت هناك محاولة أخيرة للشاباك معه وهو في السيارة التي تنقله إلى الحاجز المؤدي إلى منطقته بعد أن أبلغوه بأنّه مفرج عنه, وأنهم تأكدوا أنه بريء وليس عليه أي تهمة.

خدعة حقيقية

ونقلوا أسير آخر معه في السيارة, وقال له ذلك الأسير إنّه متوجه معه إلى محكمة التمديد الموجودة على نفس الطريق, وهذا أمر دارج ومعروف في نظام النقليات بين السجون والمحاكم حيث من الطبيعي أن يُنقل عدة أسرى في نفس السيارة أو الحافلة, وهي تسمّى (بوسطة).

المهم أن هذا الأسير المنقول إلى المحكمة أخبر الأسير المفرج عنه بطريقة غير مباشرة أنّه كان في زنزانة فيها أسرى آخرون, وأنّه ذاهب إلى المحكمة وسيعود إلى نفس الزنزانة وقام هذا المخادع بإخباره أيضا بأسماء الأسرى الموجودين في تلك الزنزانة, وكان أحدهم هو صديق ذلك الأسير, والشاباك يشتبه بأن هناك علاقة تنظيمية بين الصديقين.

وعندما شعر الأسير المفرج عنه أنّه أنهى التحقيق وأن لديه فرصة لإيصال بعض التحذيرات والتطمينات لصديقه فما كان من صاحبنا إلّا أن طلب من ذلك المخادع أن يخبر صديقه الذي ما زال في الزنزانة أنّه قد أُفرج عنه وأنّه لم يعترف بشيء, وقال له أيضا أخبره أن الموضوع الذي بيننا لم أتحدّث عنه بأي كلمة, فلا تقلق وإياك أن يخدعوك ويقولوا لك بأني قد اعترفت عليك.

وعندما توقّفت السيارة اكتشف صاحبنا أنّ هذه الرحلة لم تكن سوى خدعة, ولم يكن الأسير الآخر إلا أحد عملاء الشاباك "عصفور" ووجد نفسه في غرفة التحقيق مرّة أخرى وأمامه المحقق الذي رتّب له هذه المصيدة الخبيثة ليكشف من خلالها أن هناك علاقة بينه وبين صديقه الآخر.

خدعة أخرى

وهنا بدأت مرحلة جديدة من التحقيق مع هذا الأسير الذي تحطّمت معنوياته بهذه الخدعة ومع أنّه كان قادرا على الاستمرار في إنكار العلاقة السريّة مع صديقه الآخر إلّا أن الموقف تغيّر كليّا حيث قام المحقق مباشرة بمواجهة الأسير مع ذلك العميل فصُدم صاحبنا واعترف بأنّ هناك علاقة تنظيمية بسيطة وذلك على أمل أن يكتفي المحقق بذلك ولا يسأله عن أعمال أخرى.

وفعلا تظاهر المحقق بأنه اقتنع أن هذا الاعتراف كاف وهو متطابق مع اعتراف صديقه الآخر, ولكي يثبت ذلك المحقق لصاحبنا أنّ صديقه تعاون مع المحقق قام بأخذه جولة في حديقة جانبية عبارة عن استراحة لضبّاط الشاباك, وجعله ينظر إلى صديقه من بعيد وهو يجلس مع محقّق آخر وكانوا يشربون العصير ويضحكون فأُلْقي في روع صاحبنا!!!..

وظنّ فعلا أن صديقه بدأ التعاون الفعلي مع الشاباك بدرجة الانسجام والضحك, ولكنّها في الحقيقة خدعة أخرى يستخدمها الشاباك كثيرا حيث يدّعي أحد المحققين أنّه إنساني ويحب السلام, وأنه غير راض عن كل هذا العمل, ويقول إنه مجبر على أداء وظيفته, ويقول للأسير المستهدف دعنا نبتعد عن التحقيق ونتبادل النكت ثم يطلب منه أن يجلسوا في الخارج في المطعم أو في الحديقة, إلى أن يوصله إلى ذلك الجو من الحديث والضحك ليكون هذا المشهد مصيدة لأصدقائه الآخرين.

وبعد ذلك الاعتراف البسيط ظنّ صاحبنا أنّه سينقل إلى السجن ليقضي فترة بسيطة تناسب ذلك الاعتراف, وفعلا قاموا بنقله إلى السجن وبعد عدة أسابيع في السجن اكتشف صاحبنا المسكين أنه في سجن وهمي, وقد قام الذين مثّلوا دور التنظيم في ذلك السجن بخداع الأسير مرّة أخرى حيث أدخلوه في دوّامة من التساؤلات في اعترافاته, وقاموا بنقل مراسلات بينه وبين صديقه حيث أوهموه أنّه موجود في قسم آخر من ذلك السجن, وكانت تلك الدوّامة مشتملة على الاتّهام بالعمالة أو التساهل بالاعتراف, وكانت الصدمة الكبرى عندما وجد صاحبنا نفسه مرّة أخرى أمام المحققين وفي أيديهم كل المراسلات وكل الأوراق التي كتبها وكل الكلام الذي تحدّث به في ذلك السجن الوهمي, ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا المثال يكشف لنا خطورة الشعور بأن التحقيق قد انتهى لذلك احفظ القاعدة جيدا" التحقيق لا ينتهي قبل وصولك إلى البيت, وليس إلى السجن " نعم إلى البيت وليس الطريق المؤدي إلى البيت.

ويجب التنبيه هنا أنّ الطرق التي يمكن من خلالها إيصال الأسير إلى مرحلة الاطمئنان والشعور بأن التحقيق قد انتهى هي طرق كثيرة ومتنوعة, والشاباك دائما يقوم بتطويرها حسب نفسية السجين لذلك لا تحفظ الشكل وتنسى المضمون, واعلم جيّدا أنّ هذه الطرق غير مباشرة, فمثلا قد يأتي أسير آخر ويُخبرك بأن التحقيق ينتهي عندما تذهب عند شرطي التحقيق للتوقيع على إفادة الشرطة, وأخذ البصمات.

وقد يُخبرك ذلك عدّة أسرى آخرين وقد يكون ذلك إجابة على أسئلتك لأنك تكون في تلك المرحلة مترقبا وتنتظر تلك اللحظة التي تنتهي فيها تلك المعاناة ونتيجة هذه المعلومة التي أخبرناك في القاعدة الثانية "ألا تستقبلها ولا تصدّقها" فإنّك بمجرّد أن تقابل شرطي التحقيق والبصمات ستشعر تلقائيا أنّ التحقيق قد انتهى, وهنا تبدأ المصيبة, وقد يسألك بعد ذلك أسير آخر عن توقعاتك فتخبره أنّك أنهيت التحقيق وبكل تأكيد, وبهذا السؤال الموجّه وإجابته المرصودة, يكون المحقق قد تأكّد أنك أصبحت جاهزا لمرحلة الخداع, فيرسلك بعدها إلى السجن الوهمي, لتظنّ نفسك بين إخوانك الأسرى فتحدّثهم عن أسرارك التي لم يستطع ضباط المخابرات أخذها منك, والله المستعان.

وهناك أيضا طريقة مشهورة لإقناعك بأنّ التحقيق انتهى وأنّك ستنقل إلى السجن, وهي طريقة المحكمة الوهمية التي يصدر فيها حكم إداري على الأسير الذي لم يعترف بشيء حتى يقتنع بأنه فعلا منقول إلى السجن الحقيقي وبالنسبة للأسير الذي اعترف بأشياء بسيطة فإنه سيكون مقتنعا بأنه سيذهب إلى السجن ولا يحتاج إلى محكمة وهميّة أو حكم إداري, وكما ذكرنا فإن كل الاحتمالات واردة فطرقهم تتطور, وكل يوم, فعليك أن تلتزم بالقواعد العامّة ودعك من الأشكال والتفاصيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى