عولمة ثقافة «الهولوكوست» الفلسطيني
مرة أخرى نتوقف أمام قصة «الهولوكوست اليهودي» الذي أحيته إسرائيل قبل أيام، بينما تحتفل في هذه الأيام أيضاً بعيد قيامها الستين .ومرة أخرى نتوقف أمام «هولوكوستهم ـ المزعوم ـ » ونحن أمام الذكرى الستين للنكبة الفلسطينية واغتصاب فلسطين لنتذكر ولنذكر: أن الشعب العربي الفلسطيني يتعرض منذ ستة عقود كاملة وأكثر إلى «هولوكوست» مفتوح على يد الاحتلال الصهيوني، وأن هذا «الهولوكوست» إنما يطبق على أرض فلسطين بالبث الحي والمباشر على مدار الساعة…!
كانت قصة «الهولوكوست ـ الكارثة ـ المحرقة» اليهودية على مدى أكثر من ستة عقود مضت قصة صهيونية ـ إسرائيلية بامتياز، وكانت ذريعة ووسيلة لابتزاز العالم بعامة، وألمانيا بخاصة، ابتزازا ماليا ومعنويا حيث نجحت الحركة الصهيونية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة باستثمار «الكارثة ـ المحرقة» استثمارا شيلوكيا وعنصريا واستعماريا تجاوز كل حدود العقل والمنطق والعدل والانصاف.
وقد وصل الاستثمار الشيلوكي للهولوكوست اليهودي ذروة لم تأت في أحلام الصهيونية، تصل إلى حد محاولة«عولمة ثقافة الهولوكوست» كما كانت طالبت «إسرائيل» بتعميم دراسته كمنهاج على العالم، فقد نشطت إسرائيل خلال اجتماعات لأعضاء الأمم المتحدة لا سيما الدول الفاعلة في منظمة العلوم والتعليم والثقافة (اليونيسكو)، من أجل تمرير منهاج دراسي أعدته يؤرخ للهولوكوست.
وحسب مسؤول في الأمم المتحدة فإن إسرائيل نجحت في الحصول على موافقة عدد كبير من الدول يتعدى السبعين لتمرير المنهاج لتدريسه لطلاب العالم، بما في ذلك دولة عربية وحيدة وافقت على التصويت لمصلحة هذا المنهاج في الدورة الـ 34 لليونيسكو والتي بدأت جلساتها الثلاثاء 2007/10/16، وبذلك تكون إسرائيل نجحت مجدداً بعد تمريرها قراراً أممياً باعتبار 27 من يناير من كل عام عيداً لإحياء ذكرى للهولوكوست.
الكاتب الإسرائيلي المعروف «يسرائيل شامير» قال في ذكرى الهولوكوست في هآرتس: «إن إجرامنا تجاوز إجرام روسيا في الشيشان، وأفغانستان، وإجرام أميركا في فيتنام، وإجرام صربيا في البوسنة، وان عنصريتنا ـ ضد الفلسطينيين ـ ليست اقل انتشاراً من عنصرية الألمان»، ويؤكد الكاتب في ختام مقاله: «ان آلام اليهود حول الهولوكوست مزيفة، فإما أن نتوب أو نحترق بنار الفلسطينيين وكبريتهم».
ولكن ـ على خلاف حالة «الهولوكوست اليهودي ـ المزعوم ـ الذي ما زال يدور حول صحته الجدل الدولي، فان حالة «الهولوكوست الفلسطيني» حقيقية وقائمة وملموسة وموثقة ومعززة بكم هائل لا حصر له من الوقائع والمعطيات والوثائق والشهادات الدامغة ومنها شهادات إسرائيلية على سبيل المثال، وخاصة شهادات الدكتور «ايلان بابيه» في«التطهير العرقي في فلسطين»، «وبني موريس» في سلسلة من كتاباته البحثية حول مجازر عام/1948، وغيرهما…!
فحينما نتوقف اليوم بعد ستين عاما على النكبة واغتصاب فلسطين لنتحدث عن «الهولوكوست الفلسطيني المفتوح» الذي اقترفته الحركة والتنظيمات الإرهابية الصهيونية، وتواصله«دولة إسرائيل» حتى لحظة كتابة هذه السطور، فهذا ليس من قبيل المبالغة والتهويل.
فقد ارتقت الجرائم الصهيونية المتنوعة والشاملة إلى مستوى هولوكوستي ـ محرقي ـ لم يسبق له مثيل في التاريخ، فنحن نعرف عن محارق هنا وهناك اقترفت، ولكن لم يحصل في التاريخ ان تواصل الهولوكوست المفتوح على مدى عقود من الزمن، ومرشح أيضا للاستمرار إلى أفق زمني مفتوح، كهذا الهولوكوست المقترف على أيدي الدولة الصهيونية .
فلم يخجل نائب وزير الحرب الإسرائيلي متان فيلنأي كما تذكرون على سبيل المثال من تهديد غزة بـ «المحرقة»، ولذلك ـ حينما نتوقف أيضا أمام ذكرى النكبة واغتصاب فلسطين دائما وفي كل مناسبة، فإننا في الحقيقة نتوقف أمام قضية فلسطين برمتها، منذ بداياتها الأولى وعلى مدى عقودها الماضية، وصولاً إلى لحظتها الراهنة.
ونتوقف كذلك أمام الصراع العربي ـ الصهيوني بكافة عناوينه ومراحله وتطوراته، ونتوقف بالأساس أمام الملفات الضخمة والاستحقاقات الأضخم التي تمخضت عن الصراع بعوامله المختلفة المتشعبة الصهيونية والفلسطينية والعربية والدولية.
ذلك أن تلك الملفات التي فتحت لم تغلق حتى اليوم، رغم مرور ستة عقود على نكبة فلسطين وإقامة الدولة الصهيونية، فملف اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، ما زال مفتوحاً بقوة، وكذلك ملف الوطن العربي الفلسطيني السليب والمهود من بحره إلى نهره، وملف الأرض والممتلكات المغتصبة.
مازال مفتوحاً وسيبقى، فضلاً عن ملف القدس والمقدسات، وعلاوة على ملف التحرير والاستقلال وبناء الدولة العربية الفلسطينية المشروعة، وقبل وفوق كل ذلك، ملف اللجوء والتشرد والعذابات والدماء الفلسطينية المتراكمة، وأيضا ملف التعويضات المادية والمعنوية والأخلاقية والحقوقية المركبة المتراكمة منذ النكبة…!
والاهم والأخطر نتوقف أمام ملف «الهولوكوست ـ المحارق ـ الصهيونية المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني…! نحن نتوقف أمام ملفات جرائم الحرب الصهيونية المتراكمة بلا حصر ضد الفلسطينيين، وأمام استراتيجيات التدمير الشامل للوجود العربي الفلسطيني في فلسطين، المتمثلة بأدبيات وخطاب وتطبيقات الإرهاب والدم والحرق والتجريف والمصادرة والتهويد والاقتلاع والتهجير والإحلال واقتراف المجازر الدموية الجماعية المروعة.
فكانت جرائم الحرب الصهيونية ـ الإسرائيلية شاملة لم يفلت منها لا الإنسان ولا الشجر ولا الحجر العربي الفلسطيني، ولم ينج منها لا مدينة ولا بلدة ولا قرية، وكذلك لم تترك مجالاً من مجالات الحياة العربية في فلسطين إلا وألحقت به الأذى.
وكانت تلك الجرائم شاملة مبيتة تجاوزت كافة القوانين والمواثيق والأعراف والخطوط الحمراء الدولية. وفي الخاتمة المفيدة تكفي الإشارة هنا إلى توثيق شامير أعلاه وإلى تقرير الخبير الأميركي «فريد لوشتر» الذي يدحض افتراءات اليهود حول الإبادة الجماعية في المعسكرات النازية.
ونتساءل في الخلاصة ـ أين «الهولوكوست ـ الكارثة ـ النكبة» الفلسطينية المفتوحة في هيئات المنظمة الدولية..؟، ولماذا يوافق العالم على عولمة ثقافة «الهولوكوست اليهودي ـ تحت الجدل ـ » في الوقت الذي يغمض أعينه عن الهولوكوست الفلسطيني المفتوح والمرئي بالبث الحي والمباشر…؟!