أبرز عناصر التربية الأمنية الإسلامية
ومن خلال استقراء سريع لمقولات الإسلام وممارسات أتباعه يمكن إثبات أبرز الملامح الأمنية التي يفرضها الإسلام في بناء الشخصية المسلمة.. من ذلك:
1 ـ السرية والتكتم:
فالإسلام يدرك أن مكر أعدائه ليس بهين ولا بسيط { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } ( إبراهيم: 46 )، وهو ـ حفاظًا على سلامة أتباعه وضمانًا لاستمرار رسالته ـ يعلمهم السرية ويربيهم عليها حتى لا يؤخذوا بسهولة، ويبطش بهم بعفوية وبساطة.
ـ فعند بدء الدعوة كان المسلمون يجتمعون في ( دار الأرقم ) دون أن يعرف بهم المشركون، وكانت هذه ( سياسة ) معتمدة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تلك المرحلة.
ـ ويوم عزم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الهجرة إلى المدينة، خرج مع صاحبه أبي بكر بتكتم شديد ودون أن يعلم بخروجهما ووجهتهما إلا من وكلت إليه مهمة تتعلق بهذا الأمر كما سنرى.
2 ـ التخفي والتمويه:
وليس أدل على مشروعية التخفي والتمويه في الإسلام مما فعله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هجرته.. ولو لم يكن غير هذا الحادث لكفى.
ويستفاد من هذه الرحلة القصيرة ـ بين مكة والمدينة ـ حسبما ورد في كتب السيرة جملة دروس ( أمنية ) منها:
أولاً: إن ( القيادة ) في الحالات القصوى يمكن ـ بل يجب ـ أن تتخفى وتتوارى عن العيون والأنظار.
ثانيًا: كان اختيار ( غار ثور ) بالذات غاية في التمويه على قريش، حيث أنه لا يقع على طريق المدينة التي كان ينتظر أن يسلكها رسول الله وصاحبه.
ثالثًا: إن الترتيبات الأمنية التي اتخذت خلال بقاء رسول الله وصاحبه في الغار كانت بينة التكامل والدقة:
أ ـ فقد تم تكليف ( عبد الله بن أبي بكر ) برصد الأخبار يوميًّا ونقلها إلى الغار.
ب ـ وتكليف ( أسماء بنت أبي بكر ) بنقل حاجاتهما من الطعام والشراب.
ج ـ وتكليف ( عامر بن فهيرة ) بأن يمر بغنمه مساء كل يوم ليأخذا حاجاتهما من اللبن، وليطمس بحوافر غنمه آثار الأقدام التي تتردد على الغار زيادة وإمعانًا في تضليل قريش.
د ـ واستئجار عبد الله بن أريقط الليثي ليكون دليلهما خلال سفرهما إلى المدينة.
3 ـ الرصد:
لم يكن انتداب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الله بن أبي بكر، لرصد أخبار قريش وما يدور في مجالسهم ويتردد على ألسنتهم، إجراء خاصًّا بمرحلة استثنائية من مراحل الدعوة، أو ذا دلالة خاصة.. بل إن الرصد كان سياسة متبعة في كافة الظروف والأحوال.فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كقائد للجماعة المسلمة كان يريد أن يعرف ويكشف كل ما يجري حوله، وما يعد له ولدعوته وللمسلمين، ليأخذ كل احتياط ويحبط كل كيد، بالرغم من تأييد الله له وكشف ( جبريل ) لكثير من خطط المشركين، وبخاصة مؤامرة اغتياله التي حكاها القرآن الكريم بكل وضوح { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } ( الأنفال: 30 ).
إذا كان شأن المؤيد بالوحي، أن يأخذ بأسباب الوقاية كلها، فكيف بمن لا نبي فيهم، ولا وحي يتنزل عليهم.
كانت سياسة الرصد لدى رسول الله تقضي أن يتفرغ لها أكفاؤها وأهل الخبرة فيها، وذلك لأهميتها في الحفاظ على كيان الجماعة وأمنها وسلامتها، ممن يكيدون لها بليل أو نهار.
ويدخل في إجراءات الرصد ما يفرضه الإسلام من حراسة ورباط على ثغور الإسلام ومواقعه ( الاستراتيجية ) حتى لا تؤتى على حين غرة.
فأثناء تأدية فريضة الصلاة على جبهات القتال، أو في المواقع الساخنة أو الحساسة، يقضي التشريع الإسلامي بفرز مجموعة للمراقبة والحراسة، تؤدي صلاتها بعد انتهاء الجماعة.. جاء في سورة النساء: { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، إن الكافرين كانوا لكم عدوًّا مبينًا، وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة، فلتقم طائفة منهم معك، وليأخذوا أسلحتهم، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة… } ( النساء: 111 ).
4 ـ التربية الجهادية:
والإسلام فضلاً عن الأسباب العامة التي يأمر الجماعة المسلمة بأن تأخذ بها حفاظًا على أمنها وسلامتها، فإنه يسلك في تربية أفراد هذه الجماعة مسلكًا جهاديًّا يجعلها أقوى على معاول الهدم وأصلب في مواجهة المكر، نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
أ ـ تعويد النفس على تحمل الظروف الصعبة قبل وقوعها، كالتعود على خشونة الطعام والمنام والملبس والمعاملة، يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( تخوشنوا فإن النعم لا تدوم )، ( لا تنظروا إلى من هو أعلى منكم بل انظروا إلى من هو أدنى منكم، حتى لا تزدروا نعمة الله عليكم ).
ب ـ التعود على كسر ( روتين ) العادات اليومية من ذهاب وإياب ولباس وركوب، تمويهًا وتعطيلاً لرصد الراصدين ومكر الماكرين.
ج ـ التعود على أن تكون المعرفة بقدر الحاجة فيما يتعلق بشئون الحركة والتنظيم.
د ـ التعود على الدقة في الأعمال والمواعيد ؛ لأن اختلال ذلك من شأنه أن يحبط أعمال الدعوة ويوقعها في إشكالات ومخاطر هي بغنى عنها.
المصدر
كتاب: أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي
الشيخ الراحل/ فتحي يكن