كيف ضاعت منظمة التحرير الفلسطينية؟
علي بدوان
مع الذكرى الستين لنكبة الشعب الفلسطيني، تتواصل المشاريع الأميركية الصهيونية الغربية لوأد حق العودة، وإهالة التراب عليه لدفنه إلى الأبد. وتتواصل مع مشاريع إنهاء حق العودة، حالة الزخم المستمرة في إيراد ووضع التصورات والحلول اللانهائية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم ، وتهجير أعداد كبيرة منهم إلى جهات المعمورة الأربع، كما هو حال بضع آلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين تم ترحيلهم من أرض العراق العربي إلى منافي البرازيل وتشيلي والهند .. فقد ضاقت بهم الأرض العربية على اتساعها.
والأمر المؤلم أن تترافق ذكرى النكبة مع استمرار حالة الانقسام الكبير في الساحة الفلسطينية، وأن تتواصل معها عملية تهميش منظمة التحرير الفلسطينية، والحط من مكانتها باعتبارها الوعاء الحاضن والموحد للشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات. فقد تحولت المنظمة وهيئتها القيادية الأولى المسماة باللجنة التنفيذية إلى مجرد أداة ووسيلة فقط يتم استحضارها عند الضرورة لتمرير قرارات غير مشروعة ولا تستجيب لرغبة وأماني الشارع الفلسطيني، قرارات جائرة تأتي في سياق اختلال حالة التفاوض بين الطرفين الفلسطيني الرسمي والإسرائيلي المسنود بقوة وحضور وتأثير الولايات المتحدة الأمريكية وسطوتها. فأين أصبحت المنظمة، وأين أصبحت لجنتها التنفيذية المسؤولة عن قيادة الشعب الفلسطيني؟
للإجابة على ذلك، نبدأ القول التالي:
وفق النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، فان اللجنة التنفيذية تمثل أعلى هيئة قيادية في المنظمة، وهي المسؤولة عن تنفيذ السياسات العامة التي يقرها ويصادق عليها المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره يمثل برلمان الشعب الفلسطيني.
وحسب النظام الأساسي تنتخب اللجنة التنفيذية من قبل المجلس الوطني مباشرة، إلا أن سياسة المحاصصة أو ما يعرف في الساحة الفلسطينية بـ (الكوتا) أزاحت مسألة انتخاب اللجنة التنفيذية مباشرة من قبل المجلس الوطني لصالح السياسة المذكورة، حيث بات منطق (الكوتا) هو السائد عملياً في تحديد اللجنة التنفيذية واختيار أعضائها، وذلك منذ الدورة الرابعة للمجلس الوطني التي عقدت في فبراير 1968، في إثر تسلم الفصائل الفدائية لقيادة المنظمة من مؤسسها الراحل أحمد الشقيري.
وغالباً ما تتم عملية (الكوتا) على أساس التوافق والتراضي بين جميع الفصائل، مع الاتفاق على عدد من المستقلين الذين كانوا أغلب الأحيان من الموالين أو المقربين من حركة فتح. ولولا منطق (الكوتا) لما كان بالإمكان وصول أي ممثل أو مندوب لبعض الفصائل إلى عضوية اللجنة التنفيذية، في إطار منظمة التحرير أو أي من مؤسساتها كالمجلس الوطني والمجلس المركزي.
واللجنة التنفيذية الحالية للمنظمة تحمل الرقم (21) منذ تأسيس المنظمة في 25/5/1964، وقد شكلت في الدورة الحادية والعشرين للمجلس الوطني التي عقدت في قطاع غزة بتاريخ 25/4/1996 بمقاطعة أغلبية القوى وعدد كبير من أعضائه بعد أن تم إغراق هذا المجلس بأكثر من 300 عضو جديد مضاف لضمان تمرير قرارات تعديل الميثاق ، وحدد عدد أعضائها بـ (18) عضواً كما هو معمول به وفق النظام الأساسي، إلا أن التغير الملحوظ في الدورة المذكورة للمجلس الوطني وقع عندما تم رفع العدد إلى (20) حيث اعتبر مقعد منظمة “الصاعقة” شاغراً وكذلك مقعد “الجبهة الشعبية/القيادة العامة”. وبذا فان عدد أعضاء اللجنة التنفيذية الحالية يبلغ عشرين عضواً.
وفي الواقع الراهن فان المتوفين والمقاطعين والمستقلين من أعضاء اللجنة التنفيذية هم:
1. فيصل الحسيني (متوفى).
2. ياسر عرفات (متوفى).
3. سليمان نجاب (متوفى).
4. ياسر عمرو (متوفى).
5. أميل جرجوعي (متوفى).
6. أسعد عبد الرحمن (مستقيل).
7. فاروق القدومي الذي لا يحضر جلساتها لأنها تعقد في الداخل.
8. طلال ناجي.
9. محمد خليفة.
أي أن أكثر من ثلث أعضائها متوفون ومستقيلون ومقاطعون، وهو ما يسبغ على قراراتها واجتماعاتها وعملها صفة اللاشرعية حسب النظام الأساسي، الذي يقول بوجوب وجود الثلثين كحد أدنى لإكساب الشرعية لعملها. حيث لاشرعية لاجتماعاتها مع وجود أعضاء انتهت مدتهم الفعلية والقانونية، وصولاً إلى فقدانها للنصاب القانوني مما يضعها قانوناً في حكم الملغاة والمنتهية بتغيب أكثر من ثلث أعضائها لأسباب مختلفة، فالمادة 14 المعدلة من النظام الأساسي للمنظمة تنص على:
1- إذا شغرت العضوية في اللجنة التنفيذية بين فترات المجلس الوطني لأي سبب من الأسباب، تملأ الحالات الشاغرة كما يلي:
2- إذا كانت الحالات الشاغرة تقل عن الثلث، يؤجل ملؤها إلى أول انعقاد للمجلس الوطني.
3- إذا كانت الحالات الشاغرة تساوي ثلث أعضاء اللجنة التنفيذية أو أكثر، يتم ملؤها من قبل المجلس الوطني في جلسة خاصة يدعى لها خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً.
وفي هذا السياق، تم التحايل على موضوع شرعية اجتماعات اللجنة التنفيذية، التي تتم دون تواتر نظامي مع غياب الاجتماعات الدورية المحددة وفق النظام الأساسي، من خلال إجراء إضافات غير دستورية لعضويتها، مثلاً إضافة صالح رأفت بصفة مراقب عن حزب “الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني” بعد مغادرة ياسر عبد ربه الحزب المذكور. كما في إضافة حنا عميره عن “حزب الشعب الفلسطيني” بدلاً من المرحوم سليمان النجاب بعد وفاته.
وغالباً ما تتم اجتماعات اللجنة التنفيذية عند الدعوة لها فقط من قبل الرئيس محمود عباس باعتباره رئيساً لها، وهكذا أصبحت اللجنة التنفيذية تحصيل حاصل ولا تجتمع إلا للموافقة على ما يطرحه رئيسها، ولتمرير الاتفاقات والمعاهدات المختلفة، أو تمرير قرارات أو استحقاقات معينة لإسباغ صفة الشرعية عليها باسم منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.
وفي الاجتماعات التي تدعى لها اللجنة التنفيذية فان مجال المشاركة بات مفتوحاً أمام الجميع وهو ما يخالف النظام الأساسي، فالاجتماعات تتم بحضور لمن أراد من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح مثل صائب عريقات، نبيل عمرو، الطيب عبد الرحيم، أحمد قريع، الحكم بلعاوي .. ومؤخراً سلام فياض الآتي من خارج رحم الحركة الوطنية الفلسطينية أصلاً.
ومؤخراً، تمت بعض المحاولات لتوسيع اللجنة التنفيذية للمنظمة بإضافات جديدة مخالفة أيضاً للنظام الأساسي للمنظمة حيث لا يملك أحد الصلاحية لتعيين أعضاء جدد في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لا رئيس المجلس الوطني، ولا رئيس المنظمة فهي من صلاحيات المجلس الوطني وحده، من خلال عقد دورة كاملة وشرعية، والإضافات التي تم الحديث بشأنها تتعلق بتثبيت عضوية صالح رأفت عن حزب “فدا”، وحنا عميره عن حزب الشعب الفلسطيني، وإضافة خمسة أعضاء جدد لحركة فتح هم: محمد دحلان، عزام الأحمد، روحي فتوح، نبيل عمرو، جبريل الرجوب، ويحيى عاشور (حمدان). إلا أن اصطدام موضوع الإضافات بمعارضة قوية داخل حركة فتح، التي اعتبرت بعض مصادرها (المتمردة) أن أي إضافة لأي من قيادات حركة فتح إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ليست سوى (رشوة سكوت وطلب صمت) من المضافين من أجل مطمطة موضوع عقد المؤتمر العام السادس لحركة فتح وتأجيله إلى مدى بعيد، الأمر الذي جعل الرئيس محمود عباس يتجه لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني في العاصمة الأردنية عمان، حيث عقدت اللجنة التحضيرية حتى الآن اجتماعين بحضور غالبية القوى، طغى عليهما مناخ من التباين والاختلاف بين الحضور، فالجبهة الشعبية اتخذت موقفاً متحفظاً، بينما دعت جبهة التحرير العربية إلى التريث بدعوة المجلس الوطني للانعقاد، وكذلك فعلت جبهة التحرير الفلسطينية عبر مندوبها على اسحق الذي رفض باسم الجبهة عقد دورة للمجلس قبل التوافق الوطني، بينما رحب الآخرون بعقد دورة المجلس الوطني في الاجتماع المشار إليه.
أخيراً فإن الوفد الذي ذهب إلى صنعاء باسم المنظمة للتفاوض مع حركة حماس لا علاقة له البتة بمنظمة التحرير من حيث التمثيل، فعزام الأحمد ليس عضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة وحتى المجلس المركزي، كما أن صالح رأفت ليس عضواً في اللجنة التنفيذية، كما أن قيس عبد الكريم السمرائي ليس عضواً في أي من هيئات منظمة التحرير الفلسطينية على الإطلاق لا من بعيد ولا من قريب، سوى الرقم الوطني الذي اكتسبه بعد دخوله إلى فلسطين وعضويته في المجلس التشريعي في الانتخابات الأخيرة. ويذكر أن زعيمه نايف حواتمه ليس عضواً بدوره بأي هيئة من هيئات منظمة التحرير الفلسطينية على الإطلاق لا سابقاً ولا حالياً، وكان حضوره لأعمال المجلس الوطني يتم على أساس ضيف، وأحيانا عضو مراقب كما كان حال قادة الحركة الوطنية الأردنية واللبنانية عندما يشاركون بأعمال المجلس الوطني.
لكن المرحوم عرفات كان قد ابتدع شكلاً من الاجتماعات أسماها اجتماعات القيادة الفلسطينية منذ المرحلة اللبنانية في العمل الفلسطيني، حيث المقصود بالقيادة الفلسطينية اجتماع (اللجنة التنفيذية + الأمناء العامين + من يدعوهم رئيس اللجنة التنفيذية) واحياناً كانت تتم تلك الاجتماعات بحضور المرافقين. والشيء الطريف أن الاجتماعات كانت تتم بصيغة من حضر، بما في ذلك السماح للمرافقين والمساعدين و”الدبيكة” وفق أدبيات الاستعمال الفصائلي بحضور الاجتماعات، فكانت الاجتماعات نمطاً فولكلورياً فلسطينياً (شي براس وشي بلاراس) أو (زيطة وزمبليطة) الأمر الذي كان يحدو بالبعض للتهكم والقول إن الاجتماعات ناجحة للمرافقين الفلسطينيين بحضور قادة المقاومة.
الوطن القطرية 12/5/2008