قلب فلسطين النابض في أوروبا يضخ فعاليات ضخمة وفاعلة لكسر حصار غزة
فلسطين الآن
“كلنا غزة” .. “دعوا غزة تعيش”، شعارات رفعها فلسطينيو أوروبا في تحركاتهم الفاعلة من أجل رفع الحصار الجائر عن قطاع غزة المفروض منذ عامين، مخترقين الصمت الذي تلتزمه المؤسسات الأوروبية الرسمية لما يجري في فلسطين.
سعوا لإيقاظ أصحاب الضمائر، إزاء وقائع مأساوية ذات أبعاد كارثية تسبب بها الحصار، وبخاصة على قطاعات الصحة والتغذية والتعليم والعون الإنساني، بل إنه أدى إلى شلل تام في المرافق الصناعية والقطاعات الاقتصادية، وتسبّب في أزمة متفاقمة في سوق العمل الذي كان يعاني في الأصل من معدلات بطالة قياسية هي الأعلى عالمياً.
لم يستطع الفلسطينيون في أوروبا، الذين يعتبرون قلب الوطن النابض في القارة الأوروبية، البعيدون جغرافياً عن وطنهم الذي هُجروا منهم قبل ستين عاماً، الوقوف مكتوفي الأيدي وهم يشاهدون الجرائم التي ترتكب ضد أهلهم في غزة؛ وهنا تداعت مؤسسات وجمعيات من معظم القارة الأوروبية، مع اشتداد وطأة الحصار الخانق على غزة، وأطلقت حملة ضخمة وفاعلة على مستوى أوروبا، سميت “الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة”، وذلك لإنقاذ مليون ونصف المليون إنسان يموتون ببطء.
حملة تمثّل فلسطينيي أوروبا
“الحملة الأوروبية لرفع الحصار” إطار تنسيقي ما بين خمسة وعشرين مؤسسة فلسطينية من معظم الدول الأوروبية، وهي تقوم بتنظيم المظاهرات والاعتصامات الشعبية أمام المقرات الحكومية في مختلف المدن الأوروبية، إضافة إلى الحملات الإعلامية وحملات التوعية المنظمة في الجامعات وعن طريق البريد الالكتروني وإرسال الرسائل التي تبين حقائق الحصار إلى السياسيين وصناع القرار والصحافة والمؤسسات الإعلامية المختلفة.
وبرز دور الحملة، التي تتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسيل مقراً لها، في تركيز الجهود الرامية لكسر ذلك الحصار، وتنسيق التحركات وتنظيمها، وكذلك في عقد اللقاءات والاجتماعات المتواصلة مع المسؤولين والبرلمانيين والجهات الرسمية في الاتحاد الأوروبي لوضع الجميع في ضوء مسؤولياته والتزاماته.
هدفها .. دعوا غزة تعيش
ومن أهداف الحملة، التي ستستمر فعالياتها وأنشطتها، بحسب القائمين عليها، حتى رفع الحصار كلياً عن قطاع غزة وإنهاء مأساة مليون ونصف المليون إنسان فيها: مواجهة هذا الحصار من خلال إبراز الآثار المترتبة عنه على سكان القطاع، وفضح الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، وتوحيد الجهود الفلسطينية باتجاه العمل على رفع الحصار ومواجهته بعيداً عن أية تجاذبات سياسية.
كما تهدف هذه الحملة أيضاً إلى حشد الدعم الشعبي والرسمي العربي والإسلامي والتأييد الدولي باتجاه هذا الهدف، وحث صناع القرار المؤثرين في السياسة الدولية على تفعيل دورهم وإجراءاتهم من أجل ذلك.
مواقف واضحة
مواقف الحملة واضحة كأهدافها؛ فهي تعتبر الحصار الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية على قطاع غزة بأنه “عملية قتل منهجي بطيئة”، حوّلت قطاع غزة، الذي يعتبر من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان، إلى أكبر سجن في العالم. بل وتنبّه من أنه لم يعد أيّ من سكان غزة يتمكن من مغادرة القطاع تحت أي ظرف من الظروف، حتى بالنسبة للحالات المرضية المستعصية فضلاً عن الجمعيات الإنسانية.
تؤكد الحملة الأوروبية أيضاً على أنه إزاء استمرار هذا الحصار والتحذيرات المتلاحقة من وقوع كارثة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ البشري الحديث؛ فإنها ستواصل التعاون والتنسيق مع الجميع بشأن الفعاليات والأنشطة الهادفة إلى رفع الظلم عن أهل غزة وكسر الحصار.
وتشدد في فعالياتها على المطالبة بضرورة الإسراع في التحرك من أجل فك الحصار الظالم وإمداد القطاع بالوقود وفتح المعابر، لا سيما معبر رفح، الذي يعتبر المنفذ الوحيد إلى العالم الخارجي، وإنهاء المأساة الحقيقية التي تعاني منها غزة، خصوصاً عقب وفاة مائة وخمسين فلسطينياً مريضاً حتى الآن، ثلثهم من الأطفال والرضّع، جراء نفاد الدواء، في حين ينتظر المئات من المرضى على قائمة الموتى.
وتطالب الحملة في بياناتها المؤسسات الطبية الدولية إلى التحرك العاجل والفوري لإمداد غزة بما تحتاجه من أدوية ومستلزمات طبية، لا سيما في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة الجماعية التي تنفّذها ضد القطاع، والتي توقع العشرات من الضحايا.
تفاعل الجمهور في أوروبا
شهدت بلدان أوروبا في الأيام والأسابيع الأخيرة هبّة واسعة من أجل كسر الحصار. وقد رفعت “اللجنة الأوروبية لرفع الحصار” شعار “كلنا غزة”، الذي حمله المعتصمون في كل أنحاء أوروبا، وقبالة مقرّ البرلمان الأوروبي، علاوة على الهتافات المدوّية في العواصم والمدن الأوروبية الكبرى “دعوا غزة تعيش”.
بل إنّ التحركات التضامنية مع غزة أصبحت عصيّة على الحصر، ووصف القائمون على الحملة بأن ما حدث “يتقدّم على مفهوم التضامن، فهو تعبير إرادة جارفة تقول: كفى لتلك الجريمة اليومية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي وداعموه بحق الشعب الفلسطيني”.
وكان آخر تلك الفعاليات اعتصام حاشد للمتظاهرين وممثلي المؤسسات العربية والأوروبية أمام مقر البرلمان الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسيل في (22/4)، تنديداً باستمرار حصار غزة وتضامناً مع أهلها المُهددين بكارثة إنسانية وشيكة، ومطالبين بإنقاذ حياة مليون ونصف المليون إنسان فلسطيني.
ويوضح أمين أبو راشد، رئيس الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة، بشأن تفاعل الجمهور الأوروبي مع حملتهم؛ إنه “بمجرد فتح حدود رفح في كانون ثاني (يناير) الماضي، طارت وفود إلى مصر فوراً لتكون من أوائل الواصلين إلى غزة. من هؤلاء أصدقاؤنا النواب بالبرلمان الأوروبي وممثلون عن جمعيات إنسانية وحقوقية، ومندوبو لجان التضامن مع فلسطين، وشخصيات من مسلمي أوروبا، بالإضافة إلى مندوبي مؤسسات خيرية عدة. بل هناك أشخاص كثر وصلوا إلى غزة بمبادرة فردية، وبينهم آباء وأمهات وأفراد هالهم ما سمعوه عن السجن الأكبر في العالم، وجاءوا ليؤكدوا أنهم مع غزة قلباً وقالباً، وأنّ هذا الحصار الظالم ينبغي كسره بإرادة الأحرار”.
مئات المؤسسات والاتحادات تتضامن
لا يمكن حصر التفاعل الواسع الذي أبداه فلسطينيو ومسلمو أوروبا ومنظمات المجتمع المدني مع نداءات رفع الحصار. فعلى سبيل المثال؛ البيان الشهير الذي أصدرته في 23 كانون (يناير) مائة وثلاث مظلات مؤسسية كبرى في أوروبا، يشمل بعض تلك المظلات في عضويته مئات المؤسسات والاتحادات والجمعيات الأعضاء، والذي حمل عنوان “حصار قطاع غزة سياسة غير أخلاقية وتهديد شامل لحياة سكانه”.
ثمّ بعدها بيوم واحد اختار مسلمو أوروبا وعدد كبير من المتضامنين في عموم القارة أن يطفئوا الأضواء ليلاً تضامناً مع غزة التي قرّر الاحتلال الإسرائيلي إغراقها في الظلام.
وقد سجّلت هذه الفعالية الرمزية التي أطلقتها “الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة” نجاحاً كبيراً في أوروبا وسجلت تجاوباً معها في بلدان خارج أوروبا كذلك. فللمرء أن يتخيّل أنّ التجاوب مع هذه الفعالية تم من جنوب إيطاليا واليونان إلى شمال السويد وحتى النرويج واسكتلندا، ومن روسيا وبولندا وحتى أسبانيا وإيرلندا.
العيش في الظلام الاختياري هي فعالية رمزية، لكنها على بساطتها الظاهرية تعكس أنّ هناك الملايين من الناس في أوروبا يعايشون هم الإنسان الفلسطيني الذي يريد الاحتلال أن ينال منه ومن عزيمته، بحسب ما تؤكده الحملة الأوروبية.
تحريك مياه الصمت الأوروبي
ومما يُحسب لـ “الحملة الأوروبية لرفع الحصار” تمكّنها من خلال أنشطتها وفعالياتها الضخمة في أنحاء مختلفة من القارة الأوروبية من أن تحرّك مياه الصمت الراكدة لدى المسؤولين الأوروبيين مما يجري من عمليات قتل في قطاع غزة وإعدام جماعي جراء الحصار.
يؤكد أبو راشد، رئيس الحملة، “رسالتنا خلال لقاءاتنا مع المسؤولين الأوروبية واضحة، وهي أنّه لا يُقبَل من الموقف الأوروبي الضلوع في سياسة الحصار تلك أو التواطؤ معها، بشكل مباشر أو غير مباشر، “ونعرب عن قناعتنا بأنّ الجانب الأوروبي بما له من نفوذ في المنطقة وبما يترتّب عليه من التزامات إنسانية وأخلاقية، وكذلك بموجب تعهداته المبدئية بحماية حقوق الإنسان؛ وهو وبشكل ملحّ بالتدخل الفوري لإنهاء ذلك الحصار الجائر وممارسة كافة الضغوط اللازمة في هذا الاتجاه”.
وبالرغم من حالة القصور التي أكد وجودها أبو راشد؛ إلا أنه لفت الانتباه إلى تصاعد الدعوات الأوروبية الصادرة عن دبلوماسيين ومسؤولين في الاتحاد الأوروبي، والمطالِبة بكسر الحصار فوراً عن قطاع غزة المحاصر منذ عامين، والذي تم تشديد الخانق عليه خلال الأشهر العشرة الماضية.
وكمثال على ذلك؛ ما قاله سفير الاتحاد الأوروبي لدى السلطات الإسرائيلية راميرو سيبريان اوزال والذي أكد على أن “المجتمع الدولي فشل في سياسته حيال قطاع غزة، ولم يتمكن من كسب دعم السكان وعزل حركة حماس”، داعياً إلى إعادة فتح المعابر أمام تدفق البضائع والمساعدات الإنسانية.
لكن أبو راشد يؤكد أن هذه الدعوات الأوروبية المتزايدة يوماً بعد آخر في هذا الاتجاه “تتطلب تحركاً فاعلاً وعملياً لرفع الحصار المفروض على مليون ونصف المليون إنسان فلسطيني في قطاع غزة مُهددين بكارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل، وذلك من خلال استغلال نفوذها لدى السلطات الإسرائيلية للضغط عليها وإجبارها على فتح المعابر بشكل دائم”.
مؤتمر فلسطينيي أوروبا السادس والحصار
وإزاء الأوضاع الكارثة في غزة؛ لم تغب قضية الحصار عن “مؤتمر فلسطينيي أوروبا السادس”، الذي انعقد في كوبنهاغن (3/5)، بل ركّز عليها بصورة لافتة للانتباه.
فقد عبّر المؤتمر عن إدانته الشديد للحصار المفروض على قطاع غزة منذ عامين، مطالباً بتحرّك أوروبي فاعل وحازم من أجل كسر هذا الحصار. واعتبر في بيانه الختامي أن استمرار الحصار هو “جريمةً منهجية، بكل المقاييس الإنسانية والأخلاقية، وتعبيراً فاضحاً عن حالة مهيمنة من غيبة الضمير تستمرئ قطع شرايين الحياة عن مليون ونصف مليون إنسان”.
وطالب الفلسطينيون في أوروبا بالرفع الفوري، بدون إبطاء أو تلكؤ، لهذا الحصار، ووقف العدوان المتواصل على مدن وقرى فلسطين، كما طالبو الاتحاد الأوروبي “باتخاذ موقف أكثر حزماً لرفع الحصار الجائر عن قطاع غزة”، معتبرين وقف الحصار “اختباراً جدِّياً للموقف الأوروبي من حقوق الإنسان. داعين في الوقت ذاته العالم العربي والإسلامي إلى الوفاء بالتزاماته، وفي مقدمته جمهورية مصر العربية بضرورة العمل باتجاه كسر الحصار وفتح معبر رفح.
وأكد أمين أبو راشد، رئيس “الحملة الأوروبية”، في كلمته أمام المؤتمر، الذي حضره أكثر من عشرة آلاف مشارك ومشاركة، على أن “جريمة الحصار اليومية تتواصل لترسُمَ واقعاً مضَرَّجاً بالدماء وحافلاً بالدمار، وذلك في الوقت الذي نشهد معاً كيف تستمرُّ آلةُ الاحتلالِ في حَصْدِ الأرواح وتهديد الآمنين وفي استباحةِ الحُرُماتِ والفَتْكِ بالصِّغارِ والكبار”.
في حين قال رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، شكيب بن مخلوف، “لا يفوتُنا أن نحذِّر بأعلى صوتِنا من أنّ الحصارَ الجائرَ المفروضَ على المليون ونصف المليون إنسان؛ هو جريمةٌ منهجية، هو مأساةٌ يوميةٌ، فنحن نتمزّقُ ألماً مع كلِّ ضحية جديدة من ضحايا الحصار، ولن نتوقف عن إعلاء صوتنا بضرورةِ إنهاء هذه المأساة، وتمكينِ غزةَ من حقِّها في الحياة.