الأمن والإيمان في حياة الإنسان
لا حياة بدون أمن، ولا أمن بدون إيمان، فالحياة والأمن والإيمان كل منها يكمل الآخر، فالأمن من ثمرات الإيمان، والحياة لا تكون حياة بالمعنى الصحيح بلا إيمان. فالإيمان هو القاعدة الصلبة التي يرتكز عليها كل معنى لحياة الإنسان في الدنيا والآخرة. والأمن مطلب لكل إنسان لكي يعيش بعيداً عن الخوف مطمئن النفس والقلب.
يختلف مفهوم الأمن من إنسان إلى آخر إلا أن الجميع يتفقون على أن الضرورات الخمس التي حددها الإسلام هي المفهوم الأساسي للأمن. فالدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال؛ هي أهم ما يترتب عليه استمرارية حياة الإنسان ولاتصلح إلا بها. ومن هذا المفهوم يتبين أن المنهج الإسلامي قد أرسى للأمن قاعدتين أساسيتين هما: (الإيمان والعمل الصالح). قال الله – تعالى -: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ( 82 ) الأنعام: 82.
ولتحقيق أمن الضرورات الخمس للإنسان بين المنهج الإسلامي ذلك في كتاب الله الكريم وفي سنة رسوله فيما يلي:
1- حماية الدين:
وهو الدين الإسلامي الذي قال الله – سبحانه وتعالى – فيه: "إن الدين عند الله الإسلام" آل عمران: 19، وقال – تعالى -: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" آل عمران: 85. والإسلام هو الرسالة الخالدة وهو دين الرسل أجمعين وهو عبادة الله – جلا وعلا -: "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" قريش: 3، 4.
ولتقوية العقيدة بهذا الدين نرى كيف أوصى به نبي الله إبراهيم الخليل، – عليه السلام – أبناءه في قول الله – تعالى -: "ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" البقرة: 132.
وللحفاظ على الدين حرم الله الردة وأوجب قتل المرتد عن الإسلام؛ ليحفظ الناس دينهم الذي ارتضى لهم، فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله : "من بدل دينه فاقتلوه".
2- حماية النفس:
أكد الإسلام على أمن النفس، وحمايتها، وحرمتها، وحقها في الحياة؛ فحماها من غيرها بأن حرم التعدي عليها أو قتلها، قال الله – تعالى -: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما النساء: 93، وهذا وعيد لم يتوعده الله لأحد في أي جريمة أخرى، كما أقر الله – تعالى – القصاص لمن قتل نفساً بغير حق فقال – تعالى -: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى"البقرة: 178، وقوله – تعالى -: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما النساء: 92.
هكذا شرع الله حماية النفس من أي أذى بغير حق حتى وإن كان أصحابها غير مسلمين، كما نهى – سبحانه – عن قتل الأبناء، فقال – تعالى -: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم"الأنعام: 151، وقال – تعالى -: "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا" الإسراء: 31، وقد عُد قتل النفس من السبع الموبقات التي حرمها الله، عن أبي هريرة – رضي الله عنه -قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر منها: "قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق"، وعن ابن عمر – رضي الله عنهما -أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"، وعن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما -قال: قال الرسول – صلى الله عليه وسلم -: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وأن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً"
3- حماية العقل:
والعقل هو المدير المسيطر المدبر لجميع شئون الإنسان، وهو الموجه لعمل الخير أو الشر، وهو الذي يحاسب الإنسان بموجبه، وقد عني الإسلام بحماية وأمن هذا الجهاز الحساس من الغزو الفكري أو الديني أو المدمرات العقلية الأخرى. فقد أرشدتنا العقيدة الإسلامية إلى تجنب كل ما ينافيها من الأفكار والشركيات والانحرافات، وأكدت أن الدين هو الإسلام، والعقيدة هي التوحيد، وأن ماعدا ذلك فإنه دخيل ومفسد لهذه العقيدة، فالإسلام: "هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله".
أما في مجال مفسدات العقل؛ فقد حرم الله – سبحانه وتعالى – كل مسكر وكل مخدر ومفتر، كالخمر والحشيش والأفيون والقات، وغيرها من أنواع المخدرات أو المدمرات بالأحرى، فقال – تعالى -: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون المائدة: 90، ويقول الشيخ عبدالله بن جار الله الجار الله: "الخمر ما خامر العقل أي غطاه بالإسكار سواء كان رطباً أم يابساً، مأكولاً أم مشروباً، وهي أم الخبائث، وجماع الآثام، ومفتاح كل شر، فمن لم يجتنبها فقد عصى الله ورسوله… وحرم الله الخمر لما اشتملت عليه من المفاسد… ولو لم يكن فيها من المخازي إلا ذهاب المال، ونقص الدين، وتشويه السمعة وسقوط العدالة لكفى العاقل أن يجتنبها".
4- حماية الأعراض:
عني الإسلام بحماية الأعراض أكبر العناية، وجعل لتلك الحماية حدوداً وعقوبات تجعل كل من يحاول التجاوز على تلك الأعراض عرضة للعقوبة الرادعة التي تصل في بعض الأحوال إلى فقدان الحياة، فجعل الإسلام حدوداً وعقوبات للزنا وهتك الأعراض، فقال – تعالى -: ولا تقربوا الزنى" إنه كان فاحشة وساء سبيلا 32 الإسراء: 32، وقال – تعالى -: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "
أما حدود القذف للأبرياء بالزنا فقد توعد الله هؤلاء بالوعيد الشديد، فقال – تعالى -: "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم النور: 23، وقال – تعالى -: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون 4 إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم النور: 4، 5 وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا السبع الموبقات"(20) وذكر منها: قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وبعض الناس لايتورعون عن الوقوع في أعراض خلق الله وقذفهم بالفواحش ويعرّضون أنفسهم للعقوبة في الدنيا والآخرة، عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"(21).
5- حماية المال:
وحماية للأموال حرم الإسلام كل ما يسبب إتلافها، والاعتداء عليها، أو أخذ حقوق الآخرين بالرشوة، أو الربا، أو السرقة، أو القمار، أو الاحتكار، وجعل لكل شيء منها عقوبتها، والحد عليها، فقال – تعالى -: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما 29 النساء: 29، وقال – تعالى -: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم 38 فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم المائدة: 38، 39، وقال – سبحانه – يتوعد من أكل الربا: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى" فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 275 يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم 276 البقرة: 275، 276، والآيات والأحاديث كثيرة فيما يخص المحافظة على المال والأملاك وحمايتها، وكذا التوجيه بعدم تسليم السفهاء الأموال، والحرص على كتابة الدين، والتعفف عن الأكل من أموال اليتيم وغيرها.
بتصرف/ علي بن عثمان القرني