الأمن عبر التاريخ

كيف حافظ الاسلام على الأمن الفكري؟!

المجد

نعم الله على الخلق كثيرة لا تعد ولا تحصى كما قال الله تعالى{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.

وأعظم النعم بعد الإيمان العافية والأمن، وهو طمأنينة القلب وسكينته وراحته وهدوئه، فلا يخاف الإنسان مع الأمن على الدين، ولا يخاف على النفس، ولا يخاف على العرض، ولا يخاف على المال ولا على الحقوق.

فالأمن أصل من أصول الحياة البشرية، لا تزدهر الحياة ولا تنمو ولا تخلو بغير الأمن.إذ لا قيمة المال إذا فقد الأمن ، ولا طعم للعيش إذا انعدم الأمن ؟! ولا تزدهر الحياة بدون الأمن.

وقد امتنّ الله على الخلق بنعمة الأمن، وذكّرهم بهذه المنّة، ليشكروا الله عليها، وليعبدوه في ظلالها، قال الله تعالى { أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَماً ءامِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شيء رّزْقاً مّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} وقال تعالى { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ }.

وعن عبيد الله بن محسن الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" رواه الترمذي.

ولذا عني الإسلام به أشد العناية ، فشرع الأوامر ونهى عن الفساد والشرور وشرع الحدود والزواجر الرادعة قال تعالى {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ}.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال:"اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، هلال خير ورشد، ربي وربك الله ".أخرجه الإمام أحمد.

• وهنا سؤال هام: هل يمكن أن يتحقق الأمن الحسي دون أن يتحقق الأمن الفكري؟.

الجواب بالنفي طبعاً ، لأن الأمن الفكري هو ركيزة كل أمن وأساسه. ولذا سنركز في هذه الدراسة على سبل تحقيق الأمن الفكري في المجتمع.

أولاً: تعريف الأمن الفكري:

الأمن لغةً: الطمأنينة ، والأمن ضد الخوف ، فأما آمَنْتُه المُتَعَدِّي فهو ضد أخَفْتُه وفي التنزيل { وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (لسان العرب 1/222 ، 223) وقيل: هو عدم توقع المكروه في الزمن الآتي أو الحاضر.

الأمن اصطلاحاً: مع اعتراف علماء الأمن والدراسات الاستراتيجية بغموض وتشابك مفاهيم الأمن حتى أصبح من الصعوبة تحديد تعريف جامع للأمن ، لكن يمكن استخلاص تعريف من جملة تعريفات وردت ، فالأمن هو: اطمئنان الفرد والأسرة والمجتمع دونما خوف على النفس والعرض والمال ، والأمن من أن يعتدي عليهم أحد دون وجه حق.

الفكر لغة: أعمال الخاطر لشيء، واصطلاحا: جملة ما يتعلق بمخزون الذاكرة الإنسانية من الثقافات والقيم والمبادئ الأخلاقية التي يتغذى بها الإنسان من المجتمع الذي ينشأ فيه ويعيش بين أفراده.

وعلى هذا فالأمن الفكري هو: اطمئنان الفرد والمجتمع إلى أن منظومته الفكرية والخلقية وقيمه التي ترتب العلاقات بين أفراده المجتمع ليست موضع تهديد من فكر وافد غريب.

وقد عرفه سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بأنه:( مصطلح حديث يعني مجموعة الجهود التي تقوم بها أمة من الأمم للاستيلاء على أمة أخرى أو التأثير عليها حتى تتجه وجهة معينة، وهو أخطر من الغزو العسكري؛ لأن الغزو الفكري ينحو إلى السرية وسلوك المسارب الخفية في بادئ الأمر، فلا تحس به الأمة المغزّوة، ولا تستعد لصده والوقوف في وجهه حتى تقع فريسة له، وتكون نتيجته أن هذه الأمة تصبح مريضة الفكر والإحساس، تحب ما يريده لها عدوها أن تحبه وتكره ما يريد منها أن تكرهه. وهو داء عضال يفتك بالأمم ويذهب شخصيتها ويزيل معاني الأصالة والقوة فيها. والأمة التي تبتلى به لا تحس بما أصابها ولا تدري عنه، ولذلك يصبح علاجها أمراً صعباً وإفهامها سبيل الرشد شيئاً عسيراً).

ثانياً: أهمية الأمن الفكري:

1- الأمن الفكري من الضروريات الأمنية لحماية المكتسبات والوقوف بحزم ضد كل ما يؤدي إلى الإخلال بالأمن.

2- الأمن الفكري يحقق للأمة أهم خصائصها ،وذلك بالذب عن حياض الشريعة ، وتحقيق التلاحم والوحدة في المنهج والغاية.

3- يستمد الأمن الفكري جذوره من عقيدة الأمة ومسلماتها وثوابتها وهو الذي يحدد هويتها وشخصيتها وذاتيتها ، ويحسن هنا التذكير بقول الملك الفرنسي لويس التاسع ، عندما أطلق سراحه مقابل الفدية في مصر، «تكسرت الرماح والسيوف، فلنبدأ حرب الكلمة»

4- تحقيق الأمن الفكري هو المدخل الحقيقي للإبداع والتطور والنمو لحضارة المجتمع وثقافته.

5- كما أن تحقيقه يوفر الحماية للمجتمع عامة وللشباب خاصة ويقيهم مما يرد عليهم من أفكار دخيلة هدامة.

6- أن الأمن الفكري يبحث في كيفية التصدي للجريمة عامة وجرائم العنف خاصة.

د. سعد عبد الله البريك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى