الإرادة فى مواجهة النكبة
عاش الفلسطينيون لمدة ستين عاما فى نكبة متواصلة، فمنذ الإعلان عن قيام إسرائيل والشعب الفلسطينى يعيش النكبة تلو الأخرى، نكبات متتالية الأولى منذ ستين عاما ثم سلسلة من النكبات التى تعتبر بمثابة المحطات البارزة فى تاريخ النضال الفلسطيني، وهناك من يعتبر أن الشعب الفلسطينى يعيش كل يوم نكبة جديدة عندما يستيقظ على الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية التى لا تستثنى الكبار ولا الصغار ولا النساء ولا الرجال ولا الناشطين ولا المدنيين.
لقد أفرز النضال الفلسطينى عدة محطات بارزة تمثلت الأولى فى المواجهة المسلحة التى قاوم بها الشعب الفلسطينى محاولات الاغتصاب الأولى الصادرة عن العصابات القادمة من أوروبا ثم تمثلت المحطة الثانية فى مواجهة قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة بما فيه وعد بلفور المشؤوم وكل الملاحق التابعة له.
ثم جاءت الحروب العربية الإسرائيلية بكل مراحلها والنكسات التى أحدثتها والرجات التى تبعتها والظروف التى أنشأتها الى أن نأتى الى المراحل التاريخية الجديدة التى تميزت بعدة عناصر لعل أبرزها الإعلان عن اندلاع الثورة الفلسطينية ثم التأسيس لمنهجية نضالية عبر إطار وهيكل واضح يتمثل فى منظمة التحرير الفلسطينية التى تعتبر الفضاء الوحيد الذى تنصهر فيه وتمر عبره جل النضالات بمختلف أشكالها السياسية والعسكرية والدبلوماسية. وهو الوضع الذى يستمر الى اليوم ولكن ببعض التغييرات الطفيفة التى تتفاعل فيها المنظومة النضالية الفلسطينية مع المتغيرات والمستجدات الحالية فى الساحة السياسية الدولية والإقليمية.
ولعل الأولى بالتعريج عليه هنا هو مسألة المفاوضات لأنها هى التى شكلت منعرجا من حيث المفاهيم التى كانت سائدة لدى الفلسطينيين، وتعتبر هذه المسالة محورية لأنها أسست لعلاقات جديدة تتضمن اعترافات متبادلة رغم أنه تبادل تشوبه بعض النقائص، ولأنها أحدثت انقسامات أصبحت مؤثرة جدا فى الأوساط السياسية الفلسطينية والعربية.
والى جانب المفاوضات التى أصبحت تساير العمل النضالى التقليدى فى الساحة الفلسطينية دخلت الانتفاضة على الخط بكل مراحلها الأولى والثانية وهى أسلوب نضالى ميز الفلسطينيين فى نضالاتهم ضد الاحتلال الإسرائيلى وأكسبهم القدرة على التأقلم مع الأوضاع والمستجدات الطارئة باستمرار ومكنهم خاصة من تطويع ما بحوزتهم من إمكانيات متواضعة جدا فى ما يتعلق بالسلاح والعتاد لمواجهة جيش كان قبل سنة 2006 يعتبر واحدا من الجيوش التى لا تقهر ولكن الفلسطينيين وبفضل أطفالهم وحجارتهم وعزيمتهم وإرادتهم السياسية استطاعوا إخضاعه وإذلاله ودحضوا أسطورة الجيش الذى لا يقهر إذ لم يصمد أمام أطفال صغار لا يمتلكون إلا القليل من الحجارة والكثير من الإرادة والعزيمة الصادقة على رفع التحديات وكسب الرهانات بما فيها رهان كسب معركة التحرير.
إن النكبة الأولى التى لحقت بالفلسطينيين منذ أكثر من ستين سنة والتى تبعتها نكبات أخرى لم تزد الفلسطينيين إلا إرادة وإصرارا على تجاوز الوضع والنضال الى آخر رمق لكسب المعركة الكبرى ألا وهى معركة التحرير والاستقلال وبناء الدولة وعاصمتها القدس.