بوش بين نكبات العرب وأفراح اسرائيل
جاء بوش من أمريكا الى فلسطين فى الموعد المحدد لإحتفالات اسرائيل بالعام الستين على انشائها ، بقرار من الأمم المتحدة التى يسيطر عليها الغرب الصليبى ، وقف فى الكنيست الإسرائيلى يوم الخميس الموافق 15/5/2008 ، أمام شاشات التلفزة العالمية يهنىء اسرائيل بعامها الستين تهنئة باللغة العبرية ،معلنا أنه من خدامها المخلصين اللذين يعملون على بقائها الى الأبد ، وتمنى أن تحتفل بعد ستين عاما بالعام المائة والعشرين لقيامها ، بعد أن تُمحى حركة حماس وحزب الله ، وبكل زهو وفخر قام بتلاوة بعض نصوص التوراة العاطفية ، كأحد أفقه الحاخامات اليهود ، وأعلن متملقا أن اسرائيل هى واحة الديمقراطية فى المنطقة ، والتى يجب على الدول المجاورة أن تحذو حذوها فى الإلتزام بالديمقراطية والحريات .
وتفاخر بوش في خطاب ألقاه أمام الكنيست الإسرائيلي بأن الولايات المتحدة كانت أول بلد في العالم يعترف بقيام إسرائيل ، وقال إن التحالف بين تل أبيب وواشنطن دائم وأن صداقتهما تتجاوز العلاقات السياسية إلى الروابط الدينية العميقة ، وبحضوره فى هذا التوقيت فان لسلن حاله يؤكد أن اسرائيل هى امتداد للحضارة الغربية والأمريكية ، وينبغى على الغرب الصليبى أن يحميها وينصرها بكل الوسائل الممكنة ، و بصورة مطلقة ودون قيد أو شرط ، فهى التى تمثل رأس الحربة لتلك الحضارة الغربية ، والموجهة الى العالم العربى والإسلامى الذى يجب أن يظل فى تخلفه وضعفه ، مع الحفاظ على التفوق الإسرائيلى العسكرى والإقتصادى والسياسى .
جاء بوش ليقف أمام الكنيست الإسرائيلى ، وهويقدم كشف حساب ، عما قام به خلال ثمانى سنوات قضاها حاكما لأمريكا ، خادما لإسرائيل فى البيت الأبيض ، من حروب وتدمير ، وتخريب مادى ونفسى ، للدول والشعوب العربية والإسلامية فى المنطقة، وله أن يفخر – وهو القائل أنها حرب صليبية ابان أحداث الحادى عش من سبتمبر- بما أحدثه فى عهده فى العالم العربى والإسلامى من نكبات ليست أقل من نكبة عام 1948 ، ومن أهم هذه النكبات :
1-احتلال عدة دول اسلامية وعربية احتلالا عسكريا أمريكيا ، كأفغانستان والعراق ، وسحق البنية التحتية لهما وابادة تراثهما ، والإستيلاء على كل ثرواتهما – وبالأخص ما تم فى العراق – ، مما جعل مواطنى هاتين الدولتين من أفقر شعوب العالم ، وفى الحقيقة فان ماحدث فيهما يمثل نكبتين لا نكبة واحدة .
2- خلال فترة الثمانى سنوات العجاف لحكم بوش الإبن ، وسبحان الذى يغير ولا يتغير – أصبح أعداء أمريكا واسرائيل ، فى داخل البلاد العربية وخارجها – هم أعداء معظم الأنظمة العربية الحاكمة ، فايران هى العدو اللدود لهم ، و كذلك حركة حماس وحركة الجهاد الفلسطينيتان وجماعةالإخوان المسلمين فى مصر والبلاد العربية ، وكافة الحركات والمنظمات المناهضة للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية ، هى عدو مشترك لهم جميعا .
3- من ضمن النكبات العجيبة ، أن أصبحت الدول المحيطة بالكيان الصهيونى هى الحارسة لحدوده ، والمسؤولة عن تسلل أى شخص الى داخل اسرائيل لتنفيذ عملية فدائية ، انتقاما من الجرائم اللاإنسانية التى ترتكبها ضد الفلسطينيين العزل ، وياويل أى دولة لاتلتزم بضبط حدودها مع اسرائيل !!
4- كان حُلما اسرئيليا فخاطرا ، ثم أضحى حقيقة لا خيالا ، ذلك التعامل الإقتصادى الواسع بين الدول العربية وبين اسرائيل ، لدرجة أن هناك من الدول العربية من تتعامل اقتصاديا مع اسرائيل بصورة أكبر مما تعامل به مع جارتها العربية الأخرى ، بل من الأنظمة العربية من يحرم شعبا مجاورا له من تصدير سلع كالغاز والحديد والأسمنت ، وقد يحرم شعبه منها ، ويصدرها لطفلته المدللة اسرائيل .
5- استطاعت أمريكا اثارة الخلافات بين العديد من الدول العربية بعضها مع بعض ، كما حدث بين سوريا ولبنان ، ويحدث الآن بين المغرب والجزائر ، والمضحك المبكى هنا أن هاتين الدولتين ارتضتا بأن تكون أمريكا هى الحكم بينهما ، وقد توعز أمريكا الى دولة ما بغزو دولة عربية كما يحدث من اثيوبيا ضد الصومال ، ومن تشاد ضد السودان ، وهلم جرى.
6- نجحت أمريكا الى حد كبير ، فى عصر بوش الإبن ، فى اثارة النعرات الطائفية والدينية والسياسية لتقوم الحروب الأهلية بين المواطنين داخل الدولة الواحدة ، ففى لبنان المهددة بحرب أهلية ثانية ، مازالت الفتن الأمريكية لم تتوقف ، حتى تأتى على الأخضر واليابس فى لبنان ، وكذلك فى العراق المنكسر ، وفى الصومال المتقطعة أوصاله ، وفى الجزائر وغيرها نفس السيناريو، والهدف الذى يخفى على الكثير ويتجاهله الموالون لأمريكا ، هو شغل العرب والمسلمين بقضايا داخلية ، لتتمكن اسرائيل من التوسع والسيطرة على الأوضاع ، فى غفلة من الدول والشعوب العربية والإسلامية ، وتحيا الصداقة العربية الأمريكية !!
7- تمكنت أمريكا من احداث شروخ بين العديد من الأنظمة الحاكمة فى المنطقة وبين شعوبها ، بعد أن دعمت هذه الأنظمة بكل قوة لتكون أنظمة ديكتاتورية قادرة على قمع تلك الشعوب ، دون احترام لحقوق الإنسان ، مما قد يستتبع الزج بالكثير من المواطنين الأبرياء الى غياهب السجون ، وتكميم الأفواه ، ومصادرة الأموال بغير حق ، وحدوث اضطرابات ، ومظاهرات منظمة أو عشوائية ، احتجاجا على الأوضاع المزرية للبلاد ، الأمر الذى قد ينتج عنه وقوع الكثير من القتلى والمصابين ، وهذا هو الهدف الأكبر للشيطان الأكبر !!
8- أصبحنا – نحن العرب والمسلمين – ملكيين أكثر من الملك نفسه ، والملك هنا بالطبع هو بوش الإبن ، فباتت قناعاتنا هى قناعاته وأوسع ، ومفاهيمنا هى مفاهيمه وأشمل ، فعمليات المقاومة فى الدول العربية والإسلامية المحتلة عمليات ارهابية ، ومن ثم فالمقاوم العربى المسلم ارهابى ، والعمليات الإستشهادية هى عمليات انتحارية ، والمصيبة الأكبر تجدها فى التعليقات و التصريحات الصادرة عن كبار الساسة العرب ، فبعد أى عملية فدائية تقع ضد اسرئيل ، على الفور تندد بها وتشجبها ، أما فى حالة حدوث عمل اجرامى من اسرائيل فلا تجد الا بعض الكلمات المقتضبة والتى تدعو جميع الأطراف الى ضبط النفس ، وكأن الأمر لا يعنينا .
9- باتت غالبية الأنظمة العربية والإسلامية مغلوبة على أمرها ، تسلم – دون تردد أو مراجعة – بالطلبات والأوامر الأمريكية فى كافة المجالات ، كالزراعة والإقتصاد والسياسة والإعلام وغيرها ، حتى فى التعليم تنفذ السياسات التعليمية على أبنائها بالرغم من الإختلافات الدينية والبيئية ، والعادات والتقاليد ، بل وتنفذ كيفية توجيه الخطاب الدينى الإسلامى حسب التعليمات الأمريكية القادمة من الإمام الأكبر بوش !!
10- مازالت أمريكا مصرة على الإستمرار فى حربها النفسية ضد العرب والمسلمين ، حتى يصلوا الى مرحلة الإنهزامية ، والرضا بالأمر الواقع ، وهو الإستسلام التام والكامل بالأوضاع السوداء التى يعيشونها ، وأن ليس فى الإمكان أبدع مما كان ، ولا جدوى من مقاومة الإحتلال الأمريكى أو الإسرائيلى ، وينبغى علينا راضين أو مكرهين ، أن نسير فى فلك المشروع الصهيوأمريكى ، وهذا ما يروج له الكثير من أجهزة الإعلام الرسمية للعديد من الأنظمة الحاكمة ، والتى تخدع به الجماهير العربية الغفيرة ، المخدرة فى ايمانها ووطنيتها ، بالإهتمام بمباريات كرة القدم العربية والعالمية ، وكذلك الأفلام والمسلسلات ، وغيرها من مواد الفن الهابط ، والذى لا ينشر الا الجنس والعنف ، والقادم أيضا من أمريكا !!
وبالرغم من كل هذه النكبات وغيرها ، وبالرغم من شدتها وقسوتها ، وبالرغم من النجاح منقطع النظير الذى حققته أمريكا فى هذه الإتجاه ، الا أن الرئيس بوش نسى أو تناسى ، جهل أو تجاهل أن معركته لم تنتهِ، وأن الحرب سجال ، وأن التغيير سنة كونية لاتتغير ولا تتبدل ، وأن دوام الحال من المحال ، واذا كان السيد بوش يخشى من بعض الأفراد أو التنظيمات التى يصفها دائما بالإرهابية ، الا أنه يخشى أكثر ، بل وترتعد فرائصه من خروج الإسلام من قمقمه ، الإسلام الحقيقى الذى جاء به محمد صلى الله عليه مسلم ، ذلك الإسلام الذى ينتشر دون اكراه بين الناس ، هو دين الفطرة التى فطر الناس عليها ، والذى تهوى اليه القلوب فى أمريكا وأوربا بالرغم من محاولات تشويهه المستمرة ، ذلك الإسلام الذى يدعو الى الخير والسلام والحب والمودة ، والذى يجمع ولا يفرق ، يحمى شعوبه و لا يهدد أحدا ، والذى يستعمل القوة التى يمتلكها بحكمة فى الوقت والمكان المناسبين ، دون عشوائية أو فوضى .
بوش يعلم أن الإسلام قادم لامحالة ، يعلم أنه قد يأتى من الدول العربية أو أوربا أو من أمريكا ، يعلم أن الإتجاهات والتيارات الإسلامية فى المنطقة لو أتتها الفرصة – وهى آتية بلا شك – سوف تنقلب الأمور فى بضع سنين ، ويعلم كذلك مايعلمه ويؤكده كثير من الحاخامات ، ومن قبل ذلك ، القرآن الكريم أن اسرائيل زائلة حتما ، فهى جسم غريب وُضع فى جسد الأمة ، فمن الطبيعى ألا يستمر ولابد من أن يُزال أو يزول ، وهذا ما أكده الدكتور عبد الوهاب المسيرى ، ولسوف يخسر من راهنوا على أن الغلبة لأمريكا أو لإسرائيل .