كامب ديفيد .. أبعاد أمنية خطيرة
المجد- خاص
منذ توقيع اتفاقية كامبد ديفيد ظهرت تداعيات أمنية خطيرة على جمهورية مصر العربية, وهنا نتحدث وإياكم عن التدابير الأمنية في سيناء والقوات الأجنبية ومخاطر اتفاقية كامب ديفيد.
أولا: التدابير الأمنية:
وهي ما ورد في الملحق الأول من الاتفاقية( الملحق الأمني), ولقد وردت به القيود الآتية علي حجم وتوزيع القوات المصرية في سيناء, تم لأول مرة تحديد خطين حدوديين دوليين بين مصر وفلسطين, وليس خطا واحدا, الأول يمثل الحدود السياسية الدولية المعروفة وهو الخط الواصل بين مدينتي رفح وطابا, أما خط الحدود الدولي الثاني فهو الخط العسكري أو الأمني وهو الخط الواقع علي بعد58 كم شرقي قناة السويس والمسمي بالخط( أ).
ولقد قسمت سيناء من الناحية الأمنية الي ثلاث شرائح طولية سميت من الغرب الي الشرق بالمناطق (ا) و( ب) و( ج).
أما المنطقة( أ) فهي المنطقة المحصورة بين قناة السويس والخط ( أ) المذكور عاليه بعرض58 كم, وفيها سمح لمصر بفرقة مشاة ميكانيكية واحدة تتكون من22 ألف جندي مشاة مصري مع تسليح يقتصر علي230 دبابة و126 مدفعا ميدانيا و126 مدفعا مضادا للطائرات عيار37 مم و480 مركبة,ثم المنطقة( ب) وعرضها109 كم الواقعة شرق المنطقة( أ) وتقتصر علي4000 جندي من سلاح حرس الحدود مع أسلحة خفيفة.
ثم المنطقة( ج) وعرضها33 كم وتنحصر بين الحدود الدولية من الشرق والمنطقة( ب) من الغرب و لا يسمح فيها بأي وجود للقوات المسلحة المصرية وتقتصر علي قوات من الشرطة( البوليس) ويحظر إنشاء أي مطارات أو موانئ عسكرية في كل سيناء,وفي مقابل هذه التدابيرفي مصر قيدت الاتفاقية دولة الكيان فقط في المنطقة( د) التي تقع غرب الحدود الدولية وعرضها4 كم فقط, وحدد فيها عدد القوات بـ4000 جندي.
وللتقييم والمقارنة, بلغ حجم القوات المصرية التي كانت موجودة شرق القناة علي أرض سيناء في يوم28 أكتوبر1973 بعد التوقف الفعلي لإطلاق النار, نحو80 ألف جندي مصري وأكثر من ألف دبابة, ولكن الرئيس السابق أنور السادات وافق علي سحبها جميعا وإعادتها إلى غرب القناة ما عدا7000 جندي وثلاثين دبابة, وذلك في اتفاق فض الاشتباك الأول الموقع في18 يناير1974, ولذلك فإن مراجعة خطة العدوان الصهيوني علي سيناء في حربي1956 و1967, تثير القلق فيما اذا كانت الترتيبات الحالية قادرة علي رد عدوان مماثل لا قدر الله.
وللتذكرة فلقد تم العدوان الصهيوني عام1967 علي أربعة محاور وهي..(1) محور رفح, العريش, القنطرة(2) محور العوجة, ابو عجيلة, الإسماعيلية(3) محور الكنتلا, نخل, السويس(4) محور ايلات, دهب, شرم الشيخ جنوبا ثم الطور, ابو زنيمة شمالا ليلتقي مع هجوم المحور الثالث القادم من رأس سدر.
وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة المسلحة الوحيدة( أ) تنتهي قبل ممرات الجدي ومتلا والخاتمية التي تمثل خط الدفاع الرئيسي عن سيناء, و سبق للرئيس السادات ان رفض هذا الوضع, اذ انه صرح في19 مارس1974 أن الحديث الدائر في دولة الكيان عن نزع سلاح سيناء يجب أن يتوقف.
فاذا كانوا يريدون نزع سلاح سيناء فسوف أطالب بنزع سلاح دولة الكيان كلها, كيف انزع سلاح سيناء.. انهم يستطيعون بذلك العودة في أي وقت يريدونه خلال ساعات.
ثانيا: القوات الأجنبية في سيناء:
وهي القوات متعددة الجنسيةMFO أو ذو القبعات البرتقالية كما يطلق عليها للتمييز بينها وبين قوات الامم المتحدة ذو القبعات الزرقاء ويهمنا هنا التأكيد علي الآتي:
نجحت أمريكا ودولة الكيان في استبدال الدور الرقابي للامم المتحدة المنصوص عليه في المعاهدة, بقوات متعددة الجنسية, وقع بشأنها بروتوكول بين مصر ودولة الكيان في3 اغسطس.1981
تتشكل القوة من11 دولة ولكن تحت قيادة مدنية امريكية,ولا يجوز لمصر بنص المعاهدة ان تطالب بانسحاب هذه القوات من اراضيها الا بعد الموافقة الجماعية للاعضاء الدائمين بمجلس الأمن, وتقوم القوة بمراقبة مصر, اما دولة الكيان فتتم مراقبتها بعناصر مدنية فقط لرفضها وجود قوات اجنبية علي اراضيها, ومن هنا جاء اسمها القوات متعددة الجنسية والمراقبون ـMFO وليس من المستبعد ان يكون جزء من القوات الامريكية في سيناء عناصر صهيونية بهويات امريكية وهمية او مزورة.
وفيما يلي بعض التفاصيل:
تتحدد وظائفMFO في خمسة مهمات=(4+1) هي(1) تشغيل نقاط التفتيش ودوريات الاستطلاع ومراكز المراقبة علي امتداد الحدود الدولية وعلي الخط( ب) وداخل المنطقة( ج)(2) التحقق الدوري من تنفيذ أحكام الملحق الأمني مرتين في الشهر علي الاقل ما لم يتفق الطرفان علي خلاف ذلك,(3) إجراء تحقيق إضافي خلال48 ساعة بناء علي طلب احد الاطراف(4) ضمان حرية الملاحة في مضيق تيران,(5) المهمة الخامسة التي اضيفت في سبتمبر2005 هي مراقبة مدي التزام قوات حرس الحدود المصرية بالاتفاق المصري الصهيوني الموقع في اول سبتمبر2005 والمعدل في11 يوليو2007( ملاحظة: لم يعلن عن هذا الاتفاق ولا نعلم ما جاء به, ولقد وقع بعد سيطرة حماس علي غزة) مقر قيادة القوة في روما ولها مقران اقليميان في القاهرة وتل ابيب.
وتتمركز القوات في قاعدتين عسكريتين: الأولي في الجورة في شمال سيناء بالمنطقة( ج) والثانية بين مدينة شرم الشيخ وخليج نعمة بالإضافة الي ثلاثين مركز مراقبة ومركز إضافي في جزيرة تيران الخاضعة للسعودية لمراقبة حركة الملاحة ـ ويلاحظ( السعودية لا تعترف بدولة الكيان فكيف تكون طرفا في الترتيبات الأمنية لكامب ديفيد).
تكوين القوات وتوزيعها:
تتكون من قيادة ثلاثة كتائب مشاة لا تزيد عن2000 جندي ودورية سواحل ووحدة مراقبة ووحدة طيران حربية ووحدات دعم واشارة.
الكتائب الثلاثة هي كتيبة امريكية تتمركز في قاعدة شرم الشيخ والكتيبتان الاخريان احداهما من كولومبيا والأخرى من فيجي وتتمركزان في الجورة في الشمال وباقي القوات من باقي الدول موزعة علي باقي الوحدات وهناك جدول يبين عدد وتوزيع وجنسية القوات.
ويلاحظ من خلال توزيع القوات أن الولايات المتحدة تضطلع بمسئولية القيادة المدنية الدائمة للقوات كما ان لها النصيب الأكبر في عدد القوات687 من1678 فردا بنسبة40%, وذلك رغم انها لاتقف علي الحياد بين مصر ودولة الكيان.
وقد اختارت أمريكا التمركز في القاعدة الجنوبية في شرم الشيخ للأهمية الإستراتيجية لخليج العقبة والمضايق بالنسبة لدولة الكيان, ورغم ان جملة عدد القوات لا يتعدي2000 فرد, إلا أنها كافية للاحتفاظ بالمواقع الإستراتيجية لصالح دولة الكيان في حالة وقوع أي عدوان مسقبلي منها, خاصة في مواجهة قوات من الشرطة المصرية فقط في المنطقة( ج).
إن الوضع الخاص للقوات الأمريكية في بناء الـMFO قد يضع مصر في مواجهة مع أمريكا في ظل أي أزمة محتملة, مما سيمثل حينئذ ضغطا إضافيا علي اي قرار سياسي مصري, وقد تم استبعاد كل الدول العربية والإسلامية من المشاركة في هذه القوات, ومعظم الدول الأخري عدد قواتها محدود وتمثيلها رمزي فيما عدا كولومبيا وفيجي,ان القيادة العسكرية كلها من دول حلف الناتو.
الميزانية والتمويل:
تقدر الميزانية السنوية الحالية للقوات بـ65 مليون دولار امريكي, تتقاسمها كل من مصر ودولة الكيان, بالاضافة الي تمويل اضافي من اليابان والمانيا وسويسرا.
وفي دولة الكيان:
أما علي الجانب الآخر في المنطقة( د) فيوجد ما يقرب من50 مراقبا كلهم مدنيون, وكان ما سبق هو حجم أزمة السيادة في سيناء, وهي حقائق يعلمها جيدا كل المسئولين والمتابعين والخبراء, ولكن تم حجبها واخفاؤها عن غالبية الشعب المصري لأكثر من ثلاثين عاما, ولذلك فإن مهمتنا الأولي الآن هي نشر هذه الحقائق بين كل الناس, فهم اصحاب الشأن والارض والمصلحة, أما مهمتنا الثانية فهي تدارس الوسائل الممكنة للتحرر من هذه القيود.
التداعيات في زمن السادات
أثارت اتفاقيات كامب ديفيد ردود فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية, وقت توقيعها ففي مصر.
استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية وسماها مذبحة التنازلات, وكتب مقالا كاملا في كتابه السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد المنشور في بداية الثمانينيات أن ما قبل به السادات بعيدا جدا عن السلام العادل, وانتقد كل اتفاقيات كامب ديفيد لكونها لم تشر بصراحة إلي انسحاب صهيوني من قطاع غزة والضفة الغربية ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
وعقدت الدول العربية مؤتمر قمة رفضت فيه كل ما صدر. ولاحقا اتخذت جامعة الدول العربية قرارا بنقل مقرها من القاهرة إلي تونس احتجاجا علي الخطوة المصرية.
وعلي الصعيد العربي أيضا كان هناك جو من الإحباط والغضب لأن الشارع العربي كان آنذاك لايزال تحت تأثير افكار الوحدة العربية وافكار جمال عبد الناصر وخاصة في مصر والعراق وسوريا وليبيا والجزائر واليمن.
ويري البعض أن الاتفاقية أدت إلي نشوء نوازع الزعامة الإقليمية والشخصية في العالم العربي لسد الفراغ الذي خلفته مصر وكانت هذه البوادر واضحة لدي القيادات في العراق وسوريا فحاولت الدولتان تشكيل وحدة في عام1979 ولكنها انهارت بعد اسابيع قليلة.
وقام العراق علي وجه السرعة بعقد قمة لجامعة الدول العربية في بغداد في2 نوفمبر1978 ورفضت اتفاقية كامب ديفيد وقررت نقل مقر الجامعة العربية من مصر وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها وشاركت بهذه القمة10 دول عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعرفت هذه القمة باسم جبهة الرفض.
وفي20 نوفمبر1979 عقدت قمة تونس العادية وأكدت علي تطبيق المقاطعة علي مصر. وازداد التشتت في الموقف بعد حرب الخليج الأولي إذ انضمت سوريا وليبيا إلي صف إيران وحدث أثناء هذا التشتت غزو دولة الكيان للبنان في عام1982 بحجة إزالة منظمة التحرير الفلسطينية من جنوب لبنان وتمت محاصرة للعاصمة اللبنانية لعدة شهور ونشات فكرة الاتحاد المغاربي الذي كان مستندا علي أساس الانتماء لإفريقيا وليس الانتماء للقومية العربية.