قراءة في: خطة غانتس لتغيير بنية الجيش الصهيوني
كشف الجيش الصهيوني في منتصف شهر حزيران/ 2013 عن
خطة رئيس هيئة الأركان بيني غانتس لتغيير بنية الجيش الصهيوني التي أطلق عليها اسم
“جرأة” حيث عكف على إعدادها منذ عامين ونصف -منذ تسلمه رئاسة هيئة
الأركان-، وتعتبر هذه الخطة –حسب أقوال محللين وقادة صهاينة- الأكبر والأهم في
تاريخ الجيش الصهيوني، حتى أسمها البعض “بثورة غانتس”.
تقوم الخطة في أساسها على مبدأين:
–
المبدأ الأول: تقليص في العدة والعتاد:
حيث تقضي الخطة بتقليص حجم القوات البرية
والبحرية والجوية, مع تقليص عدد المعدات العسكرية الموجودة بحوزة هذه القوات, وذلك
على النحو التالي:
1. القوات
الجوية: بموجب هذه الخطة سيتم التخلي عن حوالي ثلاثة أسراب طائرات قديمة يدفع
عليها مبالغ كبيرة لعمليات التشغيل والصيانة، بالإضافة لتفكيك بعض الوحدات العاملة
في سلاح الجو، وتقليص الطلعات الجوية.
2. القوات
البرية: سيتم التخلي عن الدبابات القديمة كمشتقات دبابة “إم 60”
الأمريكية، الأمر الذي سيتبعه تفكيك الوحدات المجهزة بتلك الدبابات، هذا بالإضافة
إلى إغلاق العديد من وحدات المدفعية.
3. القوات
البحرية: سيتم الاستغناء عن سفينتين حربيتين.
وعليه ونتيجة لتفكيك بعض الوحدات العاملة
في هذه القوات سيتم الاستغناء عن خدمات ما يقرب من 4000 جندي وضابط من أفراد الجيش
النظامي.
4. قوات
الاحتياط: سيتم تقليص التدريبات لهذه القوات، بالإضافة لتفكيك فرقة كاملة منهم.
–
المبدأ الثاني: تعزيز وتطوير في جوانب أخرى:
بالرغم من التقليصات سابقة الذكر فان خطة غانتس
-حسب قول وزير الحرب الصهيوني موشيه يعالون- تهدف لجعل الجيش الصهيوني محتفظًا
بتفوقه العسكري مع مواصلة الحفاظ على فجوة تكنولوجية كبيرة إزاء جميع جيوش الدول
والمنظمات في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً –يعالون- إلى “أن ميدان الحرب
المستقبلي سيحسم فقط عبر التفوق التكنولوجي للجيش الإسرائيلي براً وبحراً وجواً،
وبمركبات أقل”، وعليه فإنه بموجب هذه الخطة سيتم استثمار مزيد من الموارد في
بناء وتطوير وسائل ومنظومات قتالية جديدة في عدة مجالات أهمها:
1. التزود
بأسلحة دقيقة، تكون قادرة على ضرب الأهداف بسرعة وبدقة كبيرة، حيث تم الكشف خلال
الأشهر الأخيرة عن نظام “تموز”، وهو صاروخ موجه دقيق للغاية، تم
استخدامه ضد أهداف سورية بالقرب من الحدود، وهو مؤشر على أنواع من الأسلحة التي قد
يستخدمها الجيش الصهيوني في المستقبل، بجانب استخدام معدات متطورة وغير مأهولة –بدون
جنود يتم التحكم بها عن بعد-.
2. تحسين
أداء منظومة الاستخبارات، -الناجي الوحيد من التقليصات- والتي وصفها الخبير
العسكري يوآف ليمور بـ “سيد الميدان الحديث للحرب”، حيث أن دورها قادر
على أن يحسم المعارك في اللحظات المناسبة.
3. تحسين
التنسيق بين القوات الجوية والبرية والاستخبارات، ويعلق على ذلك قائد سلاح الجو
السابق عيدو نحوشتان بقوله: “إن تحسين التغطية الاستخبارية وإمكانية نقل
معطيات دقيقة بسرعة كبيرة إلى سلاح الجو تجعل الهجمات الجوية أكثر نجاعة، مشيرا
إلى أن عدد قليل من الطائرات يمكنها اليوم أن تعالج أهدافا كانت تقوم بها أسراب في
حرب لبنان الأولى”.
4. تطوير
أداء القوات البرية، تحدث عن ذلك المعلق العسكري ليديعوت أليكس فيشمان الذي كتب:
“إن الخطة تقتضي تأهيل قوات خاصة لمختلف المهام، حيث سيحل محل الجيش البري ثلاثة
أنواع من الفرق هي:
أ.
فرق تعنى بحماية الجبهات المختلفة.
ب. فرق تكون
جزءاً من المخزون في القيادات.
ت. فرق خفيفة
تكون قادرة على تنفيذ المناورات داخل أراضي العدو، بشكل متوازن في عدة جبهات.
إضافة إلى ذلك سيعطى إلى جانب كل هذا وزن
كبير لتطوير قدرات القوات الخاصة، وكل هذا يعني أن الجيش البري سيغدو أصغر، ويتخلى
عن قوات مدرعة ويحسن أداء ما تبقى منها في الخدمة”.
5. تطوير
منظومات الدفاع المتعددة، القبة الحديدية، العصا السحرية ومنظومة حيتس.
6. تطوير
وسائل حرب السايبر –الحرب الالكترونية-: لقد سعى الكيان الصهيوني لتوظيف الفضاء
الالكتروني في جهوده الحربية ضد أعدائه؛ لتحقيق أهداف تكتيكية وإستراتيجية، فقد تمكّن
الكيان خلال عام 2009 وبالتعاون مع الولايات المتحدة من إعطاب أجهزة الطرد المركزي
التي تعتمد عليها إيران في تخصيب اليورانيوم؛ باستخدام فيروس “Stuxnet“.
لذلك تسعى إسرائيل لتطوير نفسها في الجانب
الدفاعي انطلاقا من فرضية أنّه كلما تعاظمت درجة توظيف التقنيات المتقدمة في تشغيل
مرافق البنى التحتية والمؤسسات العسكرية والمدنية الحساسة، كلما زادت فرص انكشافها
أمام الهجمات الإلكترونية “المعادية” ما قد يؤدي الى سقوط عدد كبير من القتلى
في صفوف المدنيين والعسكريين، خاصة أن الكيان الصهيوني تعرض خلال العامين الماضيين
للعديد من الهجمات الالكترونية –ربما لم تتشكل خطراً كبيراً على أمن إسرائيل- ما
دفع رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو للقول: “إن إسرائيل بحاجة إلى
قبة حديدية رقمية لمواجهة تلك الهجمات”.
وفي هذا المجال كشف أليكس فيشمان أن الجيش
الإسرائيلي إزاء التطورات التقنية وازدياد التهديدات، يعتزم إنشاء “مقر قيادة
السايبر” –كما في الولايات المتحدة- بشكل منفصل عما هو موجود حاليا -حيث أن
قسم السايبر حاليا هو جزء من وحدة التنصت في شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”-.
ومن المقرر أن يتم تنفيذ هذه التغييرات
وغيرها على مدى الخمس سنوات القادمة لجعل الجيش الصهيوني أصغر حجما وأكثر فعالية،
حيث تم عرض هذه الخطة على الكنيست الصهيوني لاعتمادها خلال شهر حزيران/2013، وقد
بدأ الجيش بتنفيذ هذه الخطة فعليا قبل المصادقة عليها، حيث أبلغ أفراد أحد الأسراب
الجوية المقرر تقليصها، بانتهاء خدمتهم.
الأسباب والدوافع لإعداد هذه الخطة:
تعترف الأوساط العسكرية الصهيونية بأن خطة
تغيير بنية الجيش الصهيوني نابعة في الأساس للتكيف مع بعدين مهمين وهما:
–
البعد الأول: تقليصات الموازنة:
بالرغم من أن رئيس هيئة الأركان الصهيوني
بيني غانتس بدأ بإعداد خطة تغيير بنية الجيش الصهيوني منذ عامين أي قبل ضواغط
الميزانية العامة وما تبعها من تقليص في ميزانية الجيش الصهيوني بما يقرب من 3
مليارات شيقل لعام 2013، إلا أن وزير الحرب الصهيوني موشيه يعالون أعلن أن “ضواغط
الميزانية للعامين 2013-2014 تجبر الجيش على اتخاذ خطوات مثل المساس بالتدريبات
والنشاط العملاني للقوات الاحتياطية بالإضافة للتقليص في بعض الوحدات”.
يقدر محللين وخبراء عسكريين أن من شأن هذه
التقليصات أن توفر ما يقرب من 7-10 مليار شيقل من مزانية الجيش على مدار الخمس
سنوات القادمة.
–
البعد الثاني: تغير خريطة المخاطر التي
تواجهها الدولة الصهيونية:
يرى العديد من المحللين والخبراء العسكريين
الصهاينة أن السبب الرئيسي لإجراء تعديلات على بنية الجيش الصهيوني تنبع في أساسها
من تغير خارطة المخاطر التي يواجهها الكيان الصهيوني، فحسب التقديرات الصهيونية لم
يعد هناك جيش عربي يهدد أمن الكيان، فالجيش العراقي تم تفكيكه بعد الغزو الأمريكي
للعراق عام 2003، الجيش السوري منهك في الحرب الداخلية ضد الشعب السوري وهو في
طريقه إلى التفتت، والجيش المصري منشغل حاليا بالقضايا المصرية الداخلية خاصة بعد
انقلاب السيسي على الرئيس مرسي، ودخوله في صراعات مع الشعب، بالإضافة لانشغاله في
سيناء فيما يطلق عليه عملية “تطهير سيناء من الإرهابيين”، ناهيك عن وجود
اتفاقية سلام بين مصر والكيان سيسعى الجيش المصري للحفاظ عليها؛ للمحافظة على
الدعم الأمريكي المقدم له. أما فيما يتعلق بالتهديد النووي الإيراني فقد بات الخيار
العسكري متدنيا للغاية، في ضوء موقف الولايات المتحدة والأسرة الدولية من انتخاب
حسن روحاني رئيسا لإيران.
ويؤكد على هذا المفهوم وزير الحرب الصهيوني
موشيه يعالون الذي قال: “في ظل تغير التهديدات، وفي أعقاب القدرات التي طورها
الجيش الإسرائيلي، فقد توصلنا إلى نتيجة أنه يجب إجراء إصلاحات مهمة، وعدم رهن
المستقبل بالحاضر، حيث أن معارك جيش قبالة جيش، مثلما حصل في الحرب عام 1973،
تتضاءل تدريجيا، وأنه بعد سنوات قليلة سيكون هناك جيش إسرائيل آخر”.
وتقدر مصادر عسكرية صهيونية أن هناك مدة
سنتين إلى ثلاثة سنوات تسمح للجيش الصهيوني بإجراء هذه التعديلات دون أن يشكل ذلك
أي تهديد على أمن الكيان الصهيوني، حيث أشار رئيس هيئة الأركان في الجيش الصهيوني
بيني غانتس “أن احتمال تعرض إسرائيل لهجوم عسكري من جهة جيش نظامي ليس عاليا
خلال السنتين المقبلتين” .
وعليه فمع تراجع احتمال نشوب حرب شاملة جيش
قبالة جيش، فقد بات أساس انشغال الجيش الصهيوني موجه حاليا نحو الوضع على الحدود الشمالية
والجنوبية والخطر الناتج من الهجمات التي قد تبادر إليها التنظيمات والمجموعات
المسلحة التي تنشط أو تسيطر على تلك الحدود، وتبقى الخشية الصهيونية من تعرض
الجبهة الداخلية لهجوم بآلاف القذائف والصواريخ من عدة جبهات هو الخطر الأكبر الذي
يستعد الكيان الصهيوني لمواجهته.
ردود الفعل الصهيونية على خطة غانتس:
لقد اعتبر العديد من المعلقين والخبراء
العسكريين أن خطة غانتس تعد بمثابة ثورة تصحيح في المسار الذي انتهجته قيادة الجيش
خاصة بعد التفكك السريع للجيوش العربية، فقد اعتبر كلا من:
·
المعلق العسكري في صحيفة “إسرائيل
اليوم” يوآف ليمور: “أن المسار الذي انتهجته قيادة الجيش في الظروف
الراهنة يمهد الطريق لجيش جديد أشد ملاءمة للمعارك التي يحتاج إلى مواجهتها”.
·
المعلق العسكري لصحيفة “يديعوت”
أليكس فيشمان: “أن الجيش الذي يبنى الآن هو جيش الحرب المقبلة”، معتبرا
أن خطة غانتس في جوهرها أقرب إلى العقيدة، التي انتهجها الأميركيون في حرب الخليج
الثانية تحت عنوان “الصدمة والترويع”، التي تستند إلى فكرة الاستخدام
الأقصى للنيران من اللحظة الأولى بهدف سحق الأهداف براً وبحراً وجواً بأسلحة
دقيقة، ثم المناورة البرية السريعة وبقوة لتحقيق الحسم في أقصر فترة.
من جهة أخرى فقد كانت هناك تخوفات من
المخاطر التي قد تلحق بالأمن الصهيوني بموجب تنفيذ هذه الخطة، نتيجة التالي:
1. الفرضيات
التي اعتمد عليها غانتس في إعداد خطته:
يرى المعلق العسكري ليديعوت أليكس فيشمان
أن احتياجات الجيش الصهيوني لوسائل قتالية ومنظومات متطورة لتحقيق التفوق النوعي
للجيش الصهيوني يعني زيادة ما لا يقل عن 10 مليار شيقل على ميزانية الجيش في السنوات
الخمس القادمة، حيث أن غانتس قد بنى خطة تغيير بنية الجيش على أساسين:
أ.
أنه في عام 2015 ستنتهي أزمة الميزانية
وسيحصل الجيش في نهاية المطاف على علاوة معينة لميزانيته.
ب. أن حكومة
نتنياهو ستبقى أربع سنوات على الأقل، سواء استمر غانتس على رأس هيئة الأركان أو تم
تغييره.
وعليه يرى فيشمان أن الأمر الأسوأ الذي
يمكن أن يحصل للجهاز العسكري ولإسرائيل على حد سواء، هو عدم تحقق هذان الشرطان أو أحدهما،
وبالتالي سيبقى الجيش مع نصف إصلاح في يده.
2. تقليص
التدريبات:
فقد حذر العميد المتقاعد مايكل هيرتسوغ،
الرئيس السابق للتخطيط الاستراتيجي في الجيش الصهيوني، من أن “هناك مخاطر
خلال أي فترة انتقالية”، محذرا من تقليص تدريبات الجيش، مشيرا إلى المشاكل التي
واجهها الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان 2006 التي كانت نتاج جيش خضع لتدريب ضعيف”،
وقد أكد على هذا التحذير قائد سلاح الجو السابق عيدو نحوشتان الذي حذر من “المساس
بتدريبات الطيارين، مشيراً أيضا إلى أنه في حرب لبنان الثانية كان الفشل فيها بسبب
ضعف التدريبات.”.
ومن جهته اعترف وزير الحرب الصهيوني موشيه
يعالون بتلك المخاطر قائلاً: “هناك مخاطرة على المدى القصير، ولكن ذلك لا يمس
بتعزيز قوة الجيش على المدى البعيد”.