حرب الانفاق بين الامكانات المحدودة والنتائج المهولة
المجد – وكالات
عندما
أعلن جيش الاحتلال الصهيوني عن اكتشافه نفقًا يمتد من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة
إلى داخل حدود الأراضي المحتلة عام 1948م، سرعان ما تبادر إلى الأذهان العديد من
الأسئلة عمن المسئول عن حفر النفق ومدة الحفر؟ وما هي الإمكانيات والمواد التي
استخدمت فيه؟
وفي
اليوم الذي كشف فيه الاحتلال عن النفق نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرنوت
العبرية، تقريرًا مفصلًا حول النفق، مبدية انبهارها من الامكانيات التي استخدمت
لإنجازه.
وذكرت
الصحيفة تقارير لجيش الاحتلال تكشف أن عمق النفق ما بين 18 إلى 22 مترًا تحت سطح
الأرض، وطوله يصل إلى 2.5 كيلو متر، مقدرة مدة الحفر لأكثر من عامين، ولم يكتمل
حتى الآن. وفق زعمها.
وتحدث
التقرير عن بعض المواد والأدوات التي استخدمت في حفر النفق، ذاكرة أنه تم استخدام
(المطارق والمثاقب والأسمنت وكوابل الكهرباء والهاتف)، مبينة أنه تم وضع آلاف
الأقواس، واستخدمت العديد من الكتل الإسمنتية مقدرة وزنها بـ 500 طن.
نفق “أسطوري”
الدكتور
هشام المغاري أستاذ الدراسات الأمنية والاستراتيجية في أكاديمية فلسطين للعلوم
الأمنية بغزة، قدم إحصائيات وأرقام تتعلق بنفق كتائب القسام الذي اكتشفه جيش
الاحتلال.
ويؤكد
المغاري أن الاحصائيات والأرقام التي عرضها تعد نجاحا أمنيًا باهرا، وتدل على أن
المشترك بهذا العمل فريق من المقاومين على مدى شهور طويلة ربما سنة أو سنتين دون
أن يعلم أمرهم، “فهذا بحد ذاته نجاح بغض النظر عن اكتشافه لاحقًا”, وفق
قوله.
ويضيف:
“إنه استجمع خبراته، وبدأ يحسب بعض الأرقام التي تخص النفق”، موضحًا أن
طول النفق امتد نحو (2500) متر، ويقدّر عرضه بحسب الفيديو الذي ظهر في وسائل
الإعلام نحو (1.2) متر وارتفاعه نحو (2.2) متر, شاملاً سمك الجدران الخرسانية، أي
أن حجمه يبلغ نحو (6600)م3، بما يعني أن كمية الرمال التي تم إخراجها منه تعادل
نحو (365) شاحنة.
ويتابع
المغاري: “لك أن تتخيّل أن كمية الحفر تعادل نحو (660) ألف (دلو) من الرمال
(نحو ثلثي مليون دلو) وكل هذا تم حفره تحت الأرض ونقله يدويا أو بواسطة معدّات
ميكانيكية بسيطة. ولك أن تتخيل أن كل (دلو) منها تحرك تحت الأرض مسافة متوسطها
(1250 مترا)”.
ويذكر
أنه “فيما لو كان المقاوم يحمل في كل مرة (عشرة دلاء) بواسطة آلة ميكانيكية
بسيطة، يكون مجموع المسافات التي قُطعت لنقل كمية الرمال ذهابا وإيابا وإخراجها
إلى خارج النفق من جهة خانيونس نحو (165 مليون متر)، أو (165 ألف كيلو متر)، وهذا
يعادل طول البحر الأحمر نحو (80) مرة، أو طول المسافة بين رفح والقاهرة نحو (400)
مرة”.
ويتابع
المحلل الأمني: “كل هذا فضلا عن أن النفق تم كساؤه ببلاطات من الخرسانة
المسلحة، ولو افترضنا أن عرض البلاطة الواحدة يبلغ نحو (50) سم، فإن رجال المقاومة
يكونون قد استخدموا نحو (15) ألف بلاطة للجدران والسقف، كلها تم نقلها إلى داخل
النفق مسافة متوسطها (1250) متر.
ويشير
إلى أن المسافة التي تم قطعها لنقل البلاطات ذهابا وإيابا تبلغ نحو (18 ألف) كيلو
متر، وهي تعادل طول البحر الأحمر نحو (9) مرات، أو طول المسافة بين رفح والقاهرة
نحو (46) مرة، فضلاً عن أعمال الحفر والتركيب”.
وعقّب
المغاري على الاحصائيات التي ذكرها بالقول: “الجهد المبذول فيه لم يصادف مثله
من قبل في حفر نفق بهذا الحجم بعمل يدوي وآلات بسيطة، ويدل على الاصرار والقدرة
الأمنية الهائلة”.
وتوقع
المغاري أن يكون لدى المقاومة أنفاقًا أخرى على هذه الشاكلة، مشددًا في الوقت ذاته
على أن هذا الأمر يبقى في علم الغيب ولكنه غير مستبعد، حسب رأيه.
وخاطب
المغاري قادة الاحتلال بضرورة “أن يدركوا أنهم أمام أبطال لم يعرف التاريخ
مثلهم، وتعجز موسوعة غينس عن تسجيل أرقامهم وإنجازاتهم، وأنهم لن يكلّوا أو يملّوا
أو يستريحوا حتى يفرجوا عن جميع أسراهم”.
من
ناحيتها، أفادت مصادر عسكريّة فلسطينيّة أنه تطلّب بناء النفق 800 طن من الإسمنت
المسلّح، وبلغت كلفته التقديريّة عشرة ملايين دولار.
ووفق
المصادر، فإنه عمل في حفر النفق ما يزيد عن مائة عنصر على مدى أكثر من عامَين.
ويحوي النفق شبكة اتصالات وكهرباء، وقد عُثر فيه على بقايا زجاجات من اللبن والبسكويت
والمواد الغذائيّة تمّ تغليفها بطريقة تبقيها صالحة لأشهر عدّة.
وأوضح
أن “حفاري الأنفاق” في غزّة يعرفون أماكن وجود المجسّات على الجدار
الأمني ويتحايلون عليها، كذلك يستطيعون خداع الطائرات من دون طيار التي تحوم في
أجواء غزّة على مدار الساعة وتقوم بتصوير سطح الأرض بواسطة الأشعّة السينيّة.
وكانت
كتائب القسام, الجناح العسكري لحركة حماس, أعلنت الأحد الماضي، مسئوليتها عن النفق
الذي اكتشفه الاحتلال شرق قطاع غزة مؤخرا.
وأكد
أبو عبيدة, المتحدث باسم القسام, أن “كتائب القسام هي من حفرت النفق, وهي
صاحبة اليد في ذلك”.
وسخِر
أبو عبيدة من فرحة الاحتلال بكشفه النفق, مؤكداً أن قادة الاحتلال “يُخفون
مشاعر الخوف والدهشة مما شاهدوه”.
وكان
سفير الولايات المتحدة الاميركية لدى الكيان الصهيوني دان شابيرو، قد زار النفق
وقال عقب زيارته مبديًا تعجبه مما رأى “صدمت مما رأيت في النفق، من الواضح أن
هذا النفق له غرض واحد فقط: ألا وهو تنفيذ هجمات ضد مدنيين إسرائيليين وكذلك
جنود الجيش الإسرائيلي” على حد زعمه .
ووفق
مسئول في الجيش الصهيوني، فإن النفق يبدأ بالقرب من قرية بمنطقة عبسان شرق خانيونس
تحت حقل زراعي، ويمتد لـ 300 متر داخل حدود الأراضي المحتلة عام 1948، ويصل
مستوطنة (العين الثالثة).
وعدّ
الجنرال الصهيوني سامي ترجمان أن حفر هذا النفق وتخطيه الحدود خرق شديد للسيادة
“الإسرائيلية”، بدوره هدد الجنرال “يواف زيتن” جميع المشاركين
في البناء والتخطيط للنفق قائلًا: “الجميع سيدفع الثمن”.
وبهذه
الأرقام والإحصائيات التي ظهرت حتى اللحظة عن النفق، من تحليلات لبعض الخبراء
الأمنيين والعسكرين، بالإضافة إلى الجيش الصهيوني، تعبر عن إمكانيات وقدرات هائلة
لا يقوى عليها إلا أبطال لا يخافون الموت ولا يخشون إلا الله، تعجز الألسنة
والعقول عن وصفها أو تخيلها.