الأنفاق: رحلة البناء ووسائل الاستهداف
المجد – خاص
الأنفاق ذلك الإبداع الحصري لأهل غزة، والذي أربك الصهاينة وأصابهم بالتخبط، فمن جهة أصابتهم الأنفاق المحلية بالعمى الاستخباري فمكنت المقاومة من ممارسة مهامها باقتدار، ومن جهة أخرى فقد جعلت الأنفاق الحدودية الصهاينة يتخيلون أن جنود المقاومة سيخرجون لهم كالجان من أي مكان.
إن منظومة الأنفاق تم بناؤها بحرفية عالية وتتمتع بسرية عالية كذلك، حتى أن العاملين فيها يجهلون وجهتها وإمكاناتها الكاملة، فقد تم إعدادها بحيث يستطيع المقاتلون إطلاق الصواريخ من خلالها أو استخدامها في الهجوم من خلف صفوف العدو.
والأنفاق باتت سلاح المقاومة الاستراتيجي والذي استطاعت من خلاله كسر السيطرة الصهيونية على الأجواء والبحار والحدود، ولم تستطع الصناعات العسكرية الصهيونية أن تجد وسيلة ناجعة للكشف عنها، وباتت دولة الكيان تقف عاجزة في مواجهتها، واستنفرت كافة إمكاناتها وأدواتها على الأرض في محاولة للوصول إليها وجمع المعلومات عنها.
رغم المحاذير الأمنية التي تنتهجها المقاومة في تقنية بناء الأنفاق وإخفاءها عن المتربصين، إلا أن بعض الأنفاق تم استهدافها أثناء العدوان على قطاع غزة وكان الشكوك تدور حول مراقبة العملاء لأعمال الحفريات ومن يقوم بها.
ربما نكون قد لامسنا جزء من الحقيقة، لكن الحقيقة التي لم يدركها بعض عناصر المقاومة أن هناك أسباباً أخرى تؤدي إلى كشف مداخل الأنفاق بسهولة، أو تتبعها وجمع المعلومات عن العاملين فيها نذكر منها:
العميل الصغير بجيب المقاومين
رجل المقاومة الذي يخرج متخفياً مراعياً كل الاحتياطات الأمنية للعمل في الحفريات داخل الأنفاق يجهل أنه يحمل برفقته عميل صغير لا يتجاوز كف اليد يراقبه أينما ذهب، والكثير ممن يعملون في الأنفاق يصطحبون هواتفهم معهم دون علم منهم أن هذا الجوال يمكن للاحتلال وأذرعه الأمنية أن تحدد من خلاله مكان بداية النفق.
يكفي أن تحدد شخص ما يعمل في الحفريات، عندها يتم تتبعه من خلال جواله في كل يوم وتحديد مكان عمله بدقة، في الغالب عناصر المقاومة العاملة بالأنفاق تقوم بإغلاق الجوال عند بداية دخولها للنفق وهذا كافي للمخابرات لتحدد مكان العين للنفق، فنقطة قطع الاتصال مع محطة الاتصالات تمثل نقطة بداية عين النفق.
وقد أثبتت كل الأحداث التي تم فيها استهداف عيون الأنفاق، كانت ناتجة عن اصطحاب عناصر المقاومة لجوالاتهم وإغلاقها عند باب النفق، ومحطة الاتصال قادرة على تحديد آخر إشارة للهاتف المحمول قبل إغلاقه أو فقد الاتصال معه، هذه النقطة تمثل دائرة الاستهداف للمخابرات الصهيونية وطائرات العدو.
يتوجب على المقاومين العاملين بالأنفاق سواء بالحفريات أو المستخدمين لها لأغراض أخرى عدم اصطحاب الجوالات بأي شكل من الأشكال حتى لو تم إغلاقها، وإبقاء الجوالات في مناطق بعيدة عن مداخل الأنفاق ومناطق العمل الجهادي، وهذا المحذور الهام يتوجب أخذه بعين الاعتبار في زمن التهدئة والإعداد بدرجة لا تقل عنها في زمن الحرب والمواجهة.
ضعف الحس الأمني
يتعرض بعض العاملين في الأنفاق وبنائها إلى حوادث عرضية أو أمراض جسدية ناتجة عن عملية الحفر، ولا يجد البعض منهم غضاضة في الإفصاح عن سبب آلامه تصريحاً أو تلميحاً، كما توجد بعض الحالات التي يغيب فيها الحس الأمني فيقوم المجاهد بالكشف عن أسباب انشغاله والإرهاق الذي يمر به.
مع العلم أنه لا يجوز بحال من الأحوال للمجاهدين أن يكشفوا عن مهامهم وطبيعة أدوارهم لأي كان، والعمل يجب أن يكون طي الكتمان وبمعزل عن معرفة الدوائر الشخصية والتنظيمية، فالمعلومة على قدر الحاجة وليس على قدر الثقة.
يكفي للعميل أن يرسل للمخابرات الصهيونية معلومة مفادها أن فلاناً يعمل في حفر الأنفاق لتستخرج المخابرات سجله الإلكتروني بالكامل وتحلل معارفه واتصالاته وإحداثيات الأماكن التي توقف فيها جواله عن العمل، وتضع هذه الأماكن تحت رقابة إلكترونية (طائرات بدون طيار) وأرضية (عملاء)، وتربط المعلومات بعضها ببعض في محاولة للوصول إلى المجموعة العاملة بالنفق وإلى مكانه وعيونه المتعددة.
إن جهوداً هائلة (مادية وبشرية وزمنية) يتم بذلها في بناء الأنفاق، وإن المحافظة عليها فرض عين لا يجوز بحال من الأحوال التقصير فيه.