لعبة “إسرائيلية” كبرى وحاذقة
ثمة نجم ساطع هذه الأيام في الشرق الأوسط: الدبلوماسية. وثمة اسم محدد لهذا النجم: “إسرائيل”.
فلننظر حولنا قليلاً. ماذا سنرى؟
شيء واحد: حيوية دبلوماسية “إسرائيلية”، أساساً، في كل مكان. ففي سوريا، انتقلت الأوضاع فجأة من شفير الحرب، بعد القصف الجوي “الإسرائيلي” لموقع في دير الزور، إلى شفير السلام، بعد أن أعطت “إسرائيل” الضوء الأخضر لتركيا لتمضي قدماً في مبادرتها السلمية.
وفي لبنان، كان صدفة لافتة أن يولد اتفاق الدوحة في ساعة واحدة مع الجنين التفاوضي الجديد في اسطنبول، وأن تنطلق بزخم مفاوضات الأسرى بين تل أبيب وحزب الله.
وفي غزة، لم يكن المصريون ليكثّفوا جهود التهدئة التي يقومون بها، لولا أنهم تلقوا إشارات ضوئية خضراء قوية من “إسرائيل”.
وفي مصر ذاتها، وللمرة الأولى منذ اتفاقات “كامب ديفيد” 1979، انطلقت أصوات “إسرائيلية” تدعو إلى تحويل “السلام البارد” معها إلى “سلام حار”، عبر إجراء حوار استراتيجي جديد بين الطرفين بإشراف واشنطن.
ما أهداف هذه الإغارات الدبلوماسية “الإسرائيلية”؟
المسألة تبدو واضحة مع سوريا وتركيا: تعميق ما تدّعي “إسرائيل” أنه بدايات توتر بين دمشق و”حزب الله” وتباعد بين دمشق وطهران، وتشجيع تركيا على الدخول إلى قلب سياسات الشرق الأوسط لموازنة النفوذ الإيراني.
وهكذا الأمر مع اقتراح الحوار الاستراتيجي مع مصر، الذي يخدم أيضاً، وإلى حد كبير، لعبة التوازن مع إيران، ومع جهود التهدئة في لبنان وغزة التي يمكن أن تفرمل مشروع المقاومة الذي تطرحه طهران على الشعوب العربية.
لكن مهلاً. ليس كل ما يلمع في سماء المنطقة الآن هو ذهب دبلوماسي “إسرائيلي” صاف، هدفه في النهاية الوصول إلى حلول سلمية صافية. فالسلام مع سوريا ممكن، لكنه ليس قريباً لاعتبارات داخلية “إسرائيلية”، وأيضاً لحسابات سورية تتعلق بانتظار طبيعة وتوجهات السكان الجدد في البيت الأبيض. والحوار الاستراتيجي مع مصر هدفه التحضير لمجابهات إقليمية ساخنة وليس لنظام إقليمي جديد معتدل ومتوازن. والهدنة في غزة ولبنان ليست أكثر من ذلك: أي مجرد هدنة.
والحصيلة؟ يفترض أن تكون واضحة: الدولة العبرية تستخدم الدبلوماسية كأداة للحرب، تمهيداً ربما لاستخدام الحرب كامتداد للدبلوماسية.
في الحد الأدنى، يمكن أن تساعد هذه الحملة الدبلوماسية على بلورة “الاصطفاف الاستراتيجي الجديد” الذي تنبأت به كوندوليزا رايس بين “المعتدلين والمتطرفين” في الشرق الأوسط. وفي حدّها الأقصى، قد تمهّد الأجواء أمام حرب فاصلة مع إيران، سواء قبل نهاية عهد الرئيس بوش (وهذا ما تفضّله “إسرائيل”) أو بعد نهايته (كما يفضّل بوش). وفي كلتا الحالين، قد تخرج “إسرائيل” بمكاسب محددة.
لعبة حاذقة حقاً.