الخيار الوحيد
لم يكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليدعو إلى حوار وطني شامل بين حركة فتح، التي يتزعمها، وحركة حماس، لولا أن أموره الأخرى، وخاصة مفاوضاته مع إيهود أولمرت قد وصلت إلى طريق مسدود.
وكل ما حصل عليه أبومازن في لقاءاته المنتظمة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية منذ مؤتمر أنابوليس في نوفمبر الماضي، هو العناق والتربيت على الكتف، والمصافحة الحارة، والابتسامات والمجاملات. أما المفاوضات فلم تحقق ولا حتى سنتيمتراً واحداً من التقدم.
ولعله لم يكن صعباً على عباس أن يكتشف بعد انقضاء سبعة شهور من الاجتماعات العبثية مع الإسرائيليين، وبعد أن كشرت “إسرائيل” عن أنيابها الاستيطانية دون أن يسائلها أو يعاقبها أحد، أن المخرج الوحيد الممكن، هو وضع يده في يد حماس بحثاً عن قاسم مشترك، يعيد اللحمة إلى شطري الوطن الفلسطيني الممزق.
كانت دعوة عباس إلى محاورة حماس مهمة ومفاجئة، وخطيرة في الوقت ذاته. وفيما كان موقفه السابق يتلخص في رفضه الدخول في حوار مع حركة المقاومة الإسلامية إلا بعد أن تتراجع عن انقلاب «13» يونيو الماضي، وتعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل ذلك التاريخ، فها هو ينقلب على موقفه ويعرض حواراً غير مشروط في إطار مبادرة السلام اليمنية، ليلتقي بذلك مع مطالب حركة حماس التي سارعت إلى الترحيب بدعوته.
لقد سلك أبومازن الطريق الصعب، لكنه الخيار المنطقي والوحيد أمامه، سلك ذلك الطريق رغم علمه بأن “إسرائيل” تعتبر تفاوضه مع حماس خطا أحمر، وسلكه رغم علمه بأن هناك فيتو أميركياً على مثل هذه المفاوضات، ورغم علمه بأنه سيخسر الدعم الدولي العريض الذي يحظى به ليس في الولايات المتحدة ولكن في أوروبا والأمم المتحدة أيضاً.
لكن الرئيس الفلسطيني اكتشف أيضاً أن هذا الدعم العريض يقتصر على إطعام الضفة خبزاً، لكنه لا يطعم الشعب الفلسطيني حلولاً أو تسويات عادلة، وأدرك ولو متأخراً أن خنق قطاع غزة وفصله عن الضفة الغربية أصبح استراتيجية إسرائيلية هدفها تكريس الانقسام بين الفلسطينيين وإضعافهم لتسهيل سرقة المزيد من أراضي الضفة.
نظن أن محمود عباس قد أرضى ضميره بدعوته إلى الحوار مع حماس، خاصة بعد أن استخدمت حكومة أولمرت اجتماعاته مع رئيسها كغطاء لبناء آلاف الوحدات الإسكانية في المستوطنات. ويعلم عباس كأي فلسطيني آخر أن الاستيطان والسلام لا يلتقيان، لذلك آثر الاحتكام إلى الشعب من خلال انتخابات رئاسية وتشريعية تعقب نجاح الحوار الوطني.
تستطيع “إسرائيل” أن ترد على عباس بإغلاق نقاط العبور مع الضفة، وتستطيع واشنطن استخدام نفوذها لقطع الرواتب عن موظفي السلطة الفلسطينية، لكن محاصرة الضفة الغربية ومساواتها بغزة أفضل من ذل الاستسلام لتقطيع أوصال الوطن، آملين أن يكون محمود عباس ورفاقه في السلطة الفلسطينية قد استوعبوا الدرس: المفاوضات بين طرفين غير متكافئين تأتي دائماً لمصلحة القوي مما لا يترك لدى الضعيف من سلاح سوى المقاومة.