قراءة سريعة في دعوة عبّاس للحوار
رغم استغراب البعض لما طرحه محمود عبّاس في كلمته المقتضبة مساء اليوم، ودعوته للم الشمل، إلا أن النتيجة الحتمية لعام من المكابرة هو الحوار ولا شيء غير الحوار، وهذا ما كررته شخصياً مرات ومرات وعلى الهواء، قلت إن عبّاس عندما يصل لقناعة بفشل طريق ونهج التفاوض، وبأنه لن يحصل على شيء لا في عام 2008 ولا حتى 2080، فإنه حينها سيعود لطاولة الحوار، لكنه وللأسف احتاج لعام كامل من رفض الحوار، ووضع الشروط والعراقيل، بل والمساهمة الفعلية في الحصار، حتى يصل للنتيجة الحتمية آنفة الذكر.
المثل يقول: أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، وعليه ومن حيث المبدأ فإن أية دعوة للحوار غير المشروط هي موضع ترحيب، لكن يبقى تحويل الكلمات والأماني لأفعال حقيقية على الأرض، لا أن تكون مناورات سياسية تكتيكية لأهداف خفية، ولأن ما لنا هو ظاهر الأمور نسجل الملاحظات التالية:
الكلمة:
· جاءت مفاجئة ودون تمهيد أو إعلان مسبق وبشكل قصير ومقتضب
· الجزء الأول كان بمثابة اعلان فشل للمفاوضات وتشدد مع جانب الاحتلال
· كانت ايجابية وبشكل ملحوظ حيث خلت من الكلمات التوتيرية واستبدلت كلمة انقلاب التي أصر عليها فريق رام الله بحالة “الانقسام”
· الدعوة للحوار جاءت هي الأخرى بدون شروط مسبقة
· لم تحمل الكلمة أي طرف المسؤولية عما آلت إليه الأمور
· تطبيق المبادرة اليمنية بكل عناصرها
· لم يذكر كلمة مبكرة عند الحديث عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية بل استخدم كلمة جديدة
· التركيز على البعد العربي في رعاية الحوار
التوقيت
توقيت الدعوة وان تم ربطه بذكرى هزيمة عام 1967 وضياع ما تبقى من فلسطين، إلا أنه أيضاً ارتبط بعدة أمور أخرى، منها:
· فشل جولات المفاوضات مع الاحتلال وهو ما عبر عنه أحمد قريع اليوم عندما قال إن المفاوضات تحتاج ل”معجزة” لتحقيق أي تقدم هذا العام
· تخلي الادارة الأمريكية تماماً عن فريق رام الله وانحيازها المطلق لطرح الاحتلال
· اصدار قانون جديد اليوم باعتبار القدس عاصمة أبدية ل”اسرائيل” وللشعب اليهودي
· الاصرار على سياسة الاستيطان وبناء وحدات جديدة في القدس
· فشل سياسة انهاء ادارة حماس على قطاع غزة وتوسيع تشكيلتها الحكومية
· اقتراب الذكرى السنوية الأولى لفرض القانون في قطاع غزة
· الإقرار الأمريكي بفشل سياسة الحصار وأنها أتت بنتائج عكسية
· الاصطفاف السياسي الأمريكي بشقي المعادلة من ديمقراطيين وجمهوريين مع الاحتلال خاصة بعد تصريحات أوباما الأخيرة
· معاقبة سلام فياض بسبب تصريحاته الأخيرة بوقف تحويل أموال السلطة المحتجزة لدى الاحتلال
ردود الفعل
· ترحيب سريع وشبه مباشر من قبل حركة حماس على لسان رجلها القوي د.محمود الزهار
· ضجة رسمية وشعبية بسبب التغيير المفاجئ في موقف محمود عبّاس بعد تعنت دام قرابة العام
· تشكيك ونظرة سلبية من قبل البعض لأسباب منها:
– محاولة أخيرة من عبّاس بعد أن باتت أيام فترته الرئاسية معدودة
– خطوة استباقية لتحسين الصورة وتبييض الصفحة تمهيداً لاجتياح قادم قد يعيد عبّاس لقطاع غزة، يخرج بعدها ليقول أنه مد يده، وأنه ليس بعائد على ظهر دبابة إسرائيلية
– تطور الأداء العسكري للمقاومة في قطاع غزة، وفشل الاحتلال في إخضاع القطاع
– محاولة جديدة لتطويع حركة حماس، الراغبة وبقوة في رفع الحصار وفتح قنوات الاتصال خاصة مع الغرب
– اقرار بالأمر الواقع وعدم القدرة على تغييره، وبالتالي يأتي الوفاق على قاعدة: بيدي لا بيد عمرو
– تصدع الحصار المفروض على قطاع غزة من خلال زيارات الوفود والدعوات الرسمية لرئيس الحكومة لزيارة بعض الدول
– أن هناك اتفاقا جديدا قد تم التوصل إليه مع الاحتلال ومن تحت الطاولة، وأن إعلانه يحتاج لتوافق داخلي، يليه إعلان مفاجئ يربك الجميع
– تخفيف للضغوط الهائلة التي يتعرض لها فريق عبّاس بسبب اللقاءات العبثية المتكررة، والانتقادات الموجهة له، ليتحول النقد إلى مدح بسبب تلك المبادرة.
بغض النظر عما سبق فإن الدعوة غير المشروطة هي موقف جديد، فيه تراجع واضح لصالح رأب الصدع، وبلغة جديدة أيضاً كتبت فيها الكلمات بعناية ودقة فائقة، وبتشاور مسبق تجلى في سرعة الرد، وبرعاية عربية ستظهر تفاصيلها قريباً.
كل ما نتمناه أن تصدق الأفعال الأقوال، وأن يوفق الله شعبنا، وأن تحمل لنا الأيام القادمة السداد والخير.