التفكير اللاهوتي اليهودي في خدمة الحرب
المجد –
سخر التفكير اللاهوتي اليهودي مفاعيله لتبرير الحماسة لشن الحروب، حيث حرص الحاخامات على تصوير الحروب على أنها "تضر بالشيطان وتضعفه" . ووصف الحاخام شمارياهو أرئيلي، أحد منظري الصهيونية الدينية، حرب عام 1967 بأنها: "تحولاً ميتافيزيقياً، وأن الغزوات الإسرائيلية بشكل عام حولت الأرض من قوة الشيطان إلى المجال الإلهي" ؛ في حين يقول الحاخام يهودا ميديا، الذي أدار عدداً من المدارس الدينية العسكرية: "الغزوات حررت الأرض من الطرف الآخر، من القوة الغامضة التي تجسد الشر والتلوث والفساد الأخلاقي، وبهذا فنحن (اليهود) ندخل عهداً تسيطر فيه السيادة المطلقة على المادية" .
وحسب أدبيات حركة "غوش ايمونيم" المتدينة، فإن شن الحروب يشكل ضمانة للإبقاء على وحدة اليهود، عبر تحقيق مبدأ العزلة القومية، لذلك ترفض الحركة عقد أية تحالفات أو معاهدات مع الأغيار "حتى لا يؤدي ذلك إلى بناء روابط بين اليهود وغيرهم . وترى "غوش إيمونيم" أن حل الصراع مع العرب بشكل سياسي يمثل خطراً داهماً على اليهود؛على اعتبار إن هذا الواقع قد يكون مرتبطاً بتوفير الظروف التي تعمل على اختلاط اليهود بالعرب .
وقد ربطت المرجعيات الدينية بين نتائج الحروب التي تخوضها إسرائيل وبين مدى ولاء اليهودي للشرائع اليهودية والإيمان بها؛ حيث اعتبرت هذه المرجعيات إن قدرة اليهود على تحقيق انتصار في الحروب ضد العرب يتسنى عندما تزداد قوة الإيمان بالمصادر الدينية . وقد اعتبر الحاخام دوف ليئور أن التخلي عن خيار شن الحروب والتوقيع على معاهدات السلام مع العرب، هو من مؤشرات ضعف الإيمان، كما اعتبر أن نجاح الجيش السوري بأسر دبلوماسيين إسرائيلين كانوا يتواجدون عام 1984 في ميناء "جينوة" اللبناني يرجع إلى قيام المخابرات الإسرائيلية باعتقال بعض نشطاء التنظيم الإرهابي اليهودي المسؤولين عن تنفيذ عدد كبير من عمليات التفجير التي استهدفت قيادات فلسطينية .
وإلى جانب المسوغات الدينية التي تدفع التيار الديني للتحمس لشن الحروب ضد العرب، فإن بعض المرجعيات الدينية ترى أن شن الحروب كفيل بتحقيق مكاسب سياسية. ويرى الكثير من الحاخامات أن شن الحروب يتيح لإسرائيل تهجير العرب عن أراضيهم والسيطرة عليها. وقد أعلن الحاخامات: كوك وأرئيل وأفنير أن نشوب الحرب ستكون نعمة لليهود لأنها ستسمح بإبادة الفلسطينيين، مما يسمح بـ "تطهير" الأرض منهم، حيث أن العرب في نظرهم "مجرد لصوص نهبوا جميع الممتلكات التي تعود لليهود وحدهم" . ويرفض الحاخامات الدعوات التي تبعث الخوف في أوساط اليهود من نشوب الحروب، على اعتبار أن الرب سيقف دوماً مع اليهود، من هنا لم تتردد بعض مرجعيات الصهيونية الدينية في الدعوة لتوفير الظروف التي تسمح بنشوب الحروب حتى لو كانت إسرائيل ترتبط بمعاهدات سلام مع الدول العربية. ويقول الحاخام شلومو أفنير: "يجب علينا أن نعيش في هذه الأرض حتى وإن كان الثمن نشوب حرب، حتى وأن قام سلام هنا، يتعين علينا أن نحرص على اندلاع الحرب" . ونظراً لأن المرجعيات الدينية تؤمن أن أرض إسرائيل تمتد من نهر الفرات شرقاً وحتى نهر النيل غربا، فإنها ترى أن شن الحروب سيسمح لإسرائيل بـ "تحرير الأرض اليهودية السليبة هذه". فقد قال الحاخام أفنير في موضع آخر: "يجب علينا أن نحرص على اندلاع الحروب لتحرير أرضنا" .
وأقدمت المرجعيات الدينية على بعث الحماس في نفوس الجنود الإسرائيليين عند اندلاع الحروب مع العرب بتذكيرهم أنهم سيعملون على استعادة البلدان التي كانت في حوزتهم. ومن الأمثلة على ذلك قيام الحاخامية العسكرية خلال حرب لبنان الأولى بتوزيع خارطة للبنان على الجنود، وقد تم فيها تغيير أسماء المدن اللبنانية إلى أسماء وردت في التلمود. وعلى سبيل المثال تم تغيير اسم مدينة "بيروت" إلى "مئيروت"، وتم تعريف لبنان في هذه الخريطة بأنه كان يتبع قبائل بني إسرائيل الشمالية القديمة وتحديداً قبائل آشر ونفتالي . وحثت الحاخامية العسكرية الجنود عشية الحرب على الاستبسال في القتال من أجل تحقيق "الوعد التوراتي" المتمثل في إقامة مملكة إسرائيل من نهر الفرات وحتى حوض البحر الأبيض المتوسط.
واقتبس الحاخامات ما ورد في التوارة: "كل أرض يمسها نعل قدمك تكون لك، وحدودنا تكون من البرية، من نهر الفرات إلى البحر الغربي" . ونشر الحاخام إسرائيل أرئيل أطلساً يوضح الأرض التي يتوجب على اليهود أن يستولوا عليها في الحروب القادمة، وتشمل جميع الأراضي الواقعة غرب وجنوب نهر الفرات، وتتضمن سوريا والكويت .
ونظراً لأن الصهيونية الدينية ترفض الوقائع التي تبلورها معاهدات التسوية مع الدول العربية، إذا تضمنت انسحاباً من أراضٍ احتلتها إسرائيل في حروبها؛ فإنها ترى في شن الحروب وسيلة لتصحيح "الأخطاء" التي ارتكبتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. من هنا لم تتردد المرجعيات الدينية في الدعوة لشن حروب من أجل "تحرير" أراضي عربية احتلتها إسرائيل وانسحبت منها كنتاج تسويات سياسية، أو لاحتلال أراضي عربية اعتبرتها المصادر الدينية اليهودية أنها تخص اليهود. وقد دعت حركة "غوش إيمونيم" إلى "تحرير" سيناء التي انسحبت منها إسرائيل تطبيقاً لما جاء في اتفاقية "كامب ديفيد"، واحتلال لبنان، على اعتبار أن هاتين المنطقتين "أراضٍ يهودية".
نقلا عن موقع د. صالح النعامي