سعد الدين الشاذلي.. الجنرال الثائر بطل نصر أكتوبر
المجد
الجنرال الثائر شُهد له بشجاعته وحنكته العسكرية، فهو مثال للقائد الفذ والعقلية المتفتحة
الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر 1973، وواحد ممن تعرض أسمهم للتغييب طوال الـ 39 عاماً الماضية.. لا يعرفه الكثيرون من الجيل الحالي، ولكن الجيل القديم حينما تسأله عنه فسيجيب بكل وضوح " آه ده بتاع الثغرة"، والعقل المدبر للهجوم المصري على خط الدفاع الصهيوني المنيع "بارليف".
ولد الفريق سعد الدين الشاذلي في قرية شبرتنا مركز بسيون في محافظة الغربية في أبريل عام 1922، والتحق بالكلية الحربية وهو في السابعة عشر من عمره. ثم انتدب للخدمة في الحرس الملكي عام 1943، وكانت الخدمة فيه قمة أحلام ضابط الجيش في ذلك الوقت.
وللشاذلي تاريخ عسكري مشرف فبعد ثورة 1952 قام بتأسيس وقيادة أول كتيبة لقوات المظلات عام 1954، ثم تولى قيادة أول قوات عربية موحدة في الكونغو كجزء من قوات الأمم المتحدة هناك عام 1960.
بعد ذلك عمل ملحقا عسكرياً في لندن (1961- 1963). وأدت تلك الفترة التي قضاها في لندن الى زيادة خبراته العسكرية ،وإضافة الأساليب العسكرية للمعسكر الغربي إلى الأساليب العسكرية للمعسكر الشرقي الذي تعتمده مصر في تشكيلاتها وأساليبها القتالية في ذلك الوقت.
أثبت الشاذلي نفسه مرة أخرى في نكسة 1967 عندما كان برتبة لواء ويقود وحدة من القوات المصرية الخاصة مجموع أفرادها حوالي ١٥٠٠ فرد والمعروفة بمجموعة الشاذلي في مهمة لحراسة وسط سيناء ووسط أسوأ هزيمة شهدها الجيش المصري في العصر الحديث وانقطاع الاتصالات مع القيادة المصرية وكنتيجة لفقدان الاتصال بين الشاذلي وبين قيادة الجيش في سيناء، فقد اتخذ الشاذلي قرارا جريئا فعبر بقواته الحدود الدولية قبل غروب يوم 5 يونيو وتمركز بقواته داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بحوالي خمسة كيلومترات وبقي هناك يومين إلى أن تم الاتصال بالقيادة ألعامه المصرية التي أصدرت إليه الأوامر بالانسحاب فورا.
فاستجاب لتلك الأوامر وبدأ انسحابه ليلا وقبل غروب يوم 8 يونيو في ظروف غاية في الصعوبة، باعتباره كان يسير في أرض يسيطر العدو تمامًا عليها، ومن دون أي دعم جوي، وبالحدود الدنيا من المؤن، واستطاع بحرفية نادرة أن يقطع أراضي سيناء كاملة من الشرق إلى الشط الغربي لقناة السويس (حوالي 200 كم). وقد نجح في العوده بقواته ومعداته إلى الجيش المصري سالما، وتفادى النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر بنسبة 10% إلى 20%، فكان آخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء.
بعدها تم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات، وقد كانت أول وآخر مرة في التاريخ المصري يتم فيها ضم قوات المظلات وقوات الصاعقة إلى قوة موحدة هي القوات الخاصة.
المآذن العالية
فى 16 مايو 1971، وبعد يوم واحد من إطاحة الرئيس السادات بأقطاب النظام الناصري، فيما سماه بـثورة التصحيح عين الشاذلي رئيسًا للأركان بالقوات المسلحة المصرية، باعتبار أنه لم يكن يدين بالولاء إلا لشرف الجندية، فلم يكن محسوبًا على أى من المتصارعين على الساحة السياسية المصرية آنذاك.
وفي مذكراته عن حرب أكتوبر يتحدث الفريق سعد الدين الشاذلي عن خطة (المآذن العالية) قائلا "أن ضعف دفاعنا الجوي يمنعنا من أن نقوم بعملية هجومية كبيرة، ولكن في استطاعتنا ان نقوم بعملية محدودة بحيث نعبر القناة وندمر خط بارليف، ونحتل من 10 لـ 12 كم شرق القناة."
وتغير اسم الخطة بعد ذلك إلى (بدر) وأدخلت عليها تعديلات وإضافات إلا أن جوهرها ظل ثابتا، وهو القيام بعملية ضد الكيان في حدود إمكانات القوات المسلحة.
خروجه من الجيش
في 13 ديسمبر 1973م وفى قمة عمله العسكري بعد حرب أكتوبر تم تسريح الفريق الشاذلي من الجيش بواسطة الرئيس أنور السادات وتعيينه سفيراً لمصر في إنجلترا ثم البرتغال.
في عام 1978 انتقد الشاذلي بشدة معاهدة كامب ديفيد وعارضها علانية مما جعله يتخذ القرار بترك منصبه ويذهب إلى الجزائر كلاجئ سياسي.
في المنفى كتب الفريق الشاذلي مذكراته عن الحرب والتي اتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغماً عن جميع النصائح من المحيطين أثناء سير العمليات على الجبهة أدت إلى التسبب في الثغرة وتضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة وتدمير حائط الصواريخ وحصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الصهيوني.
كما اتهم فى تلك المذكرات الرئيس السادات بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة فى مفاوضات فض الاشتباك الأولى وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس السادات بإساءة استعمال سلطاته وهو الكتاب الذي أدى إلى محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانوني وتجريده من حقوقه السياسية.
عاد عام 1992م إلى مصر بعد 14 عاماً قضاها في المنفى بالجزائر وقبض عليه فور وصوله مطار القاهرة وصودرت منه جميع الأوسمة والنياشين وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن دون محاكمة، ثم نجح محامية بانتزاع حكم البراءة ولم ينفذ هذا الحكم وقضى سنة ونصف السنة في السجن، وخرج بعدها ليعيش بعيدًا عن أي ظهور رسمي.
وفاته
تُوفي الفريق سعد الدين الشاذلي يوم الخميس 7 ربيع الأول 1432 هـ الموافق في 10 فبراير / شباط 2011 م، بالمركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة، عن عمر بلغ 88 عامًا قضاها في خدمة وطنه بكل كفاءة وأمانة وإخلاص، وقد جاءت وفاته في خضم ثورة 2011 في مصر، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض، وقد شيّع في جنازة عسكرية وشعبية مهيبة بعد صلاة الجمعة، وكانت جنازته في نفس اليوم الذي أعلن فيه عمر سليمان تنحي الرئيس حسني مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية.