سياسة «روسيا» ودورها المتنامي في الشرق الأوسط
المجد
في سبيل استعادة دورها وتعزيزه دوليًا وإقليميًا، اتجهت روسيا نحو الشرق الأوسط تزامنًا مع تراجع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية فيه؛ بسبب سياستها المترددة والمتخاذلة في التعامل مع بعض القضايا المصيرية لدول المنطقة. وهذا لا يعني هيمنة موسكو على المنطقة، وإنما تنامي دورها فقط.
ويمكن القول إن دور روسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تزايد مع بدء «الربيع العربي»، الذي فتح آفاقًا جديدة لتعزيز وتنمية نفوذها. ويتجلى ذلك في جهودها إزاء الأزمة السورية. فروسيا تقف منذ بداية الأزمة في جانب النظام السوري الذي يمثل حليفًا استراتيجيًّا لها في المنطقة، في مواجهة المعارضة المسلحة المتمثلة في «الجيش السوري الحر»، الذي قدمت له الولايات المتحدة وحلفاؤها دعمًا عسكريًّا، ودعمًا سياسيًّا تمثل في إدانة أفعال النظام السوري والمطالبة على مختلف المنابر الدولية والعالمية باتخاذ خطوات رادعة ضده. إلا أن روسيا نجحت في تجنيب سوريا ضربة عسكرية أمريكية، وهو ما يعد نجاحًا كبيرًا لدبلوماسيتها في الأزمة السورية.
ومع تنامي الدور الروسي في الشرق الأوسط، والذي ظهر جليًا في قيام روسيا ببيع نظام الدفاع الصاروخي (S-300) إلى إيران ووجود دبلوماسييها المتنامي. اعتبر البعض أن ذلك يشكل خطورة على استقرار التوازن العسكري في المنطقة. كما يعني فشل الولايات المتحدة وحلفائها في دفع عجلة التغيير بها. وقد أدت مخاوف تملص الولايات المتحدة من التزاماتها تجاه المنطقة وانخراطها مع إيران في مفاوضات بشأن برنامجها النووي، وفشلها في التعامل مع نظام «الأسد» وتنظيم «داعش» – بالعديد من حلفائها إلى التطلع لتنويع اتفاقاتهم الأمنية، ومنها التوجه نحو روسيا.
أولاً: مفهوم السياسة الخارجية الروسية:
إن موقع روسيا الذي احتلته على الساحة الدولية، وقراءتها للتغيرات الحادثة في المشهد السياسي العالمي، بدءًا من الأزمة المالية العالمية، مرورًا بتراجع دور الأمم المتحدة واحتكار أجهزتها وبخاصة مجلس الأمن، وصولاً إلى الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط- جميعها دفعت روسيا نحو إعادة صياغة محددات وأولويات سياستها الخارجية فيما يعرف بـ«مبادئ السياسة الخارجية الروسية للفترة من 2013 حتى 2020». تلك المبادئ التي حافظت على مجموعة من الثوابت وغيرت مجموعة من التوجهات، مقارنة بما كانت عليه منذ مطلع الألفية.
وعن أولويات السياسة الخارجية الروسية فيما يتعلق بالشرق الأوسط، تقول روسيا إنها تسعى للمساهمة بشكل فعال في استقرار الوضع به، والعمل على تعزيز السلام والوئام بين شعوب كل دوله وكذلك دول شمال أفريقيا، على أساس احترام السيادة والسلامة الإقليمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهو ما يتناقض مع السياسة الأمريكية في المنطقة التي تقوم على التدخل في شؤون الدول الداخلية.
وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة وضع احتمالية ظهور مشكلات، مع محاولة تحليل وفهم أهداف السياسة الخارجية لأي دولة من خلال الوثائق الرسمية وحدها. حيث إن هذه الوثائق عادة ما يتم صياغتها مع التطلع لأسمى المبادئ، وتكون أكثر مثالية من التصرفات الفعلية على أرض الواقع.
ثانيًا: سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط مقارنة بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية:
تسعى روسيا من خلال سياساتها في الشرق الأوسط إلى محاولة تحقيق توازن القوى، وتكوين علاقات وتحالفات مع أنظمة الحكم المعزولة عن النظام السياسي والاقتصادي الدولي الذي تدعمه الولايات المتحدة. واتضح ذلك في دعمها المستمر لما يسمى بـ«المعسكر الثوري» الذي يتضمن إيران وسوريا، واعتمدت في ذلك على استخدام مجلس الأمن لتفعيل سياساتها، وهو ما حدث حين منعت التدخل العسكري في سوريا الذي كان من شأنه تهديد بقاء «الأسد» في السلطة.
كما يمكن القول إن المنطقة تعد إحدى ساحات التنافس الرئيسية على النفوذ بين القوتين الأمريكية والروسية. فسوريا ساحة صراع واشتباك سياسي وعسكري، وكذلك العراق. أما مصر فهي ساحة تنافس سياسي ودبلوماسي، وكذلك اليمن. إضافة إلى إيران التي يسعى الطرفان للحصول على مكاسب بالتقرب إليها؛ فأمريكا تسعى للتوقيع على اتفاق نووي معها يُمَكِّنها من الانفتاح عليها، وروسيا تحاول تعزيز علاقاتها معها من خلال تصدير الأسلحة وتأييدها في العديد من القضايا المهمة.
ثالثا: دور مبيعات الأسلحة للشرق الأوسط في سياسات روسيا الخارجية:
تشكل صادرات الأسلحة محورًا مهمًا فيما يتعلق بسياسة الاقتصاد الروسي، وقد أعلن الرئيس «فلاديمير بوتين» منذ بداية ولايته الأولى عام 2000 أن صادرات الأسلحة هي مصدر الدخل الرئيسي لصناعة السلاح الروسية. وفي هذا الإطار عملت روسيا بشكل مستمر على أن تكون جزءًا من معادلة التسليح في الشرق الأوسط، حتى أصبحت هي المنطقة الأهم بالنسبة لروسيا فيما يتعلق بذلك.
ويمكن القول إن ذلك المجال شهد تطورًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، حيث اتجهت عدة دول عربية إلى توقيع اتفاقيات عسكرية لشراء أسلحة روسية وإنشاء مفاعلات نووية للأغراض السلمية. وليس ذلك فحسب، بل اتجهت روسيا إلى بيع السلاح لدول في الخليج العربي، مثل المملكة العربية السعودية، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة.
ويمكن القول إن مبيعات الأسلحة تؤدي دورين أساسيين في التفكير الروسي: الأول والأكثر وضوحًا هو أنها مصدر رئيسي للدخل الحكومي، وبهذا تظل روسيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم. والثاني هو السعي لمواجهة سلطة الولايات المتحدة الأحادية في الإقليم.
ومن ناحية أخرى وعلى غرار وضع روسيا، يبدو أن دول الشرق الأوسط تستخدم علاقتها مع روسيا لممارسة الضغط على الولايات المتحدة، وبحسب تقارير منشورة في الولايات المتحدة تحت عناوين من قبيل «روسيا تدفع الولايات المتحدة إلى الخروج من الشرق الأوسط»، فإن الروسيين ملأوا الفراغ الذي تركته إدارة «أوباما» بعدما قطعت الإمدادات والمواد العسكرية لمصر ردًّا على الإطاحة بالرئيس المدعوم من الإخوان المسلمين. وساعدت هذه النظريات في الوصول إلى خطاب سياسي داخل الولايات المتحدة يقول إن إدارة «اوباما» ضعيفة وفقدت نفوذها على خصمها التاريخي. وهو ما يمكن أن يؤثر في المعارضة السياسية لممارسة الضغط على الحكومة لاتخاذ سياسة أكثر عدائية تجاه الشرق الأوسط تتضمن تبادل أسلحة علنيا بشكل أكبر.
خلاصة القول، يتضح أن روسيا تسعى لتوطيد علاقاتها بدول الشرق الأوسط ومد نفوذها بالمنطقة لتحقيق مجموعة من الأهداف، يتمثل أهمها في:
– توسيع مناطق نفوذها ومواجهة الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والعمل على خلق ميزان قوى جديد يخدم مصالحها.
– التعاون والتنسيق في مجال الطاقة، لأن روسيا تنظر إلى دول الخليج كحليف في سوق الطاقة العالمية وليس منافسًا. ويتم التنسيق والتعاون بين روسيا والدول العربية في مجال الطاقة في إطار الحفاظ على استقرار السوق النفطية، وضمان حد أدنى لأسعار النفط.
– تدعيم مصالحها الاقتصادية، وخاصة فيما يتعلق بتصدير الأسلحة لدول الإقليم، وتقديم العون في تطوير البرامج النووية السلمية.