إسرائيل تؤمن بأن السلام يجعلها هامشية أمام العالم
في الخامس عشر من شهر أيار (مايو) الماضي عاش الفلسطينيون في الوطن والمنافي ذكري مرور ستين سنة علي اغتصاب وطنهم، وأكدوا للعالم أن صفحات نكبة الشعب الفلسطيني لم تطو. إنها حاضرة أمام ضمائر العالم لعل هذه الضمائر تستفيق من سباتها. وفي الخامس من حزيران (يونيو) الجاري مرت ذكري أربعة عقود ونيف علي نكسة حزيران حيث أكملت الصهيونية دائرة احتلالها لكل مساحة فلسطين الانتدابية إضافة إلي فائض من الاحتلال خارج حدود اغتصابها شمل الجولان السوري وصحراء سيناء.
قبل هذا التاريخ بيوم واحد جري احتفال فج، كان مزيجا يجمع ما بين غيبوبة التوراة وبين السياسة، موشحٌ بشرعية الاحتلال وروح الانتصار المصطنع، عنوان هذا الاحتفال يوم تحرير القدس حسب التقويم العبري، وكان الخطوة الأولي علي درب توحيدها، أي ضم القدس العربية ووضعها ضمن دائرة الاحتلال.
منذ سنة 1948 حتي اليوم تكدست أرشيفات الأمة العربية بملفات الهزائم والنكبات والنكسات وقد خلفت هذه الهزائم مهما تباينت أسماؤها ومواقفها تراجعاً وانحساراً معنوياً ووطنياً وقومياً وجغرافياً، لا أعرف امةً من الأمم صبرت وصمتت مدة أربعة عقود وهي تري أرضها محتلة دون أن تضع خطة أو برنامجاً لتحريرها سوي أمتنا العربية.
نعترف أن سورية ومعها الفلسطينيون غير قادرين علي تحرير أراضيهم المحتلة بقواهم الذاتية لأسباب معروفة وهي أن إسرائيل قامت في المنطقة كي تكون كلب حراسة لحماية القوي الامبريالية العالمية، لذلك فان هذه القوي أعلنت منذ اليوم الأول لقيام إسرائيل أنها تضمن استمرار إسرائيل في البقاء فأخذت تقدم لها الدعم غير المحدود في المال والأسلحة، كما أن هذه القوي تدعم كل عدوان إسرائيلي وتدعم احتلالها واستيطانها كما تدعم سياستها الداخلية والخارجية.
لقد اعترف بوش أثناء زيارته الأخيرة للقدس أن عدد سكان إسرائيل اليوم 307 ملايين مواطن، أي أنه قام باستصدار بطاقة هوية اسرائيلية له ولجميع سكان الولايات المتحدة. مقابل ذلك فان سورية ومعها الشعب الفلسطيني محرومون من كل دعم عربي أو دولي للتخلص من آثار العدوان الإسرائيلي. لماذا سارعت الدول الامبريالية ومعها الدول العربية إلي إعادة الكويت للكويتيين كما حررت البوسنة والهرسك من النفوذ الصربي؟ أليس من حق السوريين إعادة هضبة الجولان إلي السيادة السورية؟ أليس من حق الفلسطينيين نيل حريتهم وتقرير مصيرهم؟ من يستطيع دعم سورية والفلسطينيين هم العرب وحدهم وهم قادرون علي ذلك، إنهم يملكون طاقات وقوة ضغط سياسية واقتصادية واستراتيجية من موانئ وقناة السويس وطرق مواصلات وسوق استهلاكية وأموال في بنوك الغرب، وأخيراً يملكون النفط: نبع الطاقة في العالم، متي يتم استثمار هذه الطاقات لوقف الغطرسة الاسرائيلية؟ إننا اليوم نعيش في ظل غياب أي مشروع أو خطة عربية مدروسة تهدف إلي تحرير الأراضي العربية المحتلة خاصةً في الجولان وفلسطين ولبنان، لم يعد هذا التحرر يمثل أولويات الاهتمام العربي، لا يوجد إجماع عربي ولاحتي جزئي يفكر بتوفير استراتيجية للتحرير. لقد صرح ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل أن الأراضي المحتلة سنة 1967 يمكن أن تكون ورقة مساومة بأيادي إسرائيل مقابل السلام الشامل والعادل مع الدولة العربية، لكن إسرائيل لم تكن تخطط في يوم من الأيام لأي سلام عادل مع العرب، ما تريده هو الأرض والسلام من أجل السلام، السبب أن هذه هي الايديولوجيا التي قامت عليها الصهيونية كحركة استعمارية توسعية، كذلك فان المؤسسة العسكرية في إسرائيل خاصةً المخابرات والجيش كانت ولا تزال ترفض السلام مع الفلسطينيين والعرب عامةً، لأن السلام ينهي المهمة التي أقيمت من أجلها إسرائيل ويقلل من وزنها أمام الدول التي تدعمها خاصةً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
السلام العادل ينهي أيضاً دور المؤسسة العسكرية في إسرائيل واحتواءها للسلطة، صحيح أن هذه المؤسسة تتلقي أوامرها من السلطة التنفيذية إلا أن السلطة المذكورة تستوحي قراراتها من المؤسسة العسكرية بشقيها: المخابرات وجنرالات الجيش.
إسرائيل تؤمن أن السلام مع العرب يجعلها هامشية أمام دول العالم ويفقدها مصداقية الكذبة التي تدعمها وهي أنها تقف في الخط الأول في محاربة الإرهاب. الحرب والدم بالنسبة للفاشية والنازية هدف استراتيجي وحياة ووجود وواجب قومي، اليوم أصبحت إسرائيل الوريث لهذا الفكر العنصري: انه الطريق الذي اختارته ولن تحيد عنه ما دام العرب يعيشون تحت سقف الإذعان والتفريط.