لماذا فاز أوباما؟
استطاع باراك أوباما تغيير الخريطة السياسية للانتخابات الأمريكية, وكسر قواعد مستقرة, يصعب طبقا لمقاييسها المرعية, أن يفوز, لكنه فاز ولأسباب بعضها جديد, وبعضها كان غاطسا في عمق عقل المواطن الأمريكي العادي, ثم جاءت عوامل حركتها لتطفو علي السطح.
ظهر أوباما بتكوينه وشخصيته الخارجة علي المقاييس التقليدية للمرشحين للرئاسة, تعبيرا في البداية عن موجة احتجاجية, كان يمكن أن تظل عند هذه الحدود, ثم تتلاشي الموجة في المحيط الأمريكي الواسع, لكن قطاعا من الذين تحمسوا له اعتبروا أنه لو نجح في أن يكون ملهما لحركة جماهيرية أكبر من كونها موجة احتجاج, لأحدث تغييرا في كثير من المسلمات في دولة تحكمها قاعدة الاستمرارية وليس التغيير.
وكان هناك من ترددوا في تأييده ليس رفضا له, وإنما لاعتقادهم بأن غالبية الأمريكيين, ليس من ثقافتهم وتقاليدهم اختيار رئيس أسود.
فكيف أحرز أوباما الفوز مرشحا عن الحزب الديمقراطي؟
(1) كان أوباما يمثل نوعية جديدة من الساسة جاء رافعا في حملته شعار التغيير, الذي صار مركز جذب لناخبين تعبوا من حرب العراق, وفشل سياسات بوش وفكر سياسي تقليدي يتمسك بمنطق الغطرسة والاعتقاد بأن أمريكا كبيرة والعالم خارجها صغير.
وكانت للحركة الاحتجاجية التي انجذبت إلي جذورها التي تعود إلي عام1999 حين ظهر في أمريكا توجه ينتقد النخبة المتربعة علي قمة المجتمع, وتتصرف وفق عرف يعطيها ما يمكن اعتباره توكيلا عاما بالتصرف نيابة عن الشعب, وهو وضع يعتبر من المسلمات الراسخة في طبيعة النظام السياسي الأمريكي, وإن كانت له مبرراته لأنه صار من أسباب تفوق النظام واستقراره, لكن الانتقادات التي أظهرتها استطلاعات الرأي ركزت علي أن هذا الوضع يتيح لجماعات المصالح وقوي الضغط السيطرة علي صناعة القرار السياسي, بما لا يعكس في كل مرة الصالح العام.
ولما كانت أمريكا لها ظروفها وهي مختلفة في نظامها السياسي والاجتماعي عن أي دولة فقد انحسرت هذه الموجة بعد قليل.
(2) رغم ما أشارت إليه استطلاعات الرأي من عمق الشعور العنصري, وأن الأمريكيين لن يقبلوا ساكنا أسود في البيت الأبيض, فإن قياسات سلوك الناخبين أوضحت أن الشعور العنصري ليس علي نفس قوته مقارنة بما كان عليه وقت آخر انتخابات قبل أربع سنوات, وأنه بدأ يضعف بين الشباب الذين اتجه كثيرون منهم نحو التصويت لأوباما.
(3) في جميع الانتخابات السابقة كانت التصفية في نهايات السباق في الحزبين الجمهوري والديمقراطي تتم بين اثنين كل منهما ينتمي إلي ما يعرف اصطلاحا بالمؤسسةEstablisment وهو إما أنه ينتمي لإحدي العائلات بالغة الثراء ذات الجذور في التاريخ والمجتمع الأمريكيين, أو أنه من طبقة متوسطة أو عادية لكنه صعد داخل مسيرة الانتماء الحزبي, وكلاهما في الحالتين يقوم بدور الحارس الأمين علي قيم المؤسسة التي تري أن أمريكا يجب أن تكون الأقوي والأغني, والتي يحذو العالم حذوها في قيمها وأفكارها, وكان واضحا في الستينيات كيف تضمنت هذه الأفكار.
والمؤسسة ليست كيانا له مكان وعنوان لكنها هوية تندرج فيها الامبراطوريات الاقتصادية, ومؤسسات اجتماعية وثقافية غير رسمية, وتسندها المخابرات الأمريكية, وهذه هي المرة الأولي التي يدخل فيها السباق وينطلق بهذه القوة أمريكي من خارج المؤسسة وإن كان قد انطلق تسنده العوامل المشار إليها, وهو ما يتشابه بدرجة ما مع حالة أوباما الأسود في دولة البيض.
(4) حتي نهاية السباق, ظل الصراع حادا بين أوباما وهيلاري, فالمطلوب أن يحصل ايهما علي2025 صوتا من أصوات المندوبين, وحيث لم يكن متوقعا أن يفوز احدهما بهذا الرقم, فقد ظل ترجيح كفة ايهما في يد من يسمون المندوبون الكبارSuperdelegates وعددهم796 من قيادات الحزب وأعضاء الكونجرس.
وهذا الوضع هو تقليد بدأ منذ حوالي30 عاما بإقرار من الحزب بأن تكون لهذه المجموعة نسبة20% من الأصوات, وتتبقي نسبة80% للمندوبين العاديين, الذين يختارهم الناخبون.
وموقفهم محكوم بالتدخل إذا شعروا أن الحزب علي وشك أن يخسر فرصة أمام المرشح الجمهوري أو أن المصلحة العامة تفرض عليهم اختيار مرشح دون الآخر, لأنه الأقوي أو لأنه المنتمي إلي قيم المؤسسة.
الصورة من البداية كانت تشير إلي أن معظم عوامل الترجيح لدي المندوبين الكبار, لا تميل لصالح أوباما لكن فوزه الكاسح في الولايات جعلهم يخشون من الوقوف في وجه الغالبية من المندوبين العاديين.
وكان مما عزز موقف أوباما في حساباتهم توالي انضمام عدد ليس قليلا من ذوي الثقل السياسي في الحزب الديمقراطي إلي صف أوباما, مثل ادوارد كنيدي, وتوم دشل, وانتوني ليك, وزيجنيو بريجنسكي وغيرهم, وتغيير عدد من المؤيدين لهيلاري مواقفهم فضلا عن أن أكثر من100 من المندوبين الكبار من ولايات صوتت لصالح أوباما.
وحين وصل السباق إلي نقطة النهاية لم يكن صراع اللحظات الأخيرة قد توقف تنافسا علي أصوات المندوبين الكبار الذين لم يكونوا قد حسموا موقفهم وعددهم300 من الـ796.
لكن هذا كله لا ينسينا أن أمريكا دولة تحكمها مؤسسات, وأن الرئيس فيها مجرد لاعب ضمن فريق لاعبين, وإذا كان الناخبون قد فرضوا اختيارهم, فإن دور المرشح وحسابات حركته تختلف عن دور وحسابات الرئيس وهو في الحكم. فهو مقيد بالقواعد والثوابت, لأنه يعرف الفرق بين المرشح ليكون رئيسا وبينه إذا أصبح هو الرئيس.