الأمن عبر التاريخ

الحس والحذر لدى الصحابية أم جميل رضي الله عنها

المجد- خاص

عندما أراد سيدنا أبو بكر رضي الله عنه الحصول على المعلومة الخاصة بمكان الرسول صلى الله عليه وسلم عقب الأذى الجسيم الذي تعرض له سيدنا أبو بكر من قِبل أعداء الدعوة، طلب من والدته أم الخير، الذهاب إلى أم جميل، لمعرفة مكان الرسول صلى الله عليه و سلم منها:

(فخرجت ­أمُّ الخير­ حتى جاءت أمَّ جميل، فقالت: إنّ أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله؟ فقالت أم جميل: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك فعلت. قالت: نعم. فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعًا دنفًا . فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت: والله إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم. قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ قالت: هذه أمك تسمع. قال: فلا شيء عليك منها. قالت: سالم صالح. قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم. قال: فإن لله عليّ ألا أذوق طعامًا ولا شرابًا، أو آتي رسول الله صلى الله عليه و سلم.. فأمهلتا، حتى إذا هدأت الرِّجْل، وسكن الناس، خرجتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه و سلم).‏

هذا النص يظهر بوضوح الحس الأمني لأم جميل، الذي برز في عدة تصرفات، لعل من أهمها: ‏

أولاً: إخفاء الشخصية والمعلومة عن طريق الإنكار: ‏

عندما سألت أمُّ الخير أمَّ جميل، عن مكان الرسول صلى الله عليه و سلم، أنكرت أنها تعرف أبا بكر ومحمد بن عبد الله.. فهذا تصرف حذر سليم. إذ لم تكن أم الخير ساعتئذ مسلمة، وأم جميل كانت تخفي إسلامها، ولا تود أن تعلم به أم الخير.. وفي ذات الوقت أخفت عنها مكان الرسول صلى الله عليه و سلم مخافة أن تكون عينًا لقريش.‏

ثانيًا: استغلال الموقف لإيصال المعلومة: ‏

فأم جميل أرادت أن تقوم بإيصال المعلومة بنفسها لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه، وفي ذات الوقت لم تظهر ذلك لأم الخير، إمعانًا في السرية والكتمان، فاستغلت الموقف لصالحها، قائلة: (إن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك فعلت). وقد عرضت عليها هذا الطلب بطريقة تنم عن الذكاء وحسن التصرف، فقولها: (إن كنت تحبين) ­وهي أمه­، وقولها: (إلى ابنك)، ولم تقل لها إلى أبي بكر، كل ذلك يحرك في أم الخير عاطفة الأمومة، فغالبًا ما ترضخ لهذا الطلب، وهذا ما تم بالفعل، حيث أجابتها بقولها: (نعم). وبالتالي نجحت أم جميل في إيصال المعلومة بنفسها.‏

ثالثًا: استغلال الموقف في كسب عطف العدو: ‏

يبدو أن أم جميل حاولت أن تكسب عطف أم الخير، فاستغلت وضع سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، الذي يظهر فيه صريعًا دنفًا، فأعلنت بالصياح، وسبت من قام بهذا الفعل بقولها: (إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر). فلا شك أن هذا الموقف من أم جميل يشفي بعض غليل أم الخير، من الذين فعلوا ذلك بابنها، فقد تُكِنّ شيئًا من الحب لأم جميل، وبهذا تكون أم جميل كسبت عطف أم الخير، وثقتها، الأمر الذي يسهل مهمة أم جميل في إيصال المعلومة إلى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه.‏

رابعًا: الاحتياط والتأني قبل النطق بالمعلومة: ‏

لقد كانت أم جميل في غاية الحيطة والحذر من أن تتسرب هذه المعلومة الخطيرة، عن مكان قائد الدعوة، فهي لم تطمئن بعد إلى أم الخير، لأنها مازالت مشركة آنذاك، وبالتالي لم تأمن جانبها، لذا ترددت عندما سألها سيدنا أبو بكر عن حال رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقالت له: هذه أمك تسمع؟ فقال لها: لا شيء عليك منها. فأخبرته ساعتها بأن الرسول صلى الله عليه و سلم سالم صالح، وزيادة في الحيطة، والحذر، والتكتم، لم تخبره بمكانه إلا بعد أن سألها عنه قائلاً: أين هو؟ فأجابته: في دار الأرقم.‏

خامسًا: تخيّر الوقت المناسب لتنفيذ المهمة: ‏

حين طلب سيدنا أبو بكر رضي الله عنه الذهاب إلى دار الأرقم، لم تستجب له أم جميل على الفور، بل تأخرت عن الاستجابة، حتى إذا هدأت الرِّجْل وسكن الناس، خرجت به ومعها أمه يتكئ عليهما. فهذا هو أنسب وقت للتحرك وتنفيذ هذه المهمة، حيث تنعدم الرقابة من قبل أعداء الدعوة، مما يقلل من فرص كشفها، وقد نفذت المهمة بالفعل دون أن يشعر بها الأعداء، حتى دخلت أم جميل وأم الخير بصحبة أبي بكر إلى دار الأرقم، وهذا يؤكد أن الوقت المختار كان أنسب الأوقات.‏

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى