ظاهرة أمنية عجيبة وعظيمة!
المجد-
من المظاهر الأمنية العظيمة والسرية العجيبة في بداية دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الاجتماع مع الصحابة الكرام في دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه ثلاث عشرة سنة دون أن يكتشف أحد أمرهم.
مكة بلد صغير، وأهلها جميعاً يعرف بعضهم بعضاً، فكيف يأخذ المسلمون الحذر حتى لا يعرف أحد مكانهم بهذه الصورة العجيبة، إنه حقاً أمر يدعو إلى الدهشة، فلم نسمع عن مداهمة واحدة من كفار قريش للمسلمين في دار الأرقم خلال الثلاث عشرة سنة.
ولعل اختيار النبي محمد صلي الله عليه وسلم دار الأرقم بن الأرقم يوضح لنا مدى الفقه الأمني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدى الوعي والفهم العميق لظروف المكان الذي يمارس فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعوته.
أولاً: الأرقم لم يكن معروفاً بإسلامه، فلن تتم مراقبة بيته من قريش، أما الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة الذين اكتشف أمرهم فلا تصلح بيوتهم لهذا الأمر.
ثانياً: الأرقم من بني مخزوم وهي القبيلة المتنازعة دائماً مع بني هاشم، فرسول الله عليه الصلاة والسلام وكأنه يجتمع في عقر دار العدو، ولن يخطر ذلك أبداً على أذهان زعماء أهل مكة.
ثالثاً: الأرقم كان بيته بعيدًا عند الصفا ولم يكن في قلب المدينة، ولم يكن هناك كثير من المارة في هذه المنطقة، ولم يكن هناك بيوت كثيرة حول بيت الأرقم يمكن أن يستخدمها أهل قريش للمراقبة.
رابعاً: الأرقم كان يبلغ من العمر ستة عشر عامًا فقط فهو شاب صغير ولن يشك فيه أهل مكة، قد يعتقد أهل مكة أن رسول الله سيعقد اجتماعاته في بيت رجل من كبار صحابته، في بيت أبي بكر الصديق، أو في بيت عثمان بن عفان، أو في بيت عبد الرحمن بن عوف، ولم يكن يدور بخلدهم أن تكون تلك الاجتماعات الخطيرة في بيت هذا الشاب الصغير، هذا احتمال بعيد جداً عن أذهان أهل قريش.
فالإنسان يتعجب من قوة بأس الأرقم رضي الله عنه الذي أخذ على عاتقه هذه المهمة الخطيرة للغاية، أن يجعل من بيته مقرًّا لاجتماعات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مع العلم أنه لو اكتشف أمره فقد تكون نهايته، وبالذات أن زعيم بني مخزوم (قبيلة الأرقم) هو أبو جهل، أعتى أهل قريش على المسلمين.