الحرب النفسية ومقاومة المسلمين لها
المجد-
في كل زمان ومكان تعد الحرب النفسية من أخطر أنواع الحروب، فهي تستهدف الأفكار وتلجأ إلى التشويش عليهما، لتحول بينها وبين الوصول إلى العقول، والرسوخ في القلوب، كما تبذر بذور الفرقة والانقسام، وتعمل على خلق الأقاويل والإشاعات.
وقد كانت الحرب النفسية وإثارة الإشاعات أول أسلوب جابهت به قريش الدعوة في مرحلتها الجهرية، فقد اجتمعت قيادة قريش لتتفق حول كلمة (واحدة) يقولونها عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم للعرب في موسم الحج فقالوا "ساحر" جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته.
وجعلوا موسم الحج منبراً لنشر هذه الإشاعة، حتي تنتشر وتصل إلى جميع أصقاع الجزيرة العربية عن طريق وفود الحجيج.
وقد استخدم كفار قريش اسلوب السخرية والتحقير والاستهزاء والضحك، كجزء من الحرب النفسية على المسلمين، وقصدوا من ذلك تخذيل المسلمين وتوهين قواهم المعنوية، فرموا صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم بالجنون والسحر.
كثف كفار قريش من أساليب الحرب النفسية ما تمثل في تشويه تعاليم الإسلام، وبخاصة القرآن، فنسبوا ما جاء فيه إلى أساطير وأكاذيب الأولين، التي تملى على سيدنا محمـد صلى الله عليه وسلم صباح مساء (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا)، كما زعموا أن القرآن مفترى من قِبَل النبي وأعانه عليه قوم آخرون (وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه، وأعانه عليه قوم آخرون).
وكانت حادثة الإسراء والمعراج من أكبر الحوادث التي استغلتها قريش في شن الحرب النفسية على الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته، فبعد عودته من تلك الرحلة، جلس في الحرم ينوي إخبار قريش بالأمر، فمر به أبو جهل فقال له: هل من خبر؟ فقال: نعم قال: وما هو؟ فقال: "إني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس". قال: إلى بيت المقدس؟ فقال: نعم فقال أبو جهل: هيا معشر قريش وقد اجتمعوا، فقال للنبي أخبر قومك بما أخبرتني به. فقص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر الاسراء والمعراج، فإذا بالقوم بين مصفق ومصفر، تكذيباً له واستبعاداً لخبره.
وانتشر الخبر بمكة وارتد ناس ممن كان آمن به من ضعاف القلوب، وسعى رجال إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال قولته المشهورة: إن كان قال ذلك فقد صدق.
لقد تحصلت قريش من الحادثة علي ارتداد بعض ضعاف الإيمان. لكنها لم تكتف بذلك، بل حاولت استغلالها لإحداث فُرقة بين النبي صلى الله عليه وسلم، وصديقه أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولكنها باءت بالفشل.
وجاء القرآن الكريم بلسماً شافياً يواجه أساليب قريش في الحرب النفسية، حيث جاءت آيات القرآن مواسية للمسلمين، وسلوي للرسول صلى الله عليه وسلم، وأوضحت مصير الساخرين والمستهزئين، وأن الغلبة للحق وأهله، قال تعالى: (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون).
ونجح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مواجهة هذه الحرب النفسية القذرة، وذلك بزيادة التمسك بكتاب الله تعالى، وبطاعة نبيه واتباع إرشاداته وهديه، فلم يستطع كفار قريش بث الفرقة بين النبي وصحبه.
ونلاحظ أن الزمان يعيد نفسه حيث يستخدم أعداء الأمة والصهاينة في هذه الزمان نفس الأساليب، فيقومون بالتشكيك والتكذيب وتشويه الصورة، في محاولة منهم لبث الفرقة والشقاق في الأمة الاسلامية وإبعادها عن دينها.