لنحص عدد صواريخ القسام ونحلم
تسفي بارئيل- هآرتس
غلاف غزة هو تعبير أُمومي يبث الدفء والدلال، وقد أُلصق بالتجمعات السكانية في النقب الغربي التي تواصل تلقي ضربات القسام ورصاص القناصة. من الجدير انتزاع هذا الاسم وتبني مصطلح قري الجبهة الجنوبية بدلا منه لوصف مكانتها الحقيقية بصورة دقيقة.
هذه جبهة لانها تشهد حربا طويلة جداً لا تنتصر اسرائيل فيها. هي لا تنتصر لانها تستخدم فيها اساليب الكيمياء العسكرية السياسية التي لا تترك تأثيرا. اسرائيل تصر علي اعتبار حماس خلية تخريبية يمكن القضاء عليها من خلال الاغتيالات المستهدفة او ضربة دبابة وانها قاعدة تحتية ارهابية لا يتوجب اجراء أية مفاوضات معها. وكأنها قد نسيت ان هذا التنظيم يقدم علي خطوات وتحركات سياسية تؤثر ليس علي غلاف غزة فقط وانما علي السلطة الفلسطينية ايضا وتتسبب في وجع بطن في مصر وتوصل العلاقات بينها وبين اسرائيل الي شفا الازمة ـ كما انه يربط ايران بالمناطق ويبني واقعاً سياسياً خاصا به.
وها هي اسرائيل نفسها تتنفس الصعداء عندما اتضح لها ان رشقات الصواريخ الاخيرة التي اطلقت علي غلاف غزة كانت بفعل الجهاد الاسلامي او الجبهة الشعبية وليس حماس. حماس كما افيد بنوع من الاحترام لهذا التنظيم المسؤول ما زالت تحافظ علي نفس وقف اطلاق النار الذي لم تجر اسرائيل معها مفاوضات حوله (طبعا).
تعريفات اسرائيل للمفاوضات غريبة في اقل الاحوال. ربما هي لا تجري مفاوضات مع التنظيمات الا انها تجري مع حماس حوار عصابات الشارع. انتم لا تضربوني في غلاف غزة وانا لا اضربكم في غزة قالت لهم عبر مصر. ولكن حماس ليست العصابة الوحيدة في هذا الشارع فهناك الجهاد الاسلامي وكتائب شهداء (X) وكتائب شهداء (Y) وعائلات تحمل السلاح ـ ولا يخضع اي من هؤلاء الي تعليمات حماس او ينصاع لها. من هنا ستضطر اسرائيل الي إدارة تلك اللامفاوضات مع كل واحدة من البني التحتية الارهابية علي حدة ان كانت تريد التوصل الي الهدوء في غلاف غزة .
هذا هو الواقع الذي ستنجر اسرائيل اليه ان قررت استنساخ تفاهمات عناقيد الغضب من لبنان الي غزة ولكن هناك طريق آخر غير ذلك جدي وسياسي علي غرار ذلك الطريق الذي تسير عليه الدول المعادية عندما تدرك ان التنظيمات العنيفة قد تختطف منها احتكار العمل السياسي.
سورية هي شريك ضروري ولا بد منه ومن الممكن اجراء مثل هذه المفاوضات معها. هي ضرورية لأن قيادة الفصائل التي تطلق الصواريخ من غزة موجودة علي أراضيها. هي عرفت في السابق كيف تقنع هذه القيادات بالتعاون مع السلطة الفلسطينية (انظروا الي اتفاق مكة) ووقف نيرانها أو كبح معارضتها لمؤتمر انابوليس عندما اعتقدت ان ذلك سيخدم مصالحها. وهي شريك ممكن لأن التفاوض مع اسرائيل قد يجلب لها هضبة الجولان ويحررها من الإخفاق الامريكي وربما يبعد عنها الضغط الدولي في قضية لبنان، من الممكن التقدير انها لو خيرت بين رعاية التنظيمات الفلسطينية وبين السيطرة في لبنان ـ لفضلت الثانية. اليوم هي ليست بحاجة للاختيار فهي تسيطر علي الجانبين. باختصار سورية هي دولة تتصرف وفق مصالحها وهذا هو الشريك الذي تبحث عنه اسرائيل.
الا ان اسرائيل تجد صعوبة في الفصل بين المصلحة والحلم. اسرائيل تطالب سورية بقطع علاقاتها مع ايران ومع حزب الله ومع حماس ومع باقي التنظيمات كشرط للتفاوض. هذا الحلم. اما المصلحة فهي جعل المفاوضات مع سورية تحدث التغيير الاستراتيجي المطلوب، بدلاً من اشتراط التفاوض بالتغيير. سنري مثلا ما ستقول ايران وحزب الله وحماس عندما تبدأ المفاوضات بين اسرائيل وسورية. هل ستقطع ايران بنفسها علاقاتها مع سورية او انها ستظهر كدولة براغماتية تعرف انها بحاجة لسورية بدرجة لا تقل عن حاجة سورية لها وهل ستخرج حماس او حزب الله في حرب ضد سورية ام انهما يعرفان اين توجد حنفية الهواء الذي يتنفسانه؟ الرد علي هذه الاسئلة لا يحتاج للجرأة حتي. المطلوب فقط هو فتح دفتر اليوميات وتحديد موعد للقاء اولي. في الوقت الراهن يبدو ان من الاسهل اجراء اللامفاوضات مع حماس واحصاء عدد القسام علي ممارسة السياسة باسلوبها الصحيح.