حماس… والمعركة التي عليها أن تربحها….!!
يذكرنا صعود حماس جماهيريا واكتساح برنامجها المقاوم للساحة الفلسطينية بما حدث للواقع الفلسطيني والعربي بعد النكبة، حيث فشل الواقع السياسي في إعطاء إجابات هامة لأسباب النكبة، وعجز أيضا عن تقديم برنامج قابل للتنفيذ أو الانتصار بحسابات النصر والهزيمة، ولذلك خرجت نخبة من مناطق الفراغ والحلقات المفقودة في المعادلة العربية الخاصة بالمواجهة مع إسرائيل والمشروع الفلسطيني فكانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح التي جذبت إليها الجماهير الفلسطينية والعربية تحت فكرة الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية حيث وجدت تلك الجماهير في هذه الحركة ملاذا لتحقيق طموحاتها ومشاعرها من خلال المنظومة النضالية الفلسطينية، ويسجل على حركة فتح حينذاك فشلها في توظيف حركة الجماهير الفلسطينية والعربية العارمة باتجاه منظم لانجاز عملية التحرير ولأكثر من سبب ومنها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي.
وللوصول الى الدور الحقيقي المطلوب من حركة حماس حيال حركة فتح لابد من نظرة تشخيصية للمرض الذي الم بحركة فتح وادى بها الى ما وصلت اليه:
كانت أحد نقاط الضعف في الإطار الفتحاوي وما زالت أنها حركة غير مؤدلجة- لا تتبنى عقيدة فكرية او دينية بعينها-، رغم أن حركة فتح ولدت من رحم جماعة الاخوان المسلمين، الا ان حركة فتح نأت بنفسها عن جماعة الاخوان لأن جماعة الاخوان كانت في حينه تهمة وسُبة تعاقب من اجلها، لذلك اصبحت حركة فتح حركة تحرر ينتمي إليها سيل من التناقضات الفكرية والتي عجزت عن علاجها ببرنامجها الداخلي.
وهذا ما ادى بحركة فتح ومع مرور الزمن وتعرضها لكثير من عوامل التعرية السياسية والعسكرية والموضوعية للخروج عن مبادئها وأهدافها ومنطلقاتها، وخرج عنها ومنها مسارات حركية مختلفة ومتناقضة أدت بدورها الى إقصاء المسار الوطني لصالح بعض المسارات التي تتقرب من الواقع الدولي والإقليمي ومتطلباته، ومع الوقت تمتع هذا المسار بقوة اهلته لحسم التفوق وأخذ القرار بالسلام كخيار استراتيجي، في الوقت الذي تهاوى فيه الخيار الوطني الداعي لاتباع نهج التحرير بالقوة دون نفي استخدام وسائل اخرى مساندة، تهاوى تحت الضربات الداخلية والخارجية والتي تعبر عن بعمق التناقض في الواقع العربي، ومن هنا ظهرت انسلاخات متعددة أي ما سمي بالإنشقاقات والتي لعبت الحملات الإعلامية المتواصلة دورا في عزلها وتطويقها تحت شعار القرار الوطني الفلسطيني – المختطف من فئة بعينها- وعندما خرجت فتح عن مسارها لحساب المسار المذكور دخلت في خنادق التسوية بدءا من مدريد وجنيف وأوسلو مرورا بواي ريفر وشرم الشيخ وكامب ديفيد، ثم خارطة الطريق ثم خطة أولمرت، ودعم كل هذا التيه السياسي كثير من مظاهر التجويع السياسي والمادي والفساد الإداري والسلوكي الامر الذي ادى الى تهاوي أطر حركة فتح بكافة مساراتها الفكرية
ومن هنا يجب على حركة حماس ان تعمل وبقوة على كسب اهم معركة في تاريخها، وهي معركة على حركة فتح وليس ضدها، معركة لانقاذ حركة فتح من مختطفيها لصالح تنفيذ اجندات لا وطنية، لجهة العودة بها الى منابعها واهدافها الاصيلة، تلك المنابع التي انطلقت منها حركة حماس، وتلك الاهداف التي انطلقت من اجلها حركة حماس، فالمتأمل يرى ان التناقض الاساس هو مع الاحتلال ومع اعداء الامة ومع اعداء حركتي فتح وحماس وليس بينهما حيث ان كلتاهما انطلقتا من مشكاة واحدة لتحقيق هدف واحد.
غني عن القول ان حركتي فتح وحماس تمثلان جناحي القضية الفلسطينية الذين يستطيعان ان توحدا ان يحلقا بها الى آفاق التحرر الوطني المنشود، ولن يستطيع أي منهما مهما بلغت قوته ان يحلق بالقضية وحده، وان حلق فالى آفاق شاذة لا نريدها كشعب محتل وكقضية هي الاعدل عالميا.
وكما يؤخذ على حركة فتح فشلها في توظيف الزخم الشعب العربي والاسلامي توظيفا منظما لجهة الارتقاء بمشروع التحرر الوطني نحو تحقيق قفزات واسعة تليق بقدرات وامكانات وتاريخ وعراقة هذه الامة، فانه يؤخذ على حركة حماس ذات الامر، وعلى وجه الخصوص في محطات تاريخية حينما اغتال العدو الصهيوني شيخ الامة الامام الشهيد احمد ياسين وخليفته عبد العزيز الرنتيسي.
حماس وكقوة فتية على الساحة وكذراع لحركة الإخوان المسلمين نجحت في امتلاك خطاب ديني ميز مسارها وساهم في استقطاب الجماهير الامر الذي دعمه عملها وتضحياتها المميزة ضد المحتل الصهيوني واسنده برنامجها الإجتماعي والاقتصادي والثقافي، وبذلك نجحت حماس في إستغلال مناطق الفراغ في الحركة الوطنية الفلسطينية أي لعبت على الحلقات المفقودة وهذا ذكاء برمجي لا تذم عليه بالمنظور الوطني، الا انه ورغم ذلك تقع على حماس مسؤولية وطنية في امتلاك الخطاب الوطني الذي يراعي بل ويحتوي كل البرامج والايدلوجيات التي تتغنى بها كل الحركات الوطنية على ساحتنا الفلسطينية – علما انها وفي معظمها اضحت حركات تابعة تدور في فلك بل في افلاك الاخرين- لجهة استقطاب ما ومن تبقى في ساحتنا الفلسطينية والعربية لصالح المشروع التحرري الحقيقي الذي لن يتحقق الا اذا انصهر الجميع من اجله تحقيقه، ومن اجل رتق سفينة النظرية النضالية لتواصل مخر عباب بحر التضحيات الذي لا ينتهي.
ان المعركة التي تواجهها حركة حماس على المستوى الخارجي من اجل تسويق الورقة السياسية وبرنامجها المطروح مع القوى الإقليمية وبعض القوى الفلسطينية وخاصة فتح لا ينبغي ان تسمح باستدراجها إلى مواقع الأزمات بوجودها في السلطة لجهة استغلال تلك الأعباء لمحاصرتها والضغط عليها من أجل التنازل عن بعض برنامجها النضالي والجهادي، لقد تحددت الخيارات أمام حماس منذ زمن، وعليها ان تتمترس أمام قضية الإعتراف بالكيان الصهيوني، وهذه نقطة صدامية مع خاطفي حركة فتح المتسيدين لمقاطعة رام الله وهو في الحقيقة برنامج الشعب الفلسطيني الذي لا يقبل هذا الإعتراف على ورقة بيضاء، ولا حتى عبر الإعتراف بالمبادرة العربية التي ستقودها – ان فعلت- إلى إعترافات متتالية بما يؤدي إلى إنهيار تدريجي في برنامجها من اجل التأثير على الوضع الإطاري لبنيتها الداخلية.
ان خيار تمسك حماس بمبدأ الديمقراطية الذي بدأه الرئيس عباس ثم انقلب عليه وتنكر لنتائجه، يتيح لها أن تبقى في الوزارة وتصعد العمل المقاوم وتنفذ برنامجها، الا انه قد يفرض عليها في ذات الوقت ان تكون في حالة مواجهة القوى الدولية واذنابهم من العرب والمسلمين لما قد يشكله نجاح هذه التجربة من مخاطر ليس على الكيان الصهيوني فقط وانما على مستقبل المصالح الامريكية والاوروبية وكراسي وعروش الانظمة العربية في المنطقة.
لا شك المعركة على الصعيد الداخلي هي أشد خطورة لجهة تلافي بذور التفكك والانحلال التي اصابت أطر حركة فتح، ولجهة تحقيق برنامج التغيير والاصلاح الذي انتخبت من اجله، فقد بات من غير المقبول شعبيا ووطنيا ان تقتفي حركة حماس اثر حركة فتح في اسلوب ادارتها للحكم كمنهج وكبرامج وكأدوات وكسلوك، ولم يعد مقبولا ان يستأثر البعض بالامتيازات والامكانات والمقدرات مهما كان مسماه على حساب باقي ابناء الشعب،
انتخبت حماس لتصليب عود شعبنا الفلسطيني واسناده لمواصلة مشروع الجهاد المقاومة، وهذا ما عليها تحقيقه حتى ولو استوجب ذلك قيادة انتفاضة داخلية لغربلة وازاحة كل من ثبت عدم صلاحيته لتولي مقاليد الامور والمسؤولية التي تولوها على عجل في بداية تولي حماس لمقاليد الحكم غير المتوقع وغير المخطط له، فهل تفعل.؟