الحرب النفسية ودورها في حسم المعارك
المجد-
عرف الإسلام في بداياته سلاح الحرب النفسية هذا السلاح الفتاك، فمن قرأ السور المكية يجد أن القرآن كان يسير في اتجاهين داخلي يتمثل في بناء العقيدة والتربية الروحية للمسلمين، وخارجي يهدف إلى تحطيم الروح المعنوية للأعداء من الكفار وتشكيكهم بمعتقداتهم وإضعافهم في الدفاع عنها.
ولما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وأذن له بالقتال في قوله تعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) استخدم الحرب النفسية أسلوباً ثابتاً كإستراتيجية في كل المعارك، وكان القرآن ينزل ليضيف أو يعدل أو يؤيد ذلك الأسلوب المستخدم.
وإذا كان الأصل في سلوك المسلم أنه يقوم على الصدق والوضوح، إلا أن الحرب لا تحتاج إلى مثل هذه القيم الرفيعة إذا كان من شأنها أن تسبب الضرر للمسلمين، وتؤخر النصر عنهم، لذا فإنه يباح في الحرب مالا يباح في غيرها.
وقد جاء التحريض على أخذ الحذر في الحرب، والندب إلى خداع الكفار، وأن من لم يتيقظ لذلك، لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحرب خدعة)، وكذلك صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أجاز الكذب في ثلاثة أشياء: أحدها في الحرب.
وقد قرر الرسول صلى الله عليه وسلم مبادئ للحرب النفسية على نحو لا تتسامى إليها نظريات العصر وهذه المبادئ هي:
1- التأثر النفسي للقوة: قال صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر)، فهو بذلك يقرر أن تدمير إرادة العدو القتالية يمكن أن تتحقق عن طريق إرهابه، وإيقاع الرعب في قلبه، وإخافته من عاقبة عدوانه.
2- التفريق بين العدو وحلفائه كما حدث في غزوة الخندق، وبذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اتخذ مبدأ أن الحرب خدعة والتي أفادت في قتال الأعداء بأقل خسائر في الأرواح.
3- تحييد القوى الأخرى وحرمان العدو من محالفتها كما يظهر من إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة لسياسة عقد الاتفاقات والمعاهدات مع مختلف القبائل لكفالة حرية الدعوة وحسن الجوار والمعاملة؛ وكانت النتيجة المباشرة لذلك حرمان قريش من قوى كان يمكنها أن تتحالف معها.
4- زعزعة ثقة العدو في إحراز النصر وأبرز الأمثلة على ذلك فتح مكة، والتي استخدم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم عامل المفاجأة وإظهار القوة والتقدم نحو مكة في أربعة أرتال لإرباك قريش وتشتيت قوتها وعقلها.