استراحة محارب أم اعتراف بإسرائيل
أُعلن مؤخراً عن اتفاق تم عقده بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية الممثلة بحركة حماس، يقضي بإحلال التهدئة بين الطرفين اعتباراً من الساعة السادسة من صباح يوم الخميس الموافق 18-6-2008. غير أن الحكم بنجاح أو فشل هذا الاتفاق سابق لأوانه، ذلك أن الظروف المعقدة التي تمر بها المنطقة، لم تعد تعطي مساحة آمنة لتوقعات المراقبين بالنسبة للأحداث التي يمكن أن تقع في المنطقة في المستقبل المنظور. وهذا ما يستطيع المراقب أن يلحظه بسهولة، من خلال مشاهدته للتلاطم المفاجئ بين دعوات الحرب في المنطقة، وبين إجراءات تتخذ، وكلها تنطوي على دعوات للتهدئة وحل القضايا المثيرة للنزاع فيها.
وقد نص ذلك الاتفاق بحسب ما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية في موقعها على شبكة “الإنترنت” على ما يلي:
“1- الموافقة على الوقف المتبادل لكافة الأعمال العسكرية بدئاً من يوم الخميس الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي.
2- مدة التهدئة 6 اشهر حسب التوافق الوطني الفلسطيني.
3- يتم تنفيذ الهدنة بالتوافق مع مصر وفي ظل رعايتها.
4- فتح المعابر بشكل جزئي خلال الساعات التالية التي تلي دخول التهدئة حيز التنفيذ.
5- تعمل مصر لاحقا على تنفيذ الهدنة إلى الضفة الغربية.
6- في الأسبوع التالي للهدنة تستضيف مصر لقاءًا يضم السلطة الفلسطينية وحركة حماس والجانب الأوروبي من أجل مناقشة آليات فتح معبر رفح.”
وفي قراءتنا لبنود هذا الاتفاق، في ظل المعطيات الحالية في المنطقة نجد أن:
* ما يتعلق بالبند الأول من الاتفاق: لم يعلن عن وجود آلية تكفل لمصر إحكام الرقابة على الخروقات العسكرية التي قد تقع من أحد الطرفين، كوجود مراقبين، أو دوريات راجلة أو متحركة، أو كاميرات مراقبة إلكترونية مثبته على الحدود والمعابر، أو أية وسائل أخرى تعين الجهة المسئولة في مصر عن تنفيذ هذه المهمة، وتحديد المسئول عن أية خروقات عسكرية وغير عسكرية قد تقع.
فليس من العسير على إسرائيل بالذات نقض الاتفاق في أي وقت، وذلك بافتعال عمل عسكري يسهل معه أتهام المقاومة الفلسطينية بارتكابة. والشيء ذاته يمكن أن يحدث بالنسبة للمقاومة الفلسطينية إذا أرادت نقض الاتفاق، برغم أنه من غير المتوقع قيامها بهكذا عمل في ظل الظروف الحاضرة.
* أما البند الثاني، فيبدو أن موافقة إسرائيل على تحديد مدته بستة أشهر، ترتبط بالفترة المتبقية من ولاية بوش، والذي يأمل خلالها أن يتوصل الإسرائيليون والسلطة الفلسطينية لنوع من التفاهمات على حلول جزئية أو اتفاق مبادئ، من شأنه أن يُسجِّل لصالح إسرائيل أولاً، ثم لـ “تبييض” وجه بوش قبل رحيله عن البيت الأبيض ثانيا.
وبالنسبة لحماس وفصائل المقاومة الأخرى، فالأمر قد يكون مختلفاً. ذلك أن اتفاقها على هذه الهدنة يحقق هدفين: أولهما فك الحصار المفروض على القطاع وفتح المعابر، وبالتالي تخفيف المعاناة عن أهالي غزه. وثانيهما: عدم تصعيد الموقف في ظل الظروف الراهنة و(القاسية نسبياً) التي تمر بها كل من واشنطن وتل أبيب، بسبب إخفاقاتهما المتوالية في المنطقة من جهة، وعدم تعريض أهالي غزة للمزيد من الاعتداءات الإسرائيلية الإجرامية، وبخاصة في ظل التأييد الذي يحظى به الكيان العبري من إدارة بوش من جهة أخرى. كما يبدو أن هذه المدة تعد فترة مقبولة لكلا الفريقين لاختبار مدى التزامهما بهذا الاتفاق.
* وفيما يتعلق بالبند الرابع الخاص بـ”فتح جزئي للمعابر” خلال الساعات التى تلي دخول الاتفاق حيز التنفيذ، فأمر يمكن معرفة نتائجه (إن كانت سلباً او إيجاباً). ذلك أن فتح المعابر، يعتبر من الأسباب الرئيسة التي دفعت بحركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى للقبول بالتهدئة، ومن ثم يعتبر – في نظرها – المحدد الرئيس لتنفيذ هذا الاتفاق أو نقضه. وأغلب الظن أن إسرائيل سوف تلتزم بتنفيذ الحد الأدني (على الأقل) بما يقضي به هذا البند، وبخاصة ما يتعلق بدخول المواد التموينية والمحروقات.
* أما البندان الخامس والسادس، فمن الطبيعي أن يحاول الإسرائيليون إطالة أمد البت فيهما، وبخاصة بالنسبة لفتح معبر رفح الذي يتيح فتحه لأهالي القطاع، الاتصال بمصر والمحيط العربي والعالم الخارجي بحرية.
لكن من غير المتوقع أن تطول مماطلة إسرائيل بفتح هذا المعبر وتقييد تشغيله بشروط تعجيزية، إذا ما التزمت فصائل المقاومة الفلسطينية بالتهدئة، وما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة في المنطقة تحول دون تنفيذ الاتفاق (وما أكثرها).
* يبقى البند الثالث الذي ينص على تنفيذ التهدئة تحت رعاية مصرية. فثمة تساؤلات لا بد للطرف المصري أن طرحها على الإسرائيليين والفلسطينيين حين وافق على هذا البند، وأهمها تحديد الآلية التي تكفل لمصر مراقبة تنفيذ هذا الاتفاق. والأهم من ذلك حصول مصر على التعهدات والضمانات الكافية لالتزام الطرفين الكامل بتنفيذ بنوده.
ومع ذلك، فإنه برغم ردود الفعل العربية والدولية التي تؤيد هذه التهدئة، فإن ثمة تصريحات ومؤشرات خرجت وما زالت تخرج من داخل الكيان العبري، تشير معظمها إلى الامتعاض من حكومة أولمرت لتوقيعها على هذا الاتفاق.
فبرغم أن المؤيدين للاتفاق يقولون بأن قبول حماس للتفاوض مع إسرائيل وتوقيعها عليه، يعني اعترافها ضمناً بإسرائيل، غير أن المناهضين له يرون غير ذلك، حيث يبدو الاتفاق للعالم – في نظرهم – أنه جاء نتيجة خضوع إسرائيل لحماس، وفشلها في إسقاط حكومتها، وفشل كل الإجراءات التي اتخذتها في نطاق الحصار الصارم الذي فرضته على القطاع، في تحقيق الأهداف المرجوة منه.
والأكثر من ذلك أن هناك من الساسة الإسرائيليين من يرى، بأن هذا الاتفاق يعد انتصاراً للإرهاب والإرهابيين في المنطقة، ما قد يدفع البعض إلى استخدام هذا الأسلوب في ابتزاز إسرائيل لتقديم تنازلات بشأن القضية الفلسطينية.
وبالنسبة للموقف العربي، فنعلم يقيناً أن جميع الأنظمة العربية تتمنى لو تصحو يوما، لترى أن قضية فلسطين قد تم حلِّها بشكل أو بآخر، لا لشيء إلا لأنها أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على (وهم) الاستقرار الذي تتمنى هذه الأنظمة أن يتحقق على يد أمريكا، كما باتت بمثابة كابوس يحرمها من النوم الهانئ في حالة اللامبالاة والتشتت والتشرذم التي تعيشها.
نعلم يقيناً هذا .. لكن الذي نجهله : هل اتفاق “التهدئة” أو ما يسمونه بـ”الهدنة” التي توصلت إليه حماس مع إسرائيل بوساطة مصرية وجهد عربي وأمريكي (طبعاً)، والذي – تم بلا شك – تحت ضغوط الحصار المروع الذي فرض على قطاع غزه من كل الأطراف طيلة سنة كاملة.. هل هذا الاتفاق يعني بداية محاولة لتسييس المقاومة الفلسطينية (ممثلة في حماس)، وفقاً للمخططات الصهيوأمريكية في المنطقة؟.
أم أن هذه الاتفاقية هي بمثابة “استراحة المحارب”، التي يحاول من خلالها محاولة رفع الحصار المروع الذي فرض على أهالي غزه منذ عام كامل، والذي استهدف إنهاك قواه وتركه نهباً للجوع والأمراض والأوبئة التي يمكن أن تدخله لدائرة ما يشبة الإبادة الجماعية، إذا ما استمر على هذا الحال؟.
نأمل أن يكون قبول هذه التهدئة بمثابة “استراحة المحارب”، هذا إذا صح التزام إسرائيل بتنفيذه، بعكس ما عوَّدنا عليه الصهاينة من نقضٍ للعهود واستهانه بالوعود. فنحن لا نشك لحظة واحدة في أن حماس وفصائل المقاومة الأخرى، لن تتخلى عن الثوابت الفلسطينية التي قضى آلاف من الشهداء نحبهم من أجلها، وفي قمتها عدم الاعتراف بالكيان العبري الذي قام على أنقاض المدن والقرى والبلدات والأراضي، التي اغتصبتها العصابات الصهيونية قسراً من أصحابها الفلسطينيين عام 48 ، وأقامت عليها ما يسمى بإسرائيل.
أضف إلى ذلك أن إسرائيل ما كانت لتقدم على خطوة كهذه، لولا شعورها بالعجز عن تنفيذ مخططها في القضاء على حماس وغيرها من فصائل المقاومة، تماماً مثلما عجز شارون عن تنفيذ وعوده بالقضاء على انتفاضة الأقضى خلال مائة يوم من توليه سدة الحكم في إسرائيل