من أجل أميركا!
يمكنك أن تدرك المغزى من وراء بعض المقالات الصحفية العربية بمجرد أن تطالع العنوان، أكثر من ذلك تستطيع أن تدرك أيضاً الهوية السياسية للكاتب، ومن هذا الصنف مقالة نشرت الأسبوع الماضي تتحدث عن الإعجاب الإسلامي بأوباما بقلم كاتب صحفي مصري.
ولولا أن هذه المقالة تعكس ظاهرة صحفية متنامية في الأفق الإعلامي العربي لما استحقت أن يتوقف عندها أحد من المتابعين لتطورات الشؤون السياسية العربية والدولية. هذه الظاهرة الإعلامية تتخذ كمحور أساسي لها انتصار المرشح «الديمقراطي» الأسود باراك اوباما في معركة الانتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة..
هذا الانتصار الذي مهد له المنافسة على منصب الرئيس الأميركي التي سوف تجرى في نوفمبر المقبل، والرسالة التي تعكسها هذه الظاهرة المتنامية هي أن اقتراب أوباما من عتبة البيت الأبيض يعتبر فأل خير للأمة العربية والإسلامية من ناحية وأن أميركا من ناحية أخرى أبعد ما تكون عن مجتمع عنصري يعيش فيه السود كمواطنين من الدرجة الثانية وبالتالي فهو مجتمع نموذجي من حيث انتشار ورسوخ قيم النظام الديمقراطي.
ومن ثم فإن ما تدعيه الطبقة الحاكمة الأميركية بأن الهدف من شن الحروب الأميركية الخارجية هو نشر الديمقراطية في أنحاء العالم أمر لا ينبغي التشكيك في مصداقيته ونبله. من خلال هذا السياق العام تقول مقالة الصحفي المصري إن أوباما ظاهرة جذبت انتباه العالم «وأسرت قلوب المسلمين». فهناك «نسبة كبيرة من المسلمين مبهورة بالانتخابات الأميركية ومؤيدة لباراك اوباما».
هذا هو مضمون الرسالة المعلنة للظاهرة. أما الرسالة غير المعلنة فهي الأخطر إذ أن مضمونها هو: أيها العرب والمسلمون لا تيأسوا من أميركا وتحيزها العدواني التقليدي لإسرائيل في إطار الصراع العربي ـ الإسرائيلي. تريثوا واصبروا.. فقد اقترب في الوصول إلى البيت الأبيض مرشح متعاطف مع العرب والمسلمين لأنه أول رئيس لأميركا من غير البيض.
لذا لا تتوقف هذه الظاهرة الإعلامية لدى مشهد أوباما عندما وقف أوباما خطيباً أمام التنظيم اليهودي الرئيسي «أيباك» معلناً من عبارات التأييد المتطرف لإسرائيل وتبرير احتلالها للأراضي العربية بما في ذلك القدس الشرقية ما قد يستحي القادة الإسرائيليون أنفسهم من الجهر به.
ويبقى سؤال: لماذا يتطوع كتاب عرب بمهمة تبييض صورة أميركا في العالم العربي والإسلامي؟ ربما كلمة «تطوع» لا تعكس الحقيقة. داخل وزارة الخارجية الأميركية قسم يطلق عليه «قسم الدبلوماسية الشعبية» تتلخص وظيفته في استئجار إعلاميين وسياسيين ومفكرين عرب لأغراض تحسين الصورة الأميركية، والمؤسف أن العالم العربي زاخر بالأقلام والعقول المعروضة للبيع.