التهدئة» التي تتجرعها “إسرائيل” مرغمة ولا تكاد تسيغها!
بعد أن دخلت التهدئة بين حماس والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة من جهة و”إسرائيل” من جهة أخرى حيز التنفيذ منذ الخميس الفائت (19/6) كان السؤال الأكثر إلحاحاً الذي طرح نفسه في قراءات المحللين والمراقبين السياسيين هو هل تصمد هذه التهدئة، أم يتم خرقها سريعاً من قبل حكومة الاحتلال، كما جرى في التهدئات الأربع التي أبرمت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ عام 2001 وحتى الآن.
وقد استندت توقعات المراقبين المتشائمة بشأن خرق هذه التهدئة، في مدة قد لا تدوم طويلاً، إلى أمرين اثنين لهما كثير من الوجاهة والمشروعية: تاريخ غير مشرف للكيان الصهيوني في نقض تهدئات سابقة، وسوء النوايا الصهيونية التي تبدت من خلال تصريحات رئيس حكومة الاحتلال ووزير دفاعه، التي وصفا فيها التهدئة الحالية بـ”الهشة” وهي في يومها الأول.
لكن ومع التسليم بإمكانية انهيار التهدئة في أي لحظة، بسبب إمكانية خرقها صهيونياً، كما تشير تجارب وتصريحات مسؤولي الاحتلال، فإن مراقبين يرون أن هناك فرصاً أكبر لصمودها، لأكثر من اعتبار:
ـ إنها الهدنة الأولى التي تتم رعايتها عربياً (بواسطة جمهورية مصر العربية)، واستهلكت فترة طويلة لإنضاجها، حتى أخذت طريقها للتنفيذ، ويترتب على ذلك أن مصر ستكون حريصة على التزام الأطراف بها، ورعاية هذا الجانب بقدر إمكانها، ومراقبة أي خرق قد يلحق بها من الطرف الفلسطيني أو الصهيوني، وإن بصورة أدبية، وهذا ما يجعل الكيان الصهيوني في موقف أصعب، لاسيما أنه يريد إبقاء علاقة له في المحيط العربي للتوسط بينه وبين حركة حماس، في مسائل أخرى مهمة كإطلاق سراح الجندي الصهيوني الأسير لدى الأخيرة.
وفي هذا الصدد؛ قال الدكتور خليل الحية القيادي في حركة حماس، رداً على سؤال يتعلق بتصرف الحركة إزاء ارتكاب الاحتلال لخرق الهدنة، “إذا حدث من الجانب الإسرائيلي (أي خرق)، سيتم نقل الأمر إلى الوسيط المصري”.
ـ تطبق هذه التهدئة في ظل وجود ورقة ضاغطة بيد فصائل المقاومة، خصوصاً لدى حماس، ضد الاحتلال، والمقصود بذلك ورقة الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط، ورغم فصل حماس بين ملفي التهدئة وملف شاليط، فإن الاحتلال يريد أن يتخذ من التهدئة مدخلاً إلى قضية الإفراج عن شاليط، ويحاول أن يربط فتح معبر رفح بإطلاق سراحه، وربما لهذا السبب سيكون أكثر حرصاً على التهدئة، ولو من باب تعليق الآمال على أن أجواء نجاحهاً قد يقود إلى تسهيل مهمة الإفراج عنه، حتى وإن لم يكن شرطاً يلزم حماس كما تصر على ذلك، رافضة رفضا قاطعاً أي ربط بين المسارين.
ـ تعاظم القوة العسكرية لحماس وفصائل المقاومة، وهو ما يجعل البديل الآخر للتهدئة، أمراً تكتنفه الكثير من الصعوبات صهيونيا، خصوصاً العملية البرية الواسعة التي يلوح بها جيش الاحتلال دون الإقدام عليها فعلياً، بعد أن استقر لديه أنها ستكلفه خسائر بشرية كبيرة، بناء على “البروفة” الأولية التي خلص إليها من عملية “الشتاء الساخن” في شهر مارس الماضي، كما أنه لن يكون بإمكانه القضاء على حماس كفصيل يجمع بين العمل السياسي والاجتماعي، إلى جانب العمل المقاوم، حتى ولو تمكن من إسقاط حكومتها.
ويضاف إلى ما سبق الخشية على شاليط الذي يخاف الاحتلال أن يلقى حتفه في أي عملية هذا النوع.
ـ حظيت التهدئة بترحيب دولي وعربي كبيرين، وبالتالي فإن خرقها من طرف الكيان الصهيوني سيعرضه لمزيد من الانتقادات، باعتباره المتسبب بإعادة الأمور إلى دوامة العنف، وكل ما سيلحق بالفلسطينيين من قتل للمدنيين وتدمير لبيوتهم واستهداف البنى التحتية الضرورية لحياتهم، وستظهر حماس كضحية للاحتلال أمام العالم.
ـ الدولة العبرية بوضعها الراهن وأزمتها الوزارية ودخولها انتخابات مبكرة تجعلها الفترة القادمة بحاجة لتهدئة ولغزة ساكنة بعيداً عن صواريخ المقاومة، أو تهديد العمليات الاستشهادية في العمق الصهيوني، أو العمليات النوعية ضد المعابر، “لتتفرع القوى السياسية والعسكرية والأمنية فيها للمعركة الداخلية”.
ـ تهديد فصائل المقاومة، بردود مزلزلة في حال خرق الاحتلال للتهدئة، أو عدم السكوت عن جرائم عدوانه.
وفي هذا الصدد؛ حذرت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس في بيان صدر عنها مع بدء سريان اتفاق التهدئة الدولة اليهودية من أي خرق للاتفاق، مشددة على أنها ستكون جاهزة، وعلى أتم الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية تهزّ دولة الكيان الصهيوني، إذا لم يلتزم العدو بكافة بنود التهدئة المتفق عليها، مؤكدة أن وقف إطلاق النار ليس بأي حال هدية مجانية لدولة الاحتلال.
وأكد الدكتور إسماعيل رضوان، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، أن تهديد “كتائب عز الدين القسام”، بتوجيه ضربة للاحتلال حال نكثه للتهدئة المبرمة “يعكس نهج الحركة بالمزاوجة بين السياسة والمقاومة”، وشدد على أن عدم استجابة الاحتلال لاستحقاقات التهدئة “يعني محاولة لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، وبالتالي حركة حماس لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ذلك”.
ووفقاً لهذه التقديرات؛ فإن تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، ووزير دفاعه إيهود باراك التي وصفا فيها الهدنة الحالية بـ”الهشة”، والتلويح باستعدادهما لعمل عسكري كبير ضد غزة، ما هي إلا للاستهلاك الداخلي فقط، كما نتوقع، في ضوء انتقادات وجهت إليهما وإلى أداء الحكومة والجيش الصهيونيين، من قبل مسؤولين حكوميين وحزبيين إسرائيليين، وشرائح في الشارع الصهيوني، أعلنوا فيها عن رفضهم للهدنة، سواء لأسباب حزبية انتخابية، أو لعدم اقتناعهم بهذا التوجه أصلاً، فوزير النقل شاؤول موفاز اعتبر الهدنة ” اتفاق استسلام” لحماس، مشيراً إلى أن الطريقة التي عالج فيها باراك المسائل الأمنية في ضوء نار صواريخ “القسام” والقصف على بلدات الجنوب (مغتصبات النقب الغربي وعسقلان وسديروت)، “قضمت بشكل كامل قدرة الردع لـ”إسرائيل”. في حين اعتبرها حاييم رامون نائب رئيس حكومة ” تجميل لكلمة الاعتراف الفعلي بحماس، والخضوع لدولة الإرهاب”!.
وطالما أن حماس لم تغادر مربع المقاومة فلا خسارة في قبولها للهدنة، لأنها ستعود لممارسة حقها المشروع في صد العدوان، مقابل خسارة الكيان الصهيوني سواء صمدت الهدنة أم لم تصمد، وفي هذا الصدد يرى دوف فايسجلاس، الذي كان مديراً لمكتب رئيس الوزراء السابق آرييل شارون أن “الضرر” الدبلوماسي وقع حتى لو انهار وقف إطلاق النار كما يتوقع كثيرون، ويعلل ذلك بـقوله: “الاعتراف الدولي بحكومة حماس في غزة حتى لو كان اعترافاً غير كامل قد يكون مجرد مسألة وقت.”