النفط والدولار
كلما انخفضت قيمة الدولار الأميركي كلما ارتفع سعر النفط، هذا ما يقوله خبراء بورصات العملات وبورصات السلع في الغرب في سياق تشخيصهم لظاهرة التصاعد الجنوني المتنامي لسعر برميل النفط الخام.
أليس غريباً إذن ألا يرد ذكر مباشر أو غير مباشر لهذه المعادلة التبادلية بين النفط والدولار في البيان الختامي لمؤتمر دولي عن الطاقة انعقد خصيصاً للنظر في أسباب ظاهرة التصاعد السعري غير المسبوق في سوق النفط العالمية؟
لقد شارك في هذا المؤتمر الدولي الذي اختتم في جدة خلال الأسبوع الجاري ممثلو 36 دولة من الدول المنتجة للنفط والدول المستهلكة و22 شركة من كبريات الشركات النفطية العالمية وسبع هيئات دولية.
لكن حتى قبل انعقاد هذا الجمع العظيم ظلت الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها الغربيون تعلن وتكرر الإعلان بأن الدول النفطية هي التي ينبغي أن تتحمل بالدرجة الأولى المسؤولية عن ظاهرة التصاعد السعري واستمرارها، ولكي تضفي مصداقية على هذا الاتهام فإن المسؤولين الأميركيين يعمدون من حين لآخر إلى مطالبة الدول المنتجة برفع معدلاتها الإنتاجية من أجل سد «الفجوة» بين العرض والطلب.
غير أن واقع سوق النفط العالمية يفيد بغير ذلك تماماً، إذ إن هناك إجماعاً بين الخبراء الغربيين بأن الإمدادات في السوق أكثر من كافية. إذن، فإن الأمر لا علاقة له بآلية العرض والطلب، هناك سبب آخر جذري ومختلف تماماً.
والهدف من وراء الزوبعة التي تثيرها الولايات المتحدة بشأن «تقصير» الدول المنتجة للنفط هو أن تكون ستاراً دخانياً لحجب السبب الحقيقي للتصاعد السعري الأسطوري. هذا السبب الحقيقي يتمثل في ظاهرة أخرى هي الانخفاض المتواصل لأسعار صرف الدولار الأميركي الناتج عن حالة الركود المتصاعد في الاقتصاد الوطني الأميركي.
الدولار الأميركي هو العملة العالمية التي بموجبها يتم تسعير مبيعات النفط الخام وغيره من السلع الاستراتيجية، بالتالي فإنه كلما انخفضت قيمة الدولار كلما انعكس ذلك على سعر برميل النفط، وإذا كنت مشترياً منتظماً فإنك تضطر كلما حدث انخفاض في قيمة الدولار إلى دفع المزيد من الدولارات للحصول على برميل النفط، وهكذا مع تواتر الهبوط في سعر صرف الدولار يتواتر ارتفاع سعر البرميل النفطي ليحتفظ البرميل بقيمته السعرية الحقيقية.
نستطيع إذن أن نفهم لماذا خلا بيان مؤتمر الطاقة من أي ذكر لأسباب ظاهرة التصاعد السعري، فمع إصرار الولايات المتحدة على عدم ربط الظاهرة بضعف الدولار ورفض الدول المنتجة تحميلها المسؤولية زوراً وبهتاناً كان من المحتم أن يصل المؤتمر إلى طريق مسدود.