كيف يتخذ القائد القرار في المعركة الحديثة (جزء 2)
ونظراً لأهمية تقديرالموقف، فلا بأس من أن نستعرض هذه العملية بشيء من التفصيل، حيث يتضمن تقدير الموقف تقدير كل من: العدو، والصديق، والجوار، والفصل، والزمن، والطقس.
أ) تقدير العدو:
من الضروري تكوين فكرة عن العدو، إذ إن الهدف المفترض تحقيقه على الأرض يتجسد قبل كل شيء بالحصول على نتيجة من النتائج ضد هذا العدو، خصوصاً وأن العمل العسكري يستهدف العدو لا الأرض التي يقف عليها. وتستند دراسةالعدو إلى أربعة أسس هي:
1) الفكرة التي كوّنها القائد مسبقاً عن عدوه.
2) المهمة التي يُفترض أن أن تعد على ضوء هذه الفكرة.
3) الأرض التي ستُنفذ عليها المهمة القتالية.
4) المعلومات المتوفرة عن العدو في اللحظة التي يبدأ فيها التخطيط للمهمة.
ورغم احتمال قبول وضع العدو في الفترة بين وضع الخطة وتنفيذها، واستناداً إلى هذه الأمور التي لا تخلو من عنصر الشك، يكوّن القائد فكرة صحيحة إلى حدٍّ ما عن العدو، ويسعى لاستخلاص ما يمكنه استخلاصه حول إمكانات خصمه لمقاومة المهمة ومنع تحقيقها أثناء مرحلة التنفيذ. والسؤال الأساسي الذي يطرحه القائد في هذه المرحلة هو: في الوضع العام الذي أعرفه جيداً، كيف سيستخدم العدو إمكاناته لمقاومة تنفيذ مهمتي؟ – أي أن القائد يضع نفسه مكان العدو.
ولكي يُجيب على هذا السؤال فإن عليه كما أسلفنا أن يضع نفسه في موضع العدو، وأن يفكر بعقلية العدو ووفق عقائده القتالية، وأن يتخذ القرارات المفترضة نيابةً عنه لارباكه .
ومن المؤكّد أنه سيصل بعد ذلك إلى عدّة احتمالات، ولكن عدد الاحتمالات ودرجة صحتها يتعلقان، قبل كل شيء، بمدى فهم القائد لأساليب العدو وطرائق تفكيره، وكلما نقص عدد الاحتمالات زادت إمكانية استخدامها لأنها تكون في هذه الحالة أقرب ما يمكن من الواقع.
ب) تقدير الصديق:
ويُقصد بذلك دراسة – الأنا – أي إمكانات وكفاءات الوحدة أو القطعة التي يقودها ووسائط التعزيز – التجحفل – الملحقة بها. والغاية من ذلك هي أن القائد عندما يصل إلى معرفة ما يريد عمله، وكيفية تحقيق هذه الإرادة، ورد فعل العدو خلال التنفيذ المفترض، وأسلوب معالجة المواقف المحتملة الناجمة عن رد فعل العدو، وينتقل القائد في هذه المرحلة الراهنة إلى السؤال الهام التالي: هل أستطيع تنفيذ ما أريد تنفيذه، وهل تسمح لي وسائلي التي هي تحت تصرفي بذلك؟
وتجيب دراسة “الوسائط المتوفرة” على هذا السؤال؛ وتتضمن هذه الدراسة قيام القائد – مستعيناً بضباط الأركان المختصين – بتقدير مطالبه القتالية والإدارية والتقنية، ومقارنة هذه المطالب مع الإمكانات التي يملكها، وتقدر المطالب بعدد الوحدات والأسلحة المشتركة في العمل القتالي، والدعم الناري المطلوب لتنفيذ المهمة القتالية، والوحدات الاحتياطية اللازمة لتوسيع عمل الوحدات المشاركة في القتال ودعمها ومساهمتها في أمن العملية – حيطة المعركة -؛ والمطالب الإدارية والفنية اللازمة للقوات المشاركة في المعركة.
ولا يتعرض القائد لأية صعوبة إذا كانت هذه الوسائل متلائمة مع احتياجات العمل القتالي المزمع تنفيذه، أما إذا كانت هذه الوسائل غير كافية، وكانت المهمة محددة من قبل النسق الأعلى المباشر، فإنه يتوجه بطلب وسائل إضافية من قبل رئيسه الأقدم لملاءمة الوسائل مع المهمة القتالية. فإذا تعذّر تأمين الدعم كلياً أو جزئياً، ترتب عليه مراجعة خطته وإعادة النظر فيها وإيجاد الوسائل التي تؤمن تنفيذ المهمة بالوسائل المتوفرة، أما في الحالات الخاصة التي يُحدد فيها القائد مهمته بنفسه، ثم يجد أن وسائله لا تؤمن له تحقيق المهمة، فإن عليه أن يُقلّص حجم المهمة التي اختارها لنفسه، حتى تُصبح متلائمة مع وسائله المتاحة والمتوفرة.
ج) تقدير الجوار:
بعد دراسة العدو والصديق – الأنا – ينتقل القائد ومعاونوه إلى دراسة الجوار الذين سوف يقاتلون إلى جواره من اليمين أو من اليسار أو في الأمام إذا كان ترتيب القطعة أو الوحدة في النسق الثاني من التشكيلة القتالية ويخرج بعد هذه الدراسة باستنتاجات حول مسألة التعاون مع الجوار في التنفيذ الأمثل لإنجاز المهمة القتالية الموكولة إليه، وأفضل الطرق والأساليب لتحقيق هذا التعاون المنشود.
د) دراسة الأرض:
من المعروف أنه على الأرض ترتسم المرحلة المهمة القتالية وتتجسد، ومن أجل فهم المهمة بشكل جيد يتوجب فهم ودراسة الأرض التي تُنفذ عليها. وليس للأرض عادة قيمة ذاتية، ولكن وجود الخصم – العدو – عليها هو العامل الذي يُحدد قيمتها ويعطيها القدرة على منع القائد القائم بالتخطيط من اعتماد التسهيلات التي تقدمها هذه الأرض.
وتتم دراسة الأرض بكل تفاصيلها في أرض العدو وفي أرض الصديق، وما تقدمه هذه الأراضي من تسهيلات لحركة ومناورة القوات ودرجة الاجتياز أو الصعوبة فيها بالنسبة للدبابات والآليات المدرعة والعربات القتالية الأخرى. ويستخلص القائد من هذه الدراسة الوافية للأرض الميزات العسكرية التي يمكن الإفادة منها وكذلك السلبيات الواجب عليه تجاوزها، سواءً أكانت هذه السلبيات طبيعية أم من صنع العدو – هندسية – كالموانع والخنادق وما شابه ذلك؛ وتتم دراسة الأرض من زاوية؛ النار، والحركة، والاختفاء، والحماية، والتمركز… إلخ.