ماذا تبقى للفلسطينيين كي يقدموه؟
دخلت قبل أيام في حوار مع مثقف فلسطيني حول الخطوات التي يجب أن تنفذ للوصول إلى تسوية. ولم أفاجأ من موقف المثقف هذا لأننا نسمعه كثيراً، ويطرح من دون أن يفكر بأبعاد الطروحات التي يعرضها.
الشيء الذي يلفت النظر هو الانتقاد المستمر للمواقف الفلسطينية وتحميلهم المسؤولية عن الفشل الذي يواكب المسيرة السياسية، وهو موقف “إسرائيلي” أمريكي غربي. صحيح أن هناك الكثير من الانتقادات للقيادة الفلسطينية، ولكن الذي يصغي بدقة لمواقف هذه الشريحة الفلسطينية المثقفة يتخيل وكأن “إسرائيل” هي التي تتحدث. فمثلاً تعتقد هذه الشريحة أنه طالما أن “إسرائيل” والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تعارض حق العودة فإنه يجب على الفلسطينيين أن يعيدوا النظر في موقفهم بالنسبة لهذا الحق ويفتشوا عن حل وسط.
ومن ثم نسمع أن المشكلة تتمحور حول عدم وجود وحدة فلسطينية ولهذا فإنه يصعب على “إسرائيل” التحرك في تجاه السلام. وهناك مشكلة حركة “حماس” التي ترى هذه الشريحة المثقفة أنه يجب عليها أن تقدم التنازلات وتسير مع التيار الغربي الأمريكي وليس ضده. ثم هناك مسألة المقاومة الفلسطينية: “ما فائدة هذه الصواريخ البدائية التي تطلقها المقاومة؟ إنها تجلب البلاء لشعبنا ولا تأتي بفائدة تذكر”. نسمع ذلك كثيراً من هذه الشريحة نفسها.
ويمكن الاستمرار بإعطاء المزيد من هذه الأمثلة، وأسارع إلى القول إن هذه الشريحة مخلصة وتتطلع إلى إنهاء الظلم اللاحق بأبناء شعبها ولا أتهمها بأي شكل من الأشكال بالعمالة.
فمعارضة “إسرائيل” لحق العودة لا تنبع من عدم وجود مكان لاستيعاب السكان الأصليين كما تدعي ولكنه نابع من موقف صهيوني إيديولوجي حيث يعتبر أن فلسطين تابعة لليهود وأنهم لم يرتكبوا أي خطأ تاريخي خلال القرن العشرين بما في ذلك طرد الفلسطينيين من ديارهم. فالاعتراف بحق العودة من جانبهم معناه الاعتراف بأن هناك سكاناً أصليين كانوا يعيشون في فلسطين قبل قيام دولتهم بمئات السنين، وهذا الأمر ينزع حقهم الذي يدعونه بالأرض. ومن هذا المنطلق نسمع قادة “إسرائيل” يقولون إنهم في أحسن الأحوال على استعداد بالسماح بلم شمل العائلات فقط باعتباره عملاً إنسانياً وليس حقاً.
ف “إسرائيل” منذ وجودها تراوغ كي لا تصل إلى حل عادل مع الفلسطينيين. ولا علاقة للأمر بالواقع الفلسطيني الآن بالموقف “الإسرائيلي” فماذا فعلت “إسرائيل” قبل الانقسام الأخير؟ هل وافقت على أي حل عرض عليها فلسطينياً أو عربياً أو دولياً؟ بالتأكيد كلا.
فمن السهل أن نلوم أنفسنا (وهناك ما يبرر ذلك) ولكن يجب أن ننظر عبر النافذة لنرى ما يجري على الجانب الآخر. شمعون بيريز طالب القادة العرب بالمجيء إلى الكنيست مقابل ماذا؟ وقادة “إسرائيل” على استعداد لعقد اتفاق سلام مع كل الدولة العربية، لكن بشروطها، ولكنهم يرفضون المشروع العربي للسلام الذي قدمته الدول العربية مجتمعة.
لقد حان الوقت لهذه الشريحة المثقفة ألا تجتر ما تردده “إسرائيل” وما يحاول أن يفرضه الغرب علينا، لأنه لا حدود لجشع “إسرائيل” والغرب. كما لم يتبق للفلسطينيين ما يتنازلون عنه سوى أن ينسوا أنهم فلسطينيون. وهذا مستحيل.