كابوس يوجع الاحتلال
المجد – خاص
قبل عدة أشهر احتفل نتانياهو ووزراء حكومته وجنرالات جيشه مبكراً، وأعلنوا للعالم أن انتفاضة القدس انتهت وأنه تم السيطرة عليها، ولكنهم سرعان ما تراجعوا عن ذلك وعادوا إلى الاعتراف بالحقيقة، التي تؤكد أن الغضب الشعبي مستمر، وأن الانتفاضة تقود نفسها ذاتيا، من دون خارطة طريق، مما حار منه العدو الصهيوني للحد الذي أصبحت العمليات الفردية هاجساً يؤرقهم، والمشكلة تكمن في عدم وجود حل ينهي هذه الظاهرة.
لقد جاء رد الفعل الصهيوني معبراً عن تخوفه الشديد من العمليات الفردية بتزايد عمليات الطعن ومن بعدها انتفاضة السيارات، معترفا بزيادة العبء الأمني الملقى على عاتق أجهزة الأمن، فضلا عن صعوبة مكافحة هذه الظاهرة، حيث تبين أنها من أصعب وأعقد المهام الموكلة لأجهزة الأمن، ومن أهم الآثار الناجمة عنها أن حوانيت بيع الأسلحة في الكيان امتلأت بالذين جاؤوا لشراء السلاح الشخصي للدفاع عن النفس، بعد تكرار حوادث الطعن المستمرة.
وقد اعترف ضباط في الجيش الصهيوني عن عدم امتلاكهم حلاً سحرياً يوقف هذه العمليات، بل إن تزايدها يعني أن قوة الردع الصهيونية تضعف يوما بعد يوم، والمفارقة _يقول مراقبون_ أن قيادة العدو القادرة على إعداد صاروخ "حيتس" الحديث المضاد للصواريخ، لم تنجح في تأمين سلامة مواطنيها أمام هجمات السكاكين وغيرها.
العجز الأمني
لعل أكثر ما أثار غضب قادة الكيان هو فشل الأجهزة الأمنية في الوصول إلى خيط رفيع للعمليات الفردية، لاسيما أن عدداً كبيراً من المقاومين يشتركون في تنفيذها وإعدادها، وتستغرق زمناً لا يزيد عن أيام قليلة، فهل يعقل ألا تنتبه المخابرات الصهيونية لهذه التحضيرات؟، وتبعاً لذلك تطلّب من المخابرات الصهيونية إخفاء نتيجة العمليات فترة طويلة لامتصاص ردة الفعل الجامحة المتوقع حدوثها في الوسط الصهيوني.
لقد تفوقت المقاومة في صراعها الاستخباري مع المخابرات الصهيونية، من خلال الفشل في تحديد المواصفات الجماعية المشتركة للمقاومين منفذي العمليات الفدائية كي يتم تحديد استراتيجية مضادة، ولم يتم وضع مواصفات دقيقة مشتركة لهم، لأنهم عكسوا التركيبة الاجتماعية للشعب الفلسطيني، فقد اشترك كل أطيافه في عمليات موجعة.
وفي تعليقه قال الخبير العسكري في موقع ويللا الإخباري أمير بخبوط إن جهاز الأمن العام الصهيوني "الشاباك" يواجه تحدياً أمنياً جدياً في الضفة الغربية يتمثل بملاحقة الخلايا الفلسطينية المسلحة غير المنظمة، وأقر بأن المخابرات الصهيونية تواجه صعوبات جادة في العثور على خلايا غير عنقودية ليست تابعة لأي من التنظيمات الفلسطينية المعروفة، مما يضع عراقيل ميدانية في العثور على أفرادها مبكراً قبل خروجهم لتنفيذ العمليات المسلحة، لأنهم يظهرون كما لو كانوا مواطنين عاديين دون انتماء لأي تنظيم فلسطيني.
وذكر أنه منذ اندلاع موجة العمليات الفلسطينية، عمل الشاباك في أربع مستويات لمطاردة الهجمات والخلايا المسلحة، شملت ملاحقة أي بنية تحتية يتم إنشاؤها، وتشخيص نشطاء المواجهات الميدانية من غير المنتمين للمنظمات الفلسطينية، وتعقب طرق الحصول على السلاح، واعتقال المطلوبين.
وخلص إلى القول: إن كل ذلك يعني أن خطر الخلايا المسلحة ما زال قائما، ويحوم في الأفق ولن ينقطع، لأنها تحظى بكثير من الدعم في الشارع الفلسطيني لتنفيذ عمليات فتاكة ضد أهداف صهيونية.
محاولات عقاب يائسة
عمدت قيادة الاحتلال بكل جهد لإخماد انتفاضة الضفة عبر اجهاضها للعمليات الفردية وتطورت أساليبها في ذلك فقامت بعدة سياسات كان أهمها:
– "العقاب الجماعي" فكانت قواته بعد كل عملية تقوم بحملة هدم لمنازل منفذيها وأفراد عائلاتهم، فضلا عن اعتقال أقاربهم والابعاد.
– مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وعمليات الاتصال بين الأفراد، فوجّه حربه نحوها وعدّها (التنظيم) المحرّض على الفعل، لدرجة دفعت (الكبينيت) الصهيوني لإصدار توصيات باعتقال كل من أبدى فرحه بالعملية على مواقع التواصل، وقد بات الاعتقال على خلفية الكتابة على موقع فيسبوك أمراً شائعاً مؤخراً تحت بند (التحريض).
– سنّ قوانين تساهم في التصدي للهجمات، والتي كان منها قانون "الإرهاب"، الذي أتاح لأجهزة الأمن الصهيوني توسيع عمليات الاعتقال والتحقيق، ومضاعفة الأحكام بحق النشطاء الفلسطينيين.
– تغيير طريقة التفكير والتعامل بطريقة أخرى مع المناطق التي لا يخرج منها منفذو العمليات، بإعطائها بعض الامتيازات الاقتصادية وحرية الحركة، على عكس تلك التي يخرج منها منفذون، والتي شددوا على ضرورة فرض الحصار عليها والتضييق على سكانها بكل الوسائل المتاحة.
– استجلاب العطف الدولي مثلما حصل بإلصاق تهمة "داعش"، بمنفذ عملية الدهس في مدينة القدس وتشبيه المقاومة الفلسطينية بالعمليات التي تتعرض لها دول العالم خاصة في أوروبا من قبل هذا التنظيم.
ولعلّ التخبط الصهيوني هذا من أهمّ بركات هذا النمط من العمليات، والأهم من ذلك أنه مهما حاول العدو اخماد انتفاضة القدس إلا أن هناك من هم أشد اصراراً على استمراريتها، وسيبقى كابوس العمليات الفدائية الفردية يقض مضاجع العدو حتى زوال الاحتلال بإذن الله.