الحرب النفسية
المجد – خاص
إن موضوع الحرب النفسية من أخطر موضوعات الساعة محلياً وعالمياً، حيث أن القوى العالمية بدأت بتجميد الصراع المادي واستعاضت عنه بالحرب النفسية، وليس هناك من شك في أن الأمة العربية والإسلامية تواجه اليوم حرباً حضارية تستهدف تدمير قواها وفرض التبعية عليها، ومنعها من القيام بالنهضة الحضارية التي ترجوها، واستعادة مكانتها اللائقة بها.
وإذا كانت الحرب بالسلاح والغزو العسكري والغارات الخاطفة هي التي تلفت النظر، وتستأثر بالاهتمام والانتباه، لما يصاحبها من ضجيج وقعقعة على الصعيدين المحلي والدولي، إلا أن هناك نوعاً من الحروب، لا يصاحبها ضجيج وقعقعة، لكن خطره على الأمة قد يكون أكبر من الحرب بالسلاح، فلا ينبغي أن تغفل عنه أو تقلل من شأنه. وتلك هي الحرب النفسية.
ومن طبيعة الحرب النفسية الاستمرار، فإذا كان القتال له نهاية يوماً ما، فإن الحرب النفسية عملية ليس لها نهاية، بل هي مستمرة في السلم والحرب على حد سواء، ومن هنا يأتي خطرها، ويضاعف من هذا الخطر ما يتسم به هذا العصر من تقدم مذهل في وسائل الاتصال والنشر والإعلام، بحيث يمكن أن يقال: إن الإنسان الآن يتنفس الحرب النفسية والدعاية كما يتنفس الهواء، ولكن مع فارق كبير بين العمليتين، فهو حين يتنفس الهواء يأخذ ما ينفعه – الاوكسجين- ويلفظ ما يضره- ثاني أكسيد الكربون- أما حين يتنفس الحرب النفسية والدعاية، فهو لا يستطيع في أغلب الأحوال أن يفعل مثل ذلك، فهو معرض للإصابة (بالعلة النفسية) التي قد تدمر فيه الإرادة والإيجابية والقوة المعنوية تدميراً تاماً.
وإذا كانت الحرب بالسلاح تستطيع أن تدمر القوات والمعدات، وإذا كانت الحرب الاقتصادية تحرم الخصم من المواد الحيوية، فإن الحرب النفسية تجرد الإنسان من أثمن ما لديه وهو الإرادة، فهي تستهدف عقل الإنسان وتفكيره وقلبه وعواطفه للتأثير على سلوكه.
لذا نجد جميع الدول الاستعمارية تمتلك منظومة ضخمة من وسائل الإعلام بلغات متعددة وبأنواعها: المكتوبة كالصحف والمجلات، والمسموعة كالإذاعات، والمرئية كالفضائيات، والالكترونية كالمواقع والصفحات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة، وتنفق عليها الملايين من ميزانيتها، كل ذلك بهدف ممارسة الحرب النفسية على مواطنيها وعلى خصومها وأعدائها لما لها من قوة تأثير في السيطرة على عقل الإنسان وسلب إرادته.