ملخص / كتاب “الدولة اليهودية” لـ تيودور هرتزل (1)
المجد- خاص
تيودور هرتزل يهودي ولد في المجر عام 1860، وعاش تحت وطأة معاداة اليهود منذ مراحل عمره الأولى إلى أن عمل مراسلًا صحفيًا في باريس.
أيقن أن مسألة ذوبان اليهود في مجتمعاتهم الأوروبية وأمريكا وقبولها لهم ما هو إلا سراب، وأن التنوير الأوروبي والكلام عن حقوق الإنسان والمواطنة لن يجدي نفعًا في أن يعيش اليهود كمواطنين من الدرجة الاولى، فاستجمع أفكاره وفصلها تفصيلًا مغريًا، وغلفها بطابعٍ دينيٍ وعزف على وتر القومية، ووضعها في كتاب يحمل الأمنية التي يجب أن تتحقق لتجميع يهود العالم وسماه: الدولة اليهودية.
يقول هرتزل في تقديمه للكتاب (فكرة الكتاب هي فكرة بالغة القدم، ألا وهي إحياء دولة اليهود، فأنا لم أكتشف لا حالة اليهود، ولا سبل الارتقاء بها، وأرى أن قضية اليهود لم تعد قضية اجتماعية او دينية، إنها قضية قومية لا يمكن حلها إلا إذا أصبحت قضية سياسية عالمية يتم تسويتها في ظل مجلس يتشاور فيه الأمم المتحضرة.
وعن أهمية الفكرة في تحقيق أي مشروع يقول: فقط الفكرة تستطيع نقل أمة من مكان لآخر، ولدى فكرة إقامة دولة اليهود القوة المطلوبة لتحقيق ذلك، فتلك الفكرة هي حلم اليهود الأول منذ فجر تاريخهم، ولكم ترددت على ألسنتهم عبارة: العام القادم في القدس، أما اليوم فهي إظهار أنه بالإمكان تحويل هذا الحلم لواقع ملموس، ثم يطرح هرتزل وسائل تحقيق فكرته، ولكي يتحقق ذلك يجب التخلص أولًا من الأفكار القديمة والبالية المربكة والمحدودة من عقول الأفراد فقد تتخيل بعض العقول البليدة أن ذلك ما هو إلا هجرة من منطقة متحضرة إلى الصحراء، إلا أن الأمر ليس كذلك فسيتم تنفيذ الفكرة في قلب الحضارة، لن نهبط الى مستوى أدنى، بل سنرتفع لمرتبةٍ أعلى، لن نتخذ من الأكواخ الطينية سكناً لنا، بل سنبني منازل أكثر حداثة وبهاء وسنمتلكها في أمان.
يعبر هرتزل عن قناعته بمشروعه وفكرته رغم شعوره بأن العمر قد لا يسعفه لرؤية ثمار جهده، حيث يقول: أنا مقتنع تمامًا بأنني على صواب، بالرغم من شكي في أني سأحيا حتى تثبت الأيام أني كنت على حق، فهؤلاء الذين سيبدؤون هذه الحركة لن يعيشوا لرؤية نهايتها المجيدة، بيد أن في خلقها ما يكفي من الفخر والسعادة بوع من الحرية الروحانية.
ويشير إلى أهمية التعاون في إنجاح المشروع خاصة عند الشباب، فيقول: إذا تعاون عدد من اليهود على تنفيذها فستبدو منطقية تمامًا، ولن يشكل إتمامها أية صعوبة، يتوقف الأمر فقط على عدد مؤيديها، وأحسب أن رواج الفكرة سيعتمد في الأساس على شباب اليهود المتحمس الذين انغلقت أمامهم كل سبل التقدم، ويرون في الدولة اليهودية الغد المشرق الحامل لكافة معاني الحرية والسعادة والشرف.
وبالرغم من الثقة التي ملأت نفس هرتزل، إلا أنه لم يخف قلقه على مشروعه، حيث قال: يتوقف على اليهود أنفسهم أن يبقى هذا الكتيب السياسي مجرد خيال سياسي، وإذا كان الجيل الحالي بهذا القدر من الفتور بحيث يعجز عن فهم هذا الكتيب على النحو الصحيح، فسينهض في المستقبل جيل أفضل وأحسن يستطيع فهمه.
وعن اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها يتذمر هرتزل من سوء المكافأة التي يتلقاها اليهود حيث يقول: لقد حاولنا بصدق في كل مكان أن ندمج أنفسنا في المجتمعات التي نتواجد بها، ولكن لا يسمح لنا بذلك، ونحاول بلا طائلٍ أن نكون وطنين مخلصين ونقدم التضحيات من الممتلكات والارواح التي يقدمها نظراؤنا من المواطنين، ونرفع اسم البلد الذي ولدنا به في العلوم والفنون ولزيادة ثرواته من خلال التجارة، وبالرغم من ذلك لا زلنا ننعت بالغرباء.
يشتكي هرتزل من الآخرين بسبب مشاعرهم من اليهود حيث يقول: ولا يزال التحامل القديم علينا قابعًا في أعماق قلوب الناس، ومن يحتاج لأدلة فليستمع لهم حين يتحدثون بصراحة، لكنه يتحدث بلهجة التحدي فيقول: إلا أنه ليس بإمكان القهر والاضطهاد القضاء علينا فلا توجد أمة على وجهِ الأرض تغلبت على مثل الصراعات والمعاناة التي خضناها، إن حملات التحريض ضدنا أوقعت الضعفاء فقط، أما الأقوياء فكانوا مخلصين بثباتٍ لجنسهم عندما تعرضوا للاضطهاد، ويختم: قد تذبل وتسقط أغصان كاملة من الشجرة اليهودية، أما جذعها فباقٍ. يتبع في أجزاء لاحقة.
يستمر هرتزل في الحديث عن معاناةِ اليهود في البلادِ التي يعيشون فيها، ويعبر عن استيائه لأنها وصلت لدرجة طردهم من مجال التجارة، ورفع ضدهم شعار "لا تشترِ من اليهود"، ويتساءل "هل يمكننا الانتظار في هذه الحالة حتى تتحول قلوب أمراء شعوب هذه الأرض إلى قلوبٍ أكثر رحمةً بنا؟" يجيب "لا أمل في تغيير المشاعر الحالية لأنه لن يكون بمقدور الأمراء حمايتنا، بل سيذكون مشاعر الحقد الشعبية ضدنا من خلال إظهار بالغ العطف تجاهنا".