تقنية التعرّف على الوجوه مزايا ومخاطر
المجد – خاص
تطوّر التكنولوجيا في العالم ليس أمرا سيئا ولا سلبيا ولا يدعو إلى الذعر، بل على العكس، فتطور التكنولوجيا من شأنه أن يخدم البشرية وأن يكون عونا للإنسان العادي في حياته اليومية فيسهّل عليه كل متطلبات العصر وواجبات الفرد، إلا أنه في ذات الوقت، يُعتبر مفيد لرجال الأمن والاستخبارات والأجهزة المُختصّة في هذه الشؤون كما هو مفيد للمواطن العادي وربما أكثر.
هذا المقال ليس دعوة إلى الرّجعيّة التكنولوجية أو نبذ التطورات العلمية أو البقاء في ذيل القائمة العالمية في متابعة الطفرة العلمية والتقنية التي نعيشها، إنما جاءت هذه الكلمات لنتعامل ضمن حدود الأمن الطبيعي والمعتاد الذي يتوجب على كل شعب يقبع تحت نير الاحتلال ويتعرض يوميا لحملات الاستهداف الأمني والإسقاط التقني والنفسي أن يتبعها ويعيها ويتكيّف على العيش في كنفها.
شركة "لوكساند" الأمريكية هي شركة خاصة تمّ إنشاؤها عام 2005م لتعمل في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا معرفة الإحصاء البيولوجي، حيث عملت الشركة على تطوير عدة برمجيات تتعامل تحديدا مع الوجوه البشرية، قاطعةً شوطا كبيرا في عالم تقنية "الفيشيال ريكوجنشن" وتعني التعرف على ملامح الوجه، ويمكننا أن نرى ببساطة هذه التقنية في أبسط صورها من خلال هواتفنا الذكية ذات الخدمات المتعلقة بالوجه كفتح قفل الهاتف عن طريق صورة وجه المستخدم أو حتى التقاط الصورة عند الابتسام أو إظهار إطار على الوجوه التي تلتقطها عدسات كاميراتنا إلى عمل الإشارات على الوجوه مثل تلك التي نراها على الفيسبوك.
عملت "لوكساند" منذ نشأتها على تطوير أكبر قاعدة بيانات للوجوه في العالم حيث تعتمد هذه الشركة على دخلها من خلال بيع حقوق استخدام هذه القاعدة إلى من يحتاجها من مطوري البرامج ومطوري الألعاب والأفلام ثلاثية الأبعاد بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية كالشرطة والاستخبارات وكذلك الشركات الأمنية الخاصة، وكل ذلك لأغراض طبيعية جدا لا علاقة لها بإسقاطنا كفلسطينيين تحديدا، كل ما في الأمر أنها شركة تقوم بجمع جميع الوجوه في العالم -كما تطمح لذلك الشركة- وتُأرشفها جميعا في قاعدة بياناتها وتقوم ببيع حقوق استخدامها لمن يحتاجها.
تفتخر شركة "لوكساند" عبر موقعها الرسمي بمجموعة من أبرز زبائنها -الذين وافقوا بالطبع على عرضهم للعامة- ويمكننا ملاحظة شركات عالمية كبرى ذات خلفيات ومجالات مختلفة أبرزها شركتي "سامسونج" و "إل جي" اللتان تحترفان صناعة الأجهزة الذكية، شركة "يوني فيرسال" للإنتاج السينمائي، شركتي "فورد" و "بوينج" للسيارات والطائرات على التوالي، بالإضافة لشركات أخرى ترغب في قاعدة بيانات لوجوه مستخدميها أو ترغب باقتناء تقنية التعرف إلى الوجوه أو حتى ترغب بتقديم هذه التقنية لمستخدميها مثل إرفاقها في عدسات الكاميرات.
"لوكساند" ابتكرت عديد التطبيقات والأدوات التي تُشجع المستخدمين على رفع صورهم للشركة ما يسمح لها بأرشفة وجوههم في قواعدها، بعضها كانت تطبيقات تعنى بتسلية المستخدم، مثل تطبيقي "Avatar API" و "E-Cards API" وهما يقومان بأخذ صور وجوه المستخدمين ووضعها في قوالب وإطارات وكروت معايدة وتهاني وما إلى ذلك، أمثلة أخرى على تطبيقات وأدوات "لوكساند" هما أداتي "Face Aging API" و "Zombie API" ويقومان أيضا بأخذ صور المستخدمين وإضافة تأثيرات عليها مثل تحويل الوجه إلى "زومبي" -أي الموتى الأحياء- أو تحويل صاحب الصورة إلى رجل طاعن في السن باستخدام بعض التأثيرات.
خلال عام 2018 أطلقت "لوكساند" تطبيقات جديدة لهواتف الأندرويد وضخّت عليها مبالغ طائلة لقوم بالإعلان عنها بشكل مُموّل على عديد منصّات التواصل الاجتماعي في عديد دول العالم ومن ضمنها فلسطين، هذه التطبيقات تسمح للمستخدمين بتجربة قدرة تقنية الشركة على التعرف إلى الأشخاص من خلال وجوههم، فعندما تقوم بتصوير أحد أصدقاءك سيعرض لك التطبيق بعض التنبؤات حول شخصية صديقك، حالته المزاجية، عمره، أصوله العرقية، وإلى آخر ذلك من التنبؤات، وبهذه الطريقة يُمكن للشركة الوصول إلى وجهك ووجوه عائلتك وكل من توجد صورة لوجوههم في هاتفك بالإضافة إلى من تريد ممارسة معهم تنبؤات "لوكساند" من أصدقاءك، و "لوكساند" بالطبع تستمتع بتكبير قاعدة بيانات الوجوه لديها مما يزيد من سعر هذه القاعدة وهو ما سيزيد أرباح الشركة بالتأكيد.
ولكن، إذا كان كل العالم يتعامل مع هذه التقنيات الحديثة، وأصبح العالم كله كقرية صغيرة يعرف كل واحد فيها الآخر بكل سهولة، فلماذا القلق؟ ولماذا التخوّف من استخدام هذه التقنية أو التعامل معها؟
بالتأكيد بسبب وضعنا الخاص كشعب يعاني من الاحتلال، ولأن الاحتلال سيكون أسعد ما يكون عندما يقوم بتزويد معداته العسكرية التي تتعرف على وجوه المتظاهرين والمرابطين والناس الذين يقعون في مرمى بصر هذه الأجهزة بقواعد بيانات "لوكساند"، ثم يكون محظوظا بأن تكون "لوكساند" قد وضعت وجوهنا جميعا في تلك القواعد التي تم بيعها لجيش الاحتلال، ما سيسمح لهم باقتناص المطلوبين بكل سهولة ويسر حتى إذا أخفوا أنفسهم وسط ألوفٍ مؤلفة من الحشود والوجوه المختلفة، ليس ذلك فحسب، بل إن ذلك سيسهّل على أجهزة استخبارات العدو التعرف على وجوه منفذي العمليات البطولية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين أو حتى في أراضينا المحتلة عام 1948م، بمجرد مرور المطلوب عند أيّة كاميرا يُسيطر الاحتلال على تسجيلاتها، ويمكنه حينها الحصول على معلومات شافية وكافية عنه بكل سهولة ويُسر.